تعيش الساحة السياسية التونسية خلال هذه الفترة حالة من الارتباك الشديد، ظهرت ملامحها في أكثر من أزمة وعلى أكثر من مستوى، حزبي ورسمي واجتماعي. ولئن كانت لهذا الارتباك أسباب متعددة، فإن الانتخابات البلدية التي تمثّل الاستحقاق الأقرب والاختبار الأول للأحزاب ومؤسسات ما بعد 2014، هي السبب الرئيسي لما تشهده الأحزاب من استقالات وخلافات داخلية عاصفة، وللحراك الكبير الذي يعرفه المشهد السياسي، ما قد يقود إلى ولادة أحزاب وتحالفات جديدة، قد ينسف بعضها مكوّنات هامة من المشهد الذي قاد إلى انتخابات 2014 وأفرز الحالة السياسية الراهنة.
ويبدو أن التوازنات التي قادت إلى نتائج الانتخابات الماضية، وما تلاها من تحالفات، وما شهدته بعد ذلك من نتائج أفرزت واقعاً سياسياً جديداً، يبدو أنها لم تعد ترضي أكثر من طرف، وهو ما يفسر رغبة في تغييرها، وخلق واقع سياسي جديد يقوم على توازنات مختلفة، قد تفاجئ الكثيرين.
ولأن النخب التونسية اختارت أن يكون تنافسها ديمقراطياً، وأن تحتكم بالأساس إلى صندوق الاقتراع، فإن الانتخابات البلدية تمثّل بالنسبة لكل الكيانات الحزبية موعداً حاسماً لاعتبارات متعددة. ومن أبرز هذه الاعتبارات أن الناخب التونسي سيحكم على مرحلة ما بين انتخابين، وسيقوم بتقييم حصيلة ما أفرزه بنفسه في الانتخابات الماضية، وسيعلن عن قراره بشأن ما تحقق وما لم يتحقق، في ظل النتائج المحققة حتى الآن على مستوى الأمن والأداء الاجتماعي والسياسي. ويتوقع الجميع تقريباً نتائج هذا التقييم بحكم حالة عدم الرضا التي أظهرتها كل عمليات سبر الآراء، ما ولّد مخاوف واضحة من تصويت عقابي قد يغيّر من قواعد اللعبة السياسية، وربما يكون تمهيداً للانتخابات النيابية التي تليها.
ولكن هناك عاملاً ثانياً مهماً، يتعلق بجوهر الانتخابات البلدية، المختلفة كلياً في تونس عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، لأنها تدور حول انتماءات محلية وحاجات يومية، وتعتمد على معرفة لصيقة بالشخصيات المرشحة، وهي بهذا الشكل تكاد تكون غير حزبية تقريباً. بالإضافة إلى الصلاحيات التي منحها الدستور الجديد لإدارة الشأن البلدي والإقليمي، والتي ستقلّص بشكل كبير من سطوة الأحزاب، ولعلها ستحوّل دورها إلى ثانوي، ولذلك تسعى الأحزاب إلى أن تكون مستعدة منذ الآن لهذا الموعد وأن تتسلل إلى الشأن المحلي وتتغلغل في تفاصيل الحاجات اليومية، وأن تختار مرشحيها من بين الناس الذين يعرفهم الناخبون في القرى والمدن الصغيرة قبل الكبيرة، حتى لا يتم إقصاؤها من المشهد الجديد. ولكن هذا الأمر لا يبدو يسيراً، ويتطلب امتدادات شعبية في الأقاليم والقرى والمدن، وهو أمر غير متاح في الوقت الراهن لأغلب الأحزاب، التي أجّلت عملها حول القواعد الشعبية على حساب مناكفات إعلامية وجدالات سياسية بعيداً عن الأطراف. ولعل تجربة واحات جِمْنة قد نبّهت إلى أن التونسيين قد لا يحتاجون لأحزاب، وربما لمؤسسات رسمية لتلبية حاجاتهم وإدارة مشاريعهم والتأثير في حياتهم اليومية، وهو ما تسبب في حالة الارتباك التي بدت عليها مؤسسات الدولة من جهة، وتضارب المواقف الحزبية من جهة أخرى.
