أعاد انطلاق معركة تحرير الموصل، شمالي العراق، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حالة الخوف إلى مناطق حزام بغداد، إذ يؤكد سكانها أن أمنهم واستقرارهم بات يتعلق بارتفاع حدة المعارك بين القوات العراقية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). فكلما انطلقت معركة وارتفعت حدتها شهدت مناطقهم عمليات مداهمة واستفزازا واعتقالات من قبل القوات الحكومية والمليشيات، بحسب قولهم.
فما لبثت أن هدأت الأوضاع في مناطق على أطراف بغداد الشمالية والشمالية الشرقية، عقب انقضاء معركة الفلوجة، في يونيو/حزيران الماضي، وانتهت بتحرير المدينة التي سيطر عليها "داعش" لما يقرب من عامين ونصف العام، حتى عادت القرى والأقضية في حزام بغداد تعاني قسوة القوات الأمنية والمليشيات على سكانها.
وبحسب تأكيدات السكان، فإن المليشيات التي تنتشر على محيط مناطقهم لا يتوقف عناصرها عن إسماعهم كلمات التهديد، ووصفهم بأنهم عناصر إرهابية يجب قتلهم.
ثلاثة أشهر فقط، يقول نصيف الجنابي، ارتاح فيها سكان قريته والقرى المجاورة لها على أطراف بغداد الشمالية من استهداف المليشيات. الجنابي الذي يعمل مزارعاً، أضاف لـ"العربي الجديد" أن ذلك كان بعد انتهاء معركة الفلوجة، موضحاً "كانت معركة الفلوجة آخر معركة ضد داعش. خلالها كنا نواجه عمليات مداهمة واعتقالات من قبل قوات أمنية ومليشيات، لقد تركت عدد من العائلات منازلها للحفاظ على أبنائها، لكنهم عادوا بعد انتهاء معركة الفلوجة".
الجنابي وسكان قريته يؤكدون أن عمليات تحرير المدن من تنظيم "داعش" صارت "تعود بالشر علينا". والسبب يعود، بحسب طه المحسن وهو من أقارب الجنابي، إلى أن "المليشيات تتحجج بوجود داعش في مناطقنا وتمارس عملياتها الانتقامية" بحسب قوله.
ويضيف أن "المليشيات تأخذ على عاتقها حماية مناطق حزام بغداد، لكنها تمارس الإجرام بحق السكان، يعتقلون ويقتلون متى يريدون، نحن متأكدون أن المليشيات هي من تقف وراء تلك التفجيرات القريبة من مناطقنا وهدفهم مطاردتنا. نعلم أن لا نجاة لنا سوى بترك مناطقنا، وهذا أمر صعب".
عملية التهجير القسري، بحسب سكان مناطق مختلفة من العراق، لا سيما أطراف بغداد، خطة ممنهجة اتبعتها المليشيات في إطار خطة التغيير الديموغرافي الذي تنتهجه وأنتج حتى الآن مدناً بصبغة طائفية لم تكن معروفة قبل غزو البلاد عام 2003، وظهور المليشيات المسلحة التي صارت لاحقاً قوة فاعلة على أرض الواقع، ومدعومة من قبل الحكومة العراقية.
يروي مصدر أمني في قيادة عمليات بغداد لـ"العربي الجديد" أن المعلومات التي تؤكدها الأجهزة الأمنية تفيد بوجود أوكار لتنظيم "داعش" في مناطق حزام بغداد، لكنه يكشف أنه "لو كان ذلك حقيقياً فلماذا تشن القوات العسكرية معارك في محافظات أخرى كالأنبار، وصلاح الدين، والموصل، وتترك مناطق صغيرة نسبياً ومحصورة داخل مناطق تسيطر عليها القوات الأمنية".
وأضاف أنه "الأولى أن يتم القضاء على هذه الأوكار، لتأمين محيط بغداد، وبالتالي تأمين بغداد لتنطلق المعارك إلى مناطق أبعد".
في السياق ذاته، قال خالد الحيالي، وهو شيخ قبلي من قضاء الطارمية، إحدى مناطق حزام بغداد الشمالية، لـ"العربي الجديد" إن قراهم لا يوجد فيها من ينتمي لـ"داعش"، مبيناً "كان ذلك قبل نحو عامين حين اتخذ بعض عناصر داعش بساتين مناطقنا ملاذاً لهم، ومنها ينطلقون في تنفيذ عمليات ضد القوات الأمنية. لكن السكان رفضوا ذلك وتعاونوا مع الجهات الأمنية وتم القضاء على تلك العناصر".
وأضاف الحيالي أن "المليشيات تفرض وجودها في مناطقنا كلما نشبت معارك مع داعش في مناطق مختلفة بالعراق، صار داعش حجة يتخذونها لتنفيذ عمليات ضد القرى التي تحيط ببغداد. نعلم جيداً أنهم يريدون تهجيرنا ليستولوا على مناطقنا".
وتساءل "إلى أين نذهب؟ هنا مزارعنا وبساتيننا وبيوتنا منذ عقود طويلة". وبين أن "المليشيات منذ بدء معركة الموصل وهي تتحرك وتتجول في مناطقنا، على الرغم من أن القوات الأمنية الحكومية تفرض سيطرتها عليها. وهناك تعاون متواصل بين السكان والقوات الأمنية، والوضع مستقر، لكن عودة اللااستقرار لمناطقنا دائماً ما تسبقه تحركات للمليشيات".
مواطنون من قرى في محيط بغداد أكدوا أن عمليات قتل نفذت بحق عدد من السكان في قرى حزام بغداد الشمالي. وبحسب أحمد النداوي وهو من رجال الأمن في قضاء الطارمية، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "مَن نفذ عمليات القتل مسلحون كانوا يرتدون زياً أفغانياً، قتلوا عدداً من الرجال أمام عائلاتهم".
لكن النداوي الذي يؤكد أنه وسكان منطقته يعلمون جيداً أن لا وجود لعناصر "داعش" بمناطقهم، أوضح "تلك إحدى خطط المليشيات، وهذه ليست المرة الأولى، هم يمارسون القتل باسم داعش ليخلقوا فرصة لممارسة العنف ضد السكان وتطهير المناطق من أهلها".
ومنذ انطلاق معركة الموصل شهدت مناطق في شمالي بغداد تفجيرات عدة أوقعت عشرات القتلى والجرحى، بين صفوف المدنيين. ويشهد العراق وضعاً أمنياً متردياً منذ الغزو الأميركي عام 2003، وزاد مع بروز مليشيات مسلحة متهمة بارتكاب فظائع وانتهاكات بحق مدنيين لأسباب طائفية بحسب ما توثق تقارير محلية ودولية.