افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السنة التشريعية الجديدة للبرلمان التركي بكلمة ألقاها، حدد خلالها معالم السياسة الخارجية التركية في الفترة المقبلة، والتي لا يبدو أنها ستشهد أي تغيّرات، وذلك وسط حضور مكثف لأحزاب المعارضة وقيادة أركان الجيش التركي، والسفراء الأجانب، وعلى رأسهم السفير الأميركي في العاصمة التركية أنقرة، جون باس.
وأكد أروغان على ضرورة الحفاظ على "روح الوحدة" التي تحلت بها الأمة التركية، أثناء وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، في منتصف يوليو/ تموز الماضي، داعيا إلى ضرورة كتابة دستور مدني جديد بدل الدستور الحالي الذي وضعه انقلابيو 1980 أو على الأقل التوصل لاتفاق لإجراء تعديلات دستورية واسعة.
وعبّر عن تأييده للجهود التي يبذلها النواب الأتراك، قائلا: "أنا أرى أن الجهود المستمرة التي يبذلها المجلس للتوصل إلى تعديلات دستورية خطوة إيجابية"، مشيرا إلى ضرورة العمل على تغيير القواعد الداخلية الناظمة لعمل المجلس النيابي ليتمكن من التحرك بفعالية وسرعة أكبر.
وشدد على ضرورة تواجد تركيا في كل من سورية والعراق، معتبرا أن التطورات الجارية في البلدين تشكل تهديداً وجودياً يستوجب على أنقرة عدم إهمالها.
وذكر أردوغان أن عملية درع الفرات التي باشرتها القوات المسلحة التركية، في أغسطس/ آب الماضي، لدعم قوات المعارضة السورية المعتدلة، ستستمر، وأنها نالت الدعم من قبل الشعب السوري، مشيرا إلى أن أول أهداف هذه العملية إلى جانب إبعاد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عن الحدود التركية، هو إقامة منطقة آمنة، مشددا على إيمان بلاده بإمكانية التوصل إلى حل سياسي عادل في سورية.
وشدد على أن الموقف التركي من سورية لم يتغيّر، قائلا: "إن الموقف التركي مما يحصل في سورية كان واضحا منذ البداية، نحن نؤمن بأنه بالإمكان حل المشاكل في سورية عبر احترام إرادة الشعب السوري والحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية".
وتابع: "هدفنا في عملية درع الفرات التي بدأت في جرابلس وامتدت نحو الغرب والجنوب، هو في الخطوة الأولى إقامة منطقة آمنة بمساحة 5 آلاف كلم مربع، عبر تطهيرها من التنظيمات الإرهابية"، في إشارة إلى كل من داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني).
وقال إن عملية درع الفرات أكدت أن أبناء البلاد قادرون على إدارة بلادهم، وأسقطت الطروحات التي كانت تجعل من الاتحاد الديمقراطي الشريك الوحيد في محاربة "داعش".
وعبّر عن اعتراضه على مشاركة "المليشيات الطائفية" في معركة تحرير الموصل، في إشارة إلى قوات الحشد الشعبي، قائلا: "إنهم الآن يحاولون أن يلعبوا الألاعيب ذاتها في الموصل، (كما في شمال سورية)، عبر تقديم المليشيات الشيعية وحزب العمال الكردستاني إلى الساحة لمحاربة التنظيم، دون أخذ أي اعتبارات للحساسيات المذهبية والعرقية. لا بد من تخريب هذه الألاعيب"، مضيفا: "سنستمر في بذل جهودنا لمنع أي اشتبكات عرقية أو مذهبية في الموصل".
ولم يفت أردوغان توجيه انتقادات شديدة للإدارة الأميركية بسبب تعاونها مع حزب الاتحاد الديمقراطي، قائلا: "أخيرا، نشهد تناقضًا خطيرًا في سياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه منطقتنا، فضلًا عن وجود مؤشرات لتعدد صنّاع القرار لديها، بينما يتعاون جزء من الإدارة الأميركية بإصرار مع التنظيمات الإرهابية كحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، في سورية والعراق، في حين يحاول جزء آخر انتهاج سياسات تراعي مواقفنا الحساسة تجاه تلك المنظمات".
وتزامنا مع تعزيز علاقات التعاون على مختلف المستويات بين كل من المملكة العربية السعودية وتركيا، انتقد أردوغان بشدة القانون الذي أقره الكونغرس الأميركي وعاد وكسر حق النقض الذي مارسه الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وقال أردوغان: "لقد كان أمراً مؤسفاً إقرار الكونغرس الأميركي للقانون الذي يتيح محاكمة المسؤولين السعوديين بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر... وننتظر أن تتم العودة عن هذه الخطوة الخاطئة".
وبعد أن أكد على استمرار تطبيع العلاقات مع كل من روسيا ودولة الاحتلال، وجه أردوغان انتقادات شديدة للاتحاد الأوروبي على عدم التزامه برفع تأشيرة الدخول وتنفيذ الاتفاق التركي الأوروبي حول إعادة قبول اللاجئين، مشددا مرة أخرى على الموعد النهائي الذي منحته أنقرة للاتحاد للالتزام بتنفيذ الاتفاقات التي تم التوقيع عليها أو الانسحاب منها.
البرلمان يقر تمديد العمليات في العراق وسورية
من جهته، أقر البرلمان التركي، اليوم، في أول جلسة له، تمديد المذكرة البرلمانية التي تسمح بقيام القوات المسلحة التركية بعمليات داخل كل من الأراضي العراقية والأراضي السورية لمدة 13 شهرا.
وتم تمرير المذكرة بغالبية أصوات البرلمان التركي، لغاية 30 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، وذلك بعد موافقة كل من حزب العدلة والتنمية (الحاكم) وحزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) وحزب الحركة القومية (يميني متطرف)، بينما رفض حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) تمديد المذكرة.
وأكد وزير الدفاع التركي، فكري إشك، قبيل التصويت على المذكرة، بأن الهدف الرئيسي لعملية درع الفرات هو ضرب تنظيم "داعش"، مشيرا إلى أن العملية لن تسمح في الوقت ذاته بسيطرة أي تنظيم إرهابي على المناطق التي سيخليها "داعش"، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) الذي حاول التمدد على الشريط الحدود التركي معلنا إنشاء فيدرالية من طرف واحد، بحجة قتال "داعش".
وستشمل أول أعمال المجلس النيابي التركي، تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، الأمر الذي يبدو مضمونا، رغم اعتراض كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي على تمديد المذكرة وحالة الطوارئ.
وكذلك سيتم العمل على تمرير عدد من التعديلات الدستورية التي ستطاول تركيب مجلس الأمن القومي التركي وقيادة الأركان وإخراج قائد قوات الدرك منهما وإتمام إلحاق هذه القوات بوزارة الداخلية، وكذلك إجراء تعديلات على السلطة القضائية، من بينها إلغاء المحاكم والادعاء العام العسكري إلا في حالة الحرب. وأيضا سيتم تمرير عدد من الإصلاحات الاقتصادية لتحسين صورة الاقتصاد التركي بعد الهزة التي تعرض لها إثر المحاولة الانقلابية.