كل هذه العوامل مجتمعة، أظهرت أن كل الأحزاب التونسية، أو معظمها، غير جاهزة لهذا الموعد الحاسم، وهو ما جعل الانتخابات تتأجل أكثر من مرة، وراكَم مشاكل الحياة اليومية بسبب عدم انتخاب البلديات منذ قيام الثورة التونسية. وبعد أن كانت مقررة هذا العام، في أكثر من موعد، تأجلت حتى مارس/آذار من العام المقبل ثم إلى نهايته، قبل أن تصبح الخشية من عدم اجرائها أصلاً في 2017. وهو ما جعل رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، يؤكد في تصريح صحافي أنه أصبح من المستحيل إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر في آذار/مارس 2017 بسبب التأخير المتعمد من السياسيين في إقرار قانون الانتخابات. وأضاف أن الموعد الممكن للانتخابات مرتبط بالمصادقة على القانون الانتخابي، وأنه ليس واضحاً متى سيتم ذلك. ولم يتردد صرصار في التأكيد على أن "جزءاً كبيراً من السياسيين ليس مهتماً بالانتخابات ولا يضعها ضمن أولوياته"، وأن "الأحزاب تعمّدت تأخير الانتخابات، وهي تريد تأخيرها إلى أبعد وقت ممكن لأنها ليست جاهزة".
اقــرأ أيضاً
وكان عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، أكد أن الهيئة عملت على توفير كل الظروف الملائمة لوجستياً وتقنياً لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر وهو أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مضيفاً في تصريح صحافي أن "عدم التصويت على القانون الخاص بالانتخابات يضع الهيئة أمام حل وحيد وهو إرجاء الانتخابات إلى السنة المقبلة حتى تكون الأمور مضبوطة وأكثر دقة بعيداً عن أي ضغوطات". وأوضح بفون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017، ستكون موعداً مناسباً لتنظيم الانتخابات البلدية، معتبراً أنه تاريخ معقول وممكن، لأن الهيئة يلزمها على الأقل 8 أشهر من العمل منذ صدور القانون الانتخابي إلى حين تاريخ الانتخابات. وأعلن أنه في حال صدور قانون الانتخابات أواخر 2016 أو في شهر يناير/كانون الثاني 2017، فإن اجراء الانتخابات سيكون ممكناً في نهاية 2017، لافتاً إلى أن الهيئة تحبّذ تنظيم الانتخابات في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 وليس في شهر سبتمبر/أيلول، لأنه تاريخ يتزامن مع العودة المدرسية والجامعية، وبالتالي فإن الناخب التونسي ينشغل باستحقاقات أخرى، معتبراً أن التجربة في الانتخابات التشريعية والرئاسية بيّنت أن شهر أكتوبر مناسب جداً لإجراء الانتخابات.
وأضاف أنه في حال استحال تنظيمها في أكتوبر، فيمكن حينها أن تنظّم في نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول 2017. وأشار إلى أنّ الهيئة تحبذ عدم تأجيل الانتخابات إلى 2018، لأن التونسيين سيكونون على موعد مع الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019، وبالتالي فإن دعوة التونسيين إلى الانتخاب في مناسبات متتالية ستؤثر سلبياً على عملية التصويت وستكون لها انعكاسات عديدة وهي عملية فيها الكثير من الإجحاف للناخب التونسي.
وحول تعطيل المصادقة على بعض فصول القانون الانتخابي، ومنها الجدل حول السماح للأمنيين والعسكريين بالتصويت، وموقف الهيئة منها، قال بفون إنّه سيتم الحسم في القانون الانتخابي، ويمكن اللجوء إلى آلية التصويت داخل مجلس النواب، معتبراً أن الهيئة تحبذ التوافق ولكن في حال عدم التوصل إليه فالحلول ممكنة لإجراء الانتخابات وعدم تأجيلها أكثر.
