لكن اللافت في هذه التسريبات هو تأكيد الوجود الأميركي إلى جانب كل الأطراف في البلاد، خصوصاً أن اعترافات المسؤولين المقربين من قائد القوات التابعة لبرلمان طبرق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عن وجود عناصر استخباراتية داخل غرف قيادتها تشي، ربما، بوجود قوات خاصة وطائرات استطلاع شرقي البلاد، وإن لم تشارك في القتال.
وخلال المدة التي سبقت إعلانها الأخير في أغسطس/آب الماضي، لم تكشف الولايات المتحدة عن أي تدخل في ليبيا، باستثناء مرتين. الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حين أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) عن مقتل نائب زعيم "داعش"، أبو نبيل الأنباري، في درنة شرقي البلاد، والثانية حين قتلت عددا كبيرا من عناصر التنظيم في مصراتة.
وفي السياق، أكد مسؤول عسكري ضمن لجنة الترتيبات الأمنية التابعة للمجلس الرئاسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن وجود أميركي في ليبيا أكبر من المعلن عنه، مشددا على أن "الولايات المتحدة تعمل مع كل الأطراف، وإن بدا أنها تدعم سياسيا المجلس الرئاسي. ولم تخف حتى لمسؤولي المجلس الرئاسي عملها مع حفتر، لكنها بررت ذلك بأنها مضطرة لذلك لحماية مصالحها في مناطق لم يتمكن المجلس الرئاسي من بسط سيطرته عليها".
كما كشف المسؤول ذاته عن تنسيق أميركي مع ضباط ليبيين من الطرفين منذ سبتمبر/أيلول 2015. وقال إن "الولايات المتحدة لا تعمل في ليبيا فقط. لديها قيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، وخططها تتجاوز ليبيا للقضاء على تنظميات أخرى، مثل بوكو حرام، والقاعدة في المغرب العربي. ولذا ليس بوسعها انتظار اتفاق الليبيين. وتعاملت منذ سبتمبر/أيلول الماضي مع ضباط ليبيين من "فجر ليبيا" في مصراتة، وآخرين من قوات حفتر شرقي البلاد وأقصى غربها".
وأضاف أن "أفريكوم استضافت العديد من الضباط من الطرفين بمقرها في شتوتغارت الألمانية أكثر من مرة، وهناك أفرزت من يمكنها التعامل معه. وعلى هذا الأساس، كانت ترسل فرقها الخاصة لتنفيذ عمليات نوعية في أكثر من منطقة في البلاد، أو حتى خبراء عسكريين وجدوا في بنغازي ومصراتة".
وأشار إلى أنه "حتى الضربات الجوية على مواقع الإرهابيين لم تحصرها المنطقة الجغرافية في سرت، فقد استهدف الطيران الأميركي عددا من المناطق، لا سيما جنوبي سرت، وحول بني وليد، وفي الجنوب الليبي".
وعن تنسيق قوات المجلس الرئاسي في سرت مع القوات الأميركية، أوضح أن "هناك غرفة طوارئ للعمليات الجوية أنشئت لهذا الغرض، لكن التنسيق منحصر في ضربات سرت فقط. فالأميركيون لا يبلغون السلطات في طرابلس بأي تحرك عسكري في مناطق أخرى، لا سيما في الجنوب والشرق، لكننا نعلم بعمليات خاطفة لهم بعد حدوثها".
وأعلنت قيادة "أفريكوم"، في يناير/كانون الثاني الماضي، عن مخطط مدته خمس سنوات يهدف إلى تشديد الخناق على المجموعات المسلحة في أفريقيا. وأشار قائدها، الجنرال دافيد رودريغيز، إلى أن 3.500 عنصر تابعين لـ"داعش" في ليبيا سيكونون ضمن خططها، وأنها "ستعمل على منع التنظيم من الاستحواذ على المزيد من الأراضي في ليبيا".
وعن حقيقة الوجود الأميركي على الأرض في سرت، قال المسؤول الليبي، "نعم هناك وجود أميركي، وإيطالي، وبريطاني، لكنه لا يتعدى وجود ضباط مخابرات وخبراء عسكريين ضمن غرفة القيادة الرئيسية لعملية سرت في القاعدة الجوية بمصراتة، دخلوا لخطوط القتال في سرت بالفعل لتحديد مكان الضربات الجوية. ونفذوا ثلاث عمليات نوعية بمفردهم على بعض المواقع، إحداها كانت للقبض على قادة لداعش، ونقلوا عبر ميناء سرت إلى مكان مجهول، ربما إلى إيطاليا".
ولفت إلى أن "الجهة الوحيدة التي تتصل وتتعامل مع هذه المجموعات الأجنبية هي فرقة خاصة تلقت تدريبا عاليا السنوات الماضية خارج ليبيا، وهي تابعة للواء الحلبوص بسرت، والسبب أن الكتائب الأخرى غير مؤهلة عسكريا ولا تقنيا للتعامل معهم".
