في مؤشر جديد على تطور التعاون الأمني والاستخباراتي بين نظامي عبد الفتاح السيسي في مصر وبشار الأسد في سورية، يكشف مصدر قضائي مصري عن تسلم القاهرة العشرات من الشباب والقيادات الجهادية المطلوبة أمنياً، بعد قبض جيش الأسد عليهم في معارك في سورية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وذلك أثناء مشاركة هؤلاء المصريين كمتطوعين في صفوف المليشيات الإسلامية الناشطة في القتال في سورية. ويوضح المصدر أن عدة عمليات تسليم تمت خلال أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، وأنه تم استجواب العشرات من المصريين، الذين أعيدوا قسراً إلى البلاد، وفق الإجراءات الأمنية المعتادة من قبل جهازي الأمن الوطني والاستخبارات العامة.
ويؤكد المصدر أن "الأمن الوطني" يخضع العائدين من سورية حالياً لجلسات تحقيق مطولة، يحضر بعضها أعضاء في نيابة أمن الدولة، بهدف معرفة الطرق والوسائل التي اتبعوها للخروج من مصر، والجماعات التي تعاونوا معها، وما إذا كانت هناك صلات بينهم وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق، أو "داعش" في مصر (ولاية سيناء). وبناء على هذه التحقيقات، سيتم تصنيف المتهمين وفقاً لانتماءاتهم السياسية والفكرية، وتوزيعهم على عدد من القضايا، سيبدأ التحقيق فيها لاحقاً في نيابة أمن الدولة العليا. ويشير المصدر إلى أن لدى الأجهزة الأمنية المصرية قوائم تضم أسماء وصور المئات من المصريين المنتمين للفكر الجهادي، الذين أظهرت التحقيقات السابقة أنهم سافروا إلى سورية للمشاركة في الثورة على نظام بشار الأسد، ثم انخرطوا في الحرب الدائرة هناك، حيث أدلى بهذه المعلومات عدد من المتهمين في قضايا سابقة، أبرزها قضية "العائدون من سورية" والقضية المعروفة إعلامياً بخلية محمد الظواهري.
ومن جهته، يقول مصدر أمني في مصلحة الأمن العام إن هناك تنسيقاً بين الأجهزة الأمنية المصرية والجيشين الليبي والسوري لإعادة المصريين الذين يتم القبض عليهم هناك إلى القاهرة، موضحاً أن "هناك قوائم معدة سلفاً لهذا الغرض، حيث استطاع جهاز الأمن الوطني (تحديداً) التعرف على الأسماء الأصلية والحركية للعشرات من الشباب والقيادات الجهادية، سواء من خلال أقوال زملائهم المقبوض عليهم، أو إخضاع صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للمراقبة على مدار السنوات الثلاث الماضية". ويعتبر أن هذا التنسيق "يمثل الحد الأدنى من التعاون الأمني بين مصر وسورية وليبيا" بهدف، ما وصفه، "تجفيف منابع مشاركة مواطني هذه الدول والمقيمين فيها في صفوف التنظيمات الإرهابية"، مشيراً إلى "ضرورة تفعيل هذا التعاون ليشمل باقي دول المنطقة إذا كانت ترغب في حصار الخلايا الناشطة العنقودية التي تمول التنظيمات الإرهابية الكبرى".
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعلن حرص مصر على محاربة الإرهاب في سورية ودعم الجيش الوطني السوري، بعد أسابيع فقط من زيارة قام بها مدير جهاز الأمن القومي السوري، علي مملوك، إلى القاهرة التقى خلالها بمدير الاستخبارات العامة المصرية، خالد فوزي، ومسؤولين أمنيين آخرين، ما اعتبر نقلة نوعية في التعاون بين النظامين. وقال وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، أخيراً، إن "قفزة صغيرة فقط تنقص العلاقات المصرية السورية لتعود إلى سابق عهدها"، آخذاً في الاعتبار أن النظام المصري السابق، برئاسة محمد مرسي، كان يدعم بصورة واضحة خطط الإطاحة بالأسد، وأعلن مساندته لقوى الثورة السورية. ويعتبر التقارب المصري مع نظام الأسد واحداً من محاور الخلاف الأساسية بين القاهرة والرياض حالياً، ارتباطاً بتأييد مصر لمشروع قرار روسي بشأن معركة حلب في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما أدى بشكل مباشر لإيقاف السعودية إمداداتها البترولية المتعاقد عليها مع مصر لشهرين متتاليين.