وفور نيله الثقة، تحدث راخوي للبرلمان، قائلاً: "لا تطلبوا مني شيكاً على بياض ولا القمر. اطلبوا مني حكومة مستقرة". ما معناه أن راخوي واع بالهامش الضيق الذي ستتحرك فيه حكومته التي سيعلن تشكيلتها، يوم الخميس المقبل. وستكون الحكومة الأضعف في تاريخ إسبانيا الحديث، لكونها حازت على ثقة 137 نائباً فقط من مجموع 350 نائباً في البرلمان. وسيكبّل هذا الأمر يدي راخوي، ويجبره على التفاوض في كل مرة تقرر فيها حكومته اصدار قانون ما حتى ولو كان ثانوياً. وسيكون تحت رحمة رئيس حزب ثيودادانوس ألبيرت ريفيرا، الذي بنى نجاح حزبه الوليد على محاربة الرشوة والفساد، التي كان راخوي وحزبه يمثلانها في المشهد السياسي الإسباني. وهنا مكمن المفارقة في هذا الائتلاف، الذي يجمع بين الشيء ونقيضه، ما جعل عدداً من المراقبين يتشاءمون من قدرة هذا الائتلاف الحكومي الهش على الصمود طويلاً.
نجاح راخوي يخفي مفارقة سياسية أخرى، ذلك أنه خرج منتصراً بعد أزمة دامت عشرة أشهر، على الرغم أن حزبه الذي حكم إسبانيا منذ عام 2011، ترك خلفه حصيلة سيئة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وسمعة ملطخة بفضائح الفساد والرشوة، في حين أن منافسه، الحزب الاشتراكي، يعيش على شفير الانهيار بعد استقالة رئيسه بيدرو سانشيز، بسبب رغبة قيادة الحزب في السماح لراخوي بتشكيل حكومة جديدة على الرغم من عدم امتلاكه الغالبية المطلقة في البرلمان. وكان سانشيز يعتبر أنه يتعيّن على الاشتراكي عرقلة جهود راخوي في تشكيل الحكومة، ويؤدي دور القوة المعارضة الرئيسية، بدلاً من ترك الساحة فارغة لحزب بوديموس المعادي لسياسة التقشف، والذي قد يتحول إلى الحزب المعارض الوحيد في حال تحالف الاشتراكي مع راخوي.
وقبل نيل راخوي الثقة في البرلمان بساعات قليلة قدم سانشيز استقالته من منصبه كنائب، معلناً أنه سيعود إلى نقطة الصفر كمناضل بسيط في الاشتراكي. والواقع أن القيادة الجديدة في الاشتراكي كانت تخشى أن يؤدي اعتراض سانشيز على راخوي إلى إجراء انتخابات جديدة، هي الثالثة خلال سنة، وتؤدي إلى خسارتهم مزيداً من الأصوات.
ويبقى الرابح الوحيد من هذا المسلسل السياسي هو حزب "بوديموس" الذي يتطلع الآن إلى أداء دور المعارض الرئيسي، وصار في إمكانه أن يتباهى بأنه لم يشارك لا من قريب ولا من بعيد في "طبخة" إنجاح راخوي. كما يمكنه اتهام الاشتراكيين بالتحالف مع اليمين، مؤججاً تصدّع البيت الاشتراكي.
وبخلاف نواب الاشتراكي الذين امتنعوا عن التصويت دعماً لراخوي، صوّت كل نواب بوديموس الـ71، ضد منح الثقة برؤوس عالية. وفي خطابه أمام البرلمان، وجّه زعيم الحزب، بابلو ايغليسياس، تهديداً شديد اللهجة إلى راخوي، محذّراً من مغبة التمادي في سياسة يمينية وليبرالية تثقل كاهل الشعب. كما وعد بأن "بوديموس سيدافع عن الطبقات الشعبية في البرلمان وأيضاً في الشارع". ودعا ايغليسياس مناضلي بوديموس لتهيئة أنفسهم لمساندة إضراب عام ضد الحكومة قد تدعو إليه النقابات في الأشهر المقبلة.
والآن وبعد أن طوي مسلسل الشغور السياسي تبدو ولاية السنوات الأربع القادمة فترة اضطراب معلنة عندما يتعلق الأمر بمقاربة قضايا سياسية أساسية تهمّ مستقبل البلاد، مثل التعليم والتقاعد والبطالة ومكافحة الفساد ووحدة البلاد المهددة بالميول الانفصالية في إقليم كتالونيا.
وستكون المهمة الأكثر تعقيداً في سعي الحكومة الجديدة مطلع العام المقبل توفير ميزانية ضخمة، من أجل خفض العجز العام للدولة، نزولاً عند توجيهات الاتحاد الأوروبي، وتحت طائلة التعرض لعقوبات في حال عدم تخفيض العجز. وسيجد راخوي أمامه معارضة شديدة من طرف نواب اليسار في الاشتراكي، كما في بوديموس، على هذه التدابير بالإضافة إلى الشارع الذي من المتوقع أن يعلن احتجاجه بقوة كلما لجأت الحكومة الجديدة الى إجراءات تقشفية.
في المقابل، يتوفر لراخوي بعض الذخيرة في مواجهة خصومه، فهو في حال وجد نفسه في مأزق، فسيلوح بسلاح حل البرلمان الذي سيسعى الاشتراكيون إلى تجنبه بأي ثمن، لأنهم يحتاجون إلى "إعادة توحيد صفوفهم" قبل أي انتخابات جديدة تهدد بفقدانهم المزيد من المقاعد. وسيتمتع راخوي أيضاً بحماية ثمينة في مجلس الشيوخ، لامتلاك اليمين غالبية مطلقة تتيح له عرقلة أي إجراء دستوري ضده.