وأعلن أن الهيئة ليس لديها اعتراض على مشاركة الأمنيين والعسكريين إذا قرر مجلس النواب ذلك، بل يمكن للهيئة أن تفيد المجلس في بعض المسائل التقنية كمشاركة الأمنيين والعسكريين قبل يومين من باقي المواطنين وتخصيص سجل الناخبين لقوات الأمن والجيش. وأشار إلى أن تخصيص الأمنيين بيوم أمر ضروري، لأن يوم الاقتراع مهم ولديهم مهمة تأمين وحماية المقرات ما يستوجب تركيزاً كبيراً وتحضيراً، وبالتالي يفرض تواجدهم في أماكن العمل ما يقتضي تحضير مراكز خاصة بهم.
ورأى عضو الهيئة المستقلة للانتخابات، أنّ التأجيل المستمر للقانون الانتخابي وعدم المصادقة عليه حتى الآن، يعود إلى الأحزاب السياسية التي هي من مكوّنات مجلس النواب، معتبراً أن تأخير الانتخابات من عدمه يعود إلى إرادة الأحزاب السياسية، ولو أنها أرادت إنجاز الانتخابات في أقرب وقت لتم ذلك. وأكد بفون، أن هذا لا يعني أن الأحزاب غير جاهزة، لأنها يمكن أن تكون جاهزة للانتخابات ولكن هناك حسابات سياسية وراء هذا التأخير وعدم وجود إرادة ورغبة جادة في إنجاز الانتخابات في أوائل عام 2017.
ولكن هناك عاملاً ثانياً مهماً، يتعلق بجوهر الانتخابات البلدية، المختلفة كلياً في تونس عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، لأنها تدور حول انتماءات محلية وحاجات يومية، وتعتمد على معرفة لصيقة بالشخصيات المرشحة، وهي بهذا الشكل تكاد تكون غير حزبية تقريباً. بالإضافة إلى الصلاحيات التي منحها الدستور الجديد لإدارة الشأن البلدي والإقليمي، والتي ستقلّص بشكل كبير من سطوة الأحزاب، ولعلها ستحوّل دورها إلى ثانوي، ولذلك تسعى الأحزاب إلى أن تكون مستعدة منذ الآن لهذا الموعد وأن تتسلل إلى الشأن المحلي وتتغلغل في تفاصيل الحاجات اليومية، وأن تختار مرشحيها من بين الناس الذين يعرفهم الناخبون في القرى والمدن الصغيرة قبل الكبيرة، حتى لا يتم إقصاؤها من المشهد الجديد. ولكن هذا الأمر لا يبدو يسيراً، ويتطلب امتدادات شعبية في الأقاليم والقرى والمدن، وهو أمر غير متاح في الوقت الراهن لأغلب الأحزاب، التي أجّلت عملها حول القواعد الشعبية على حساب مناكفات إعلامية وجدالات سياسية بعيداً عن الأطراف. ولعل تجربة واحات جِمْنة قد نبّهت إلى أن التونسيين قد لا يحتاجون لأحزاب، وربما لمؤسسات رسمية لتلبية حاجاتهم وإدارة مشاريعهم والتأثير في حياتهم اليومية، وهو ما تسبب في حالة الارتباك التي بدت عليها مؤسسات الدولة من جهة، وتضارب المواقف الحزبية من جهة أخرى.
كل هذه العوامل مجتمعة، أظهرت أن كل الأحزاب التونسية، أو معظمها، غير جاهزة لهذا الموعد الحاسم، وهو ما جعل الانتخابات تتأجل أكثر من مرة، وراكَم مشاكل الحياة اليومية بسبب عدم انتخاب البلديات منذ قيام الثورة التونسية. وبعد أن كانت مقررة هذا العام، في أكثر من موعد، تأجلت حتى مارس/آذار من العام المقبل ثم إلى نهايته، قبل أن تصبح الخشية من عدم اجرائها أصلاً في 2017. وهو ما جعل رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، يؤكد في تصريح صحافي أنه أصبح من المستحيل إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر في آذار/مارس 2017 بسبب التأخير المتعمد من السياسيين في إقرار قانون الانتخابات. وأضاف أن الموعد الممكن للانتخابات مرتبط بالمصادقة على القانون الانتخابي، وأنه ليس واضحاً متى سيتم ذلك. ولم يتردد صرصار في التأكيد على أن "جزءاً كبيراً من السياسيين ليس مهتماً بالانتخابات ولا يضعها ضمن أولوياته"، وأن "الأحزاب تعمّدت تأخير الانتخابات، وهي تريد تأخيرها إلى أبعد وقت ممكن لأنها ليست جاهزة".
