انفجرت الثورة في 25 يناير/كانون الثاني 2011، في كل ربوع مصر، فلم يكن لها ميدانٌ واحد، وإن كان التحرير أشهرها، إذ من الصعب تذكّر ميدان رئيسي في محافظة مصرية كان خالياً من تظاهرة مُطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ومع تشابه وتيرة الأحداث في جميع الميادين أثناء الثورة، فقد تميّزت بعض الميادين بالصمود والصلابة والمقاومة.
ميدان التحرير
التحرير عروس الميادين ورمز الثورة المصرية. تظاهراته المليونية، والصدامات التي حدثت على تخومه وداخله بين المتظاهرين والشرطة، نقلتها عدسات الفضائيات على الهواء مباشرة. وكان ذلك محفّزاً للملايين في أرجاء مصر للنزول إلى الشوارع احتجاجاً على عقودٍ من الظلم والفساد.
الميدان، الذي يقع في قلب القاهرة، كان ملتقى الثورات المصرية منذ ثورة 1919، حين أطلق عليه المتظاهرون اسم ميدان التحرير. وشهد أيضاً تظاهرات 1935 ضد الاحتلال الإنجليزي، وتظاهرات 18 يناير 1977 ضد الغلاء. أصبح للميدان رمزية سياسية تتجاوز الحدود عقب الثورة المصرية، فقد احتضن خيمة للثورة السورية (2011) لفترة طويلة.
وقبل حركة 30 يونيو/حزيران 2013، صار الميدان مرتعاً للبلطجية عبر تكتيك استخباراتي واضح، وتم إغلاقه في وجه الثوّار، بشتى الطرق لدرجة إلغاء وقوف مترو الأنفاق في محطة السادات الواقعة وسط الميدان. وفي ذكرى الثورة من كل عام يتحول الميدان إلى ثكنة عسكرية وشرطية خوفاً من عودة المتظاهرين إليه.
ميدان عبد المنعم رياض
شارك ميدان "عبد المنعم رياض" في أحداث الثورة من بدايتها، إذ لا يبتعد عن ميدان التحرير أكثر من 200 متر، وهي مسافة جعلت اعتصام المتظاهرين في الميدانين متصلاً في بعض التظاهرات المليونية. شهد الميدان وقوع العديد من الضحايا في أول أيام الثورة وحتى جمعة الغضب (28 يناير 2011)، حيث تمركزت فيه بعض قوات الأمن المركزي المتربصة بثوار التحرير.
كان يوم 28 يناير أكثر أيام عبد المنعم رياض سخونة، لناحية الكرّ والفرّ بين الشرطة والمتظاهرين، الذين انطلقوا إلى الشوارع الجانبية في ماسبيرو والأزقة والحواري الضيقة، التي لم يستطع الإسعاف الدخول إليها لإنقاذ المصابين أو نقل الضحايا، وفقاً لشهود العيان. وقد سُمّي الميدان باسم أحد أبطال العسكرية المصرية الأحرار، الفريق عبد المنعم رياض، الذي استشهد أثناء معركة مع العدو الصهيوني في حرب الاستنزاف سنة 1969.
اقرأ أيضاً: بعد إغلاق التحرير...الثورة بميدان "تويتر": الشعب يريد إسقاط النظام
ساحة القائد إبراهيم
يقع مسجد القائد إبراهيم في منطقة محطة الرمل بالإسكندرية، وهو مسجد فريد في تصميمه، مميّز بمئذنته العالية وزخارفه المتنوعة. أُنشئ في عام 1948 وقام بتصميمه المهندس الإيطالي ماريو روسي. ظلّت ساحة المسجد ملتقى المصلين بالإسكندرية، خصوصاً في صلاة التراويح في رمضان، ثم صارت محوراً لتجمّع ثوار الإسكندرية وانطلاقهم للتظاهر في كافة أرجاء العاصمة الثانية لمصر. وكانت السيطرة على الساحة محل اهتمام "الدولة العميقة"، التي دفعت البلطجية المعروفين إعلامياً باسم "المواطنين الشرفاء"، بمحاصرة المسجد والمصلين بمساعدة الشرطة مرات عدة.
ومن أشهر خطباء المسجد الشيخ أحمد المحلاوي، الذي عاد للمنبر في ظلّ ثورة يناير، بعد انقطاع دام ثلاثة عقود منذ أن اعتُقل ومُنع من الخطابة بأمر من الرئيس المُغتال أنور السادات، على إثر معارضته العلنية والخطابية لاتفاقية كامب ديفيد وسياسات الحكومة آنذاك.
ميدان الشونة
حاصرت قوات الأمن المتظاهرين داخل الميدان في يناير 2011، غير أن تفجّر المظاهرات في أنحاء مختلفة من المدينة أفشل الحصار الأمني، وانضم إليهم آلاف المواطنين من الشوارع والميادين الأخرى. ووقعت اشتباكات دامية سقط فيها بعض الضحايا بين قتيل وجريح.
ميدان الأربعين
في ظلّ توجه الأنظار إلى ميدان التحرير، جاءت الأخبار بتفجّر التظاهرات الشرسة في السويس، إذ تجمّع المتظاهرون في ميدان الأربعين، مما خفّف الضغط على متظاهري القاهرة والإسكندرية، الذين شعروا بأن للثورة سنداً قوياً وشرساً في محافظات القناة.
الطريف أن ميدان الأربعين، الذي يُنسَب لمسجد سيدي الأربعين، سبق ميدان التحرير في التظاهر، إذ خرجت فيه التظاهرات يوم 21 يناير 2011 احتفالاً بسقوط الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. لكن أبرز أحداث الميدان كانت يوم 27 يناير، حين تعدّت قوات الأمن على المتظاهرين السلميين. سقط أكثر من 33 قتيلاً، كانت دماؤهم وقوداً لارتفاع وتيرة الصمود والتحدي.
ميدان الشهداء
لم تكن بورسعيد أقل ثورة من السويس، وكان ميدان الشهداء هو القُبلة التي توجّه لها المتظاهرون. يقع الميدان قريباً من مجموعة من الهيئات الحكومية الحيوية كمبنى المحافظة ومقر أمن الدولة ومجمع المصالح. بدأت التظاهرات قليلة العدد، لا تتجاوز العشرات، وشيئاً فشيئاً زادت الأعداد. احتشدت قوات الأمن لكبح التمرد مبكراً، واندفعت في استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ثم الرصاص الحي في اليوم الأول للثورة، فسقط ثلاثة ضحايا، ما دفع أهل بورسعيد للنزول بكثافة إلى ميدان الشهداء واستكمال مسيرة النضال ثأراً لأبنائها الراحلين.
اقرأ أيضاً مصر: "هلع أمني" وسط القاهرة قبل ذكرى الثورة