الأردن: اعتداء الكرك بين المفاجأة والتقصير الأمني

عمّان

محمد الفضيلات

avata
محمد الفضيلات
20 ديسمبر 2016
BA20E11F-667D-45AD-AA31-654B771535F8
+ الخط -
الصدفة البحتة أو "حظ الدولة"، كما يقال باللغة العامية عندما تتعثر أجهزتها بقضية لم تكن في حسبانها، قد يكون التحليل الأكثر دقة لما حدث في الأردن أول من أمس، بعد الكشف عن خلية إرهابية مسلحة نتيجة "حس المواطن الأمني"، في وقت كان حس الأجهزة الأمنية غائباً عما يدور في بلد يحاصره إقليم مضطرب ولا يتوقف المسؤولون فيه عن التأكيد أنه مستهدف من قبل الإرهاب. المعلومات الأمنية المتطابقة تؤكد أن الكشف عن الخلية الإرهابية جاء بناءً على بلاغ قدمه مواطن عن حركة مشبوهة ورائحة بارود تصدر من أحد الشقق السكنية التي استأجرها أفراد الخلية قبل نحو شهرين في منطقة القطرانة (85 كيلومتراً جنوب عمّان) التابعة لمحافظة الكرك الجنوبية. أمر أخفته البلاغات الأمنية التي واكبت الاشتباكات، قبل أن يعود وزير الداخلية، سلامة حماد، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس الاثنين، ليعلن هذه الحقيقة، في مقابل إخفائه كثيراً من الحقائق والمعلومات بذريعة سريتها كون القضية لا تزال قيد التحقيقات، في الوقت الذي تبين فيه أن الاشتباكات التي استمرت نحو تسع ساعات، انتهت بمقتل 10 أفراد، هم أربعة من الأمن، ثلاثة من الدرك، مدنيان، وسائحة كندية.



وعقب البلاغ الذي تقدم به المواطن تحركت قوة أمنية للتحقق من الأمر، لتُفاجأ بهجوم عليها بأسلحة أوتوماتيكية فاق قدرتها على التعامل مع الأمر، نتيجة نقص التسليح وعامل المباغتة. فرّت المجموعة التي خلفت وراءها أسلحة ومتفجرات وأحزمة ناسفة تشير الدلائل الأمنية إلى أنه كان يجري تجهيزها لتنفيذ عمل إرهابي داخل المملكة، وترجح جهات أمنية أنه كان مقرراً خلال الاحتفالات بالأعياد المسيحية.

أفراد الخلية، فروا من مخبئهم باتجاه مركز مدينة الكرك، الذي يبعد قرابة 50 كيلومتراً جنوباً، وعلى طول الطريق لم يتعرضوا لمطاردة