وكان عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، أكد أن الهيئة عملت على توفير كل الظروف الملائمة لوجستياً وتقنياً لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر وهو أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مضيفاً في تصريح صحافي أن "عدم التصويت على القانون الخاص بالانتخابات يضع الهيئة أمام حل وحيد وهو إرجاء الانتخابات إلى السنة المقبلة حتى تكون الأمور مضبوطة وأكثر دقة بعيداً عن أي ضغوطات". وأوضح بفون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017، ستكون موعداً مناسباً لتنظيم الانتخابات البلدية، معتبراً أنه تاريخ معقول وممكن، لأن الهيئة يلزمها على الأقل 8 أشهر من العمل منذ صدور القانون الانتخابي إلى حين تاريخ الانتخابات. وأعلن أنه في حال صدور قانون الانتخابات أواخر 2016 أو في شهر يناير/كانون الثاني 2017، فإن اجراء الانتخابات سيكون ممكناً في نهاية 2017، لافتاً إلى أن الهيئة تحبّذ تنظيم الانتخابات في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 وليس في شهر سبتمبر/أيلول، لأنه تاريخ يتزامن مع العودة المدرسية والجامعية، وبالتالي فإن الناخب التونسي ينشغل باستحقاقات أخرى، معتبراً أن التجربة في الانتخابات التشريعية والرئاسية بيّنت أن شهر أكتوبر مناسب جداً لإجراء الانتخابات.
وأضاف أنه في حال استحال تنظيمها في أكتوبر، فيمكن حينها أن تنظّم في نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول 2017. وأشار إلى أنّ الهيئة تحبذ عدم تأجيل الانتخابات إلى 2018، لأن التونسيين سيكونون على موعد مع الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019، وبالتالي فإن دعوة التونسيين إلى الانتخاب في مناسبات متتالية ستؤثر سلبياً على عملية التصويت وستكون لها انعكاسات عديدة وهي عملية فيها الكثير من الإجحاف للناخب التونسي.
وأعلن أن الهيئة ليس لديها اعتراض على مشاركة الأمنيين والعسكريين إذا قرر مجلس النواب ذلك، بل يمكن للهيئة أن تفيد المجلس في بعض المسائل التقنية كمشاركة الأمنيين والعسكريين قبل يومين من باقي المواطنين وتخصيص سجل الناخبين لقوات الأمن والجيش. وأشار إلى أن تخصيص الأمنيين بيوم أمر ضروري، لأن يوم الاقتراع مهم ولديهم مهمة تأمين وحماية المقرات ما يستوجب تركيزاً كبيراً وتحضيراً، وبالتالي يفرض تواجدهم في أماكن العمل ما يقتضي تحضير مراكز خاصة بهم.
ورأى عضو الهيئة المستقلة للانتخابات، أنّ التأجيل المستمر للقانون الانتخابي وعدم المصادقة عليه حتى الآن، يعود إلى الأحزاب السياسية التي هي من مكوّنات مجلس النواب، معتبراً أن تأخير الانتخابات من عدمه يعود إلى إرادة الأحزاب السياسية، ولو أنها أرادت إنجاز الانتخابات في أقرب وقت لتم ذلك. وأكد بفون، أن هذا لا يعني أن الأحزاب غير جاهزة، لأنها يمكن أن تكون جاهزة للانتخابات ولكن هناك حسابات سياسية وراء هذا التأخير وعدم وجود إرادة ورغبة جادة في إنجاز الانتخابات في أوائل عام 2017.