وأشار إلى "غموض في طريقة وجود هذه القوات الأجنبية وطبيعة تحركها وعملها. فنحن لم نطلب عونا أميركيا، والجميع فوجئ برئيس حكومة الوفاق يتلو بيانا لبدء الضربات الأميركية في سرت. وسألنا عن الغرض من الإعلان ومن سينسق معهم؟ وهل سيتوقف طيراننا؟ لكننا لم نتلق جوابا، لتتدخل عناصر ليبية جديدة من فرقة الحلبوص الخاصة في غرفة القيادة بمصراتة".
وعن وجود قواعد أميركية في ليبيا، شدد على أنه "بالمطلق لا يوجد، ولا يمكن لقوات عالية التدريب والخبرة أن تكون في مكان ثابت ببلد تجتاحه الفوضى. فهي تستخدم قواعد في صقلية وسفنا لها، من بينها سفينة حربية تبدلت حتى الآن مرتين، وترسو قبالة سرت". وأوضح أن "الولايات التحدة لا يوجد لها شريك فاعل سوى إيطاليا، التي أعلنت أنها فتحت قواعدها للقوات الأميركية لمواجهة الإرهاب في ليبيا. لكن دول الجوار، مثل تونس والجزائر، ترفض أن تستخدم أراضيها لإقلاع طيران أميركي. وهي متخوفة جدا من تدخل عسكري صريح في ليبيا حفاظا على أمن دولها".
وكشف المتحدث ذاته عن "تنفيذ جنود كوماندوز أميركيين عمليات نوعية في سرت وفي أجدابيا، وعلى الطريق الصحراوي المار جنوب مدن الساحل بشرق ليبيا، وفي الجنوب الليبي. لكن لا نستطيع تحديد المكان، وكلها كانت عبر إنزال جوي لساعات، ويعودون عند انتهاء العمليات".
وعن تفاصيل هذه العمليات قال: "هم لا يطلعوننا على التفاصيل ولا على نتائج هذه العمليات، ولا يعترفون أصلا بوقوعها، وحتى العمليات الثلاث في سرت غير متاحة لنا". وأضاف أن "هناك غموضاً يسود طبيعة اجتماعات مسؤول الملف الأمني بالبعثة الأممية، الجنرال الإيطالي باولو سيرا، وضباط ليبيين عقدت أكثر من مرة في مصراتة وفي قاعدة امعيتيقة بطرابلس. نحن لا نملك السلطة لفرضها على هؤلاء الضباط الليبيين الذين ينتمون رسميا لوزارة دفاع حكومة الوفاق، لكنهم بمعزل عنها تماما، ومرتبطون بالجنرال الإيطالي وبدول أجنبية، منها أميركا، حتى أن إقاماتهم في مالطا وتونس أكثر من وجودهم في طرابلس".
وأكد المسؤول الليبي تصريحات قادة تابعين لحفتر عن وجود أميركي وإيطالي غربي البلاد، قائلاً: "نعم حدث أن وجدت فرقة أميركية بقاعدة الوطية التي تقع تحت سيطرة الزنتان، غربي البلاد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكانت بموافقة حفتر نفسه، لكن تفاصيل عملها مجهولة".
في المقابل، أكد المصدر أن وجود قوة إيطالية في قاعدة الجفرة، وسط البلاد، قبل أسبوعين، كان بموافقة المجلس الرئاسي، بغرض المساعدة في عمليات البحث عن عمال إيطاليين مخطوفين بالقرب من غات منذ الشهر الماضي".
وأقر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، بيتر كوك، في مايو/أيار الماضي، بوجود "فرق أميركية صغيرة" في ليبيا، لكنه برر وجودها بأنها تسعى لـ"التعرف على القوى القائمة، ومحاولة التعرف بدقة على نواياها"، مؤكدا أن هذه الفرق لا تملك وجودا "دائما" في ليبيا، وهي تدخل البلاد وتخرج.
ورأى المسؤول ذاته أن "تداخل السياسي بالعسكري عسّر علينا فهم طبيعة إعلان أميركا لوجودها، لكن من ناحية عسكرية يمكننا القول إن حجم الوجود الأميركي لم يتغيّر، باستثناء تكثيف ضرباته في سرت بشكل معلن، وكثيرين منا يعتقدون أن لها هدفا مزدوجاً. فبالإضافة إلى إضعاف داعش، يمثل الإعلان الأميركي عن وجوده في سرت مسعى للحد من الوجود الفرنسي شرقي البلاد، وهو ما حدث، إذ قلصت فرنسا من وجودها هناك، كما أن هذا الإعلان الأميركي دعا مصر والإمارات، تحديداً، إلى إعادة حساباتهما ورغباتهما في التدخل عسكريا في ليبيا".