تحديات صعبة أمام الحكومة التونسية... وفخ الأجور يهدد الشاهد

10 أكتوبر 2016
يواجه الشاهد غضب الشارع من البطالة والأجور (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
يلتقي رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بطلب منه، قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم الإثنين، في ما يبدو موعداً حاسماً بين الطرفين، للتباحث في الوضع العام في البلاد ومناقشة استئناف المفاوضات المعطّلة في القطاع الخاص، وموقف الحكومة من زيادة الأجور للسنوات المقبلة، خصوصاً بعد الفيتو الذي رفعته المنظمة النقابية أمام مشروع الشاهد لحل الأزمة الاقتصادية في تونس. وسيكون نجاح أو فشل هذا الاجتماع محدداً رئيسياً لمستقبل هذه الحكومة وللوضع الاجتماعي في تونس.
ولم تكن ولادة حكومة الشاهد طبيعية، فقد جاءت على أنقاض حكومة فشلت في إدارة الملفات الكبرى، هي حكومة الحبيب الصيد التي أقيلت من مهامها، ما يضع حكومة الشاهد أمام حتمية النجاح وتقديم إنجازات أفضل من سابقتها. ورافقت تشكيل الحكومة الحالية تباشير عدّة، أولها أنها حكومة وحدة وطنية تجمع طيفاً متنوعاً من الليبيراليين والإسلاميين واليساريين والنقابيين، لأول مرة في تونس، ويقودها شاب متحمس، قال في أولى كلماته للتونسيين إنه سيعالج الملفات بطريقة غير تقليديّة، وسيقترح حلولاً جديدة للمعضلات القديمة.
وجاءت أهم هذه التباشير أيضاً بعد توقيع كل المتحاورين على وثيقة تتضمن خطوط سير هذه الحكومة، وهي وثيقة قرطاج، ومن بينهم أهم طرف اجتماعي في البلاد، الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي يستحيل من دونه إدخال أية تغييرات على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ويستحيل من دونه أيضاً نجاح أية حكومة. وحصلت حكومة الشاهد أخيراً على أغلبية واسعة في مجلس النواب، ما جعل ظروف النجاح متوفرة أمامها، نظرياً.
غير أن هذه الحكومة اصطدمت منذ اللحظات الأولى لتعيينها بالواقع، والذي لم يكن جديداً ولا مفاجئاً، إذ عصف بحكومات قبلها وغيّر كل تفاصيل المشهد السياسي أكثر من مرة، ووجد الشاهد نفسه في القصرين، يداوي جراح العشرات ويشيّع جثامين القتلى، ويحاول إطفاء النيران المشتعلة في خمودة وقرقنة والحوض المنجمي.
غير أن سقف الآمال التي وضعتها أحزاب الائتلاف الجديد، والرئيس الباجي قائد السبسي في هذه الحكومة، بدا كأنه أعلى من الواقع، إذ تواجه هذه الحكومة لحظات صعبة للغاية، وربما تكون الأشهر المتبقية من هذا العام محددة لمصيرها ومصير داعميها.
وجاءت النذر الأولى من أهم مكونات وثيقة قرطاج، اتحاد الشغل، والذي عبّر عن رفضه المطلق لأي تأخير أو إلغاء للزيادات المتفق عليها، وطالب الحكومة "بإقرارها وفق الأقساط المرسومة". ولكن أخطر ما ورد في بيانه قبل أيام، اعتباره "التنصّل من ذلك ضرباً لمصداقية التفاوض وتهديداً للاستقرار الاجتماعي وتنصّلاً من الالتزام بوثيقة قرطاج التي تعهّدت الحكومة الحالية بتطبيقها".
ويشكّل هذا الموقف منعطفاً خطيراً يهدد أرضية حكومة الوحدة الوطنية، والتي قامت على وثيقة قرطاج التي التزمت بها الأطراف السياسية والاجتماعية الموقّعة. وكان الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، قد أكد مراراً أن استمرار دعم منظمته لحكومة الشاهد مرتبط بمدى التزامها بوثيقة قرطاج، وهو يعتبر اليوم أن تصريحات رئيس الحكومة، ولقاء ممثلي الاتحاد بممثلي الحكومة في جلسة ما يسمى بـ"4+4" تُعدّ تنصلاً من الوثيقة المذكورة.
وشهدت الأيام الماضية في تونس تواتر التحذيرات من أطراف عديدة. واعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن "وضع تونس الاقتصادي أتعس من اليونان. ويجب أن نعترف اليوم أن الاقتصاد ينزف ويراكم الخسائر يوماً بعد يوم". وأضاف سعيدان في تصريح إذاعي: "اليونان تحظى بمساندة الاتحاد الأوروبي، في حين أننا لا يمكن أن نعوّل إلا على قدراتنا للخروج من أزمتنا". وشدد على أنه "لا حل للحكومة إلا بتأجيل الزيادة على الأجور"، ما يعني بشكل مباشر مواجهة نقابة العمال وتأجيج الوضع الاجتماعي.
وجاء الإنذار الثاني من الحكومة نفسها، إذ أكد الوزير المكلف بحقوق الإنسان مهدي بن غربية، أن "الدولة قد لا تستطيع، في ظرف أشهر، دفع أجور الموظفين في حال بقي الحال على ما هو عليه"، وأن "تجميد الزيادات في الأجور لغاية 2019 يعتبر أحد الحلول السريعة". ودعا في حوار تلفزيوني جميع الأطراف "لتفهّم الوضع الاقتصادي الصعب".


من جهته، قال نائب مدير الشؤون المالية العامة في صندوق النقد الدولي، عبد الحق الصنهاجي، إنه "لا وجود لحل سحري بالنسبة لسياسة الميزانية في تونس، والتي تعاني من نسبة استدانة مرتفعة وفي الوقت نفسه من مشاكل في القطاع المالي الذي يتطلّب تدخّل الدولة". وأوضح في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، بمناسبة تقديم تقرير صندوق النقد الدولي "الراصد المالي"، أن "البرنامج الذي شرعت تونس في تنفيذه مع الصندوق منذ شهر إبريل/نيسان الماضي، يقضي بالحد من النفقات العامة غير الناجعة". كما يوصي البرنامج بالعمل على التحكم في كتلة الأجور التي تعد مرتفعة مقارنة بالمستويات المسجلة في الدول المشابهة.
أما محافظ البنك المركزي، الشاذلي العياري، فأكد في تصريح إعلامي، أن "تمويل ميزانية 2017 سيكون صعباً في ظل عدم كفاية الموارد الجبائية للدولة، والتي لا تغطي النفقات الجارية على غرار أجور القطاع العام ودعم المؤسسات وميزانيات الصناديق الاجتماعية". وأكد العياري أن تونس لا تزال "في حاجة إلى التمويل الأجنبي بسبب تواصل تأزم الوضع الاقتصادي نتيجة تقلص الإنتاج في قطاعين أساسيين لجلب العملة للبلاد وهما السياحة والمناجم اللذان تكبدا خسائر بمعدل 4,5 ملايين دينار".
ثم جاء إعلان وزيرة المالية لمياء الزريبي، أن مشروع قانون المالية لسنة 2017 سينص على الزيادة في سعر استهلاك الكهرباء.
أمام كل هذه المؤشرات السلبية وغيرها، يتساءل مراقبون في تونس كيف ستتمكن حكومة الشاهد من الصمود وتجاوز هذه الأشهر الصعبة التي ستشهد بداية مناقشة الميزانية، في برلمان كشّر عن أنيابه مع أول اختبار طرحه الشاهد بشأن إمكانية حصوله على مرونة أكبر تجاه اتخاذ قرارات اقتصادية من دون المرور بالبرلمان مسبقاً، ما دفع السبسي إلى إطلاق سلسلة من المشاورات الماراثونية بحثاً عن غطاء سياسي يدعم الحكومة في إجراءاتها القاسية.
ولعل السبسي أراد بهذه المبادرة الجديدة استباق لحظات صعبة يعرف أنها في الطريق، ولعله عرف أيضاً أن أغلبية النواب الذين أعطوا الثقة لحكومة الشاهد، قد لا يستمرون مقابل شارع بدأ يتداول رسائل سلبية حول ميزانية العام المقبل، من زيادة بعض الضرائب وتشكيل مناخ غير إيجابي، بعكس ما أراد مهندسو الوحدة الوطنية.
وسيكون على الشاهد أن يصمد طيلة الفترة المتبقية، قبل أن يتحسن موقف التونسيين إذا نجح في حشد دعم دولي سياسي واقتصادي لحكومته، خلال المؤتمر الدولي للاستثمار المقرر عقده في تونس يومي 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بمشاركة رؤساء دول وحكومات ومؤسسات دولية وصناديق استثمارية، وممثلين عن القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. ويأمل المسؤولون التونسيون في أن يساهم هذا المؤتمر في إعطاء دفع قوي للاقتصاد الوطني، من خلال توفير التمويلات اللازمة لمشاريع المخطّط الخماسي للتنمية 2016-2020، الهادفة إلى رفع نسبة النمو، لمواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية.
وسيكون على الأحزاب والشخصيات والمنظمات الداعمة للحكومة، أن تثبت فعلاً أنها متضامنة، وألا تترك الشاهد وحيداً أمام العواصف، ولا تكرر أخطاء الائتلاف الرباعي الذي سقط مع الحبيب الصيد في اختبار التضامن. ولكن على الشاهد أن ينجح في لملمة حزب "نداء تونس" المتشظي، ويتجاوز به حلقة أخرى من مسلسل التناحر.
كل هذه الملفات الصعبة تأتي في ظرف زمني محدود، ربما لا يتجاوز ما تبقى من هذا العام، ما يجعل من مهمة الشاهد صعبة، وإذا نجح في تجاوزها ولو بشكل نسبي فقد يكون حقق إنجازاً سياسياً يمهد لما تبقى من هذه الولاية حتى عام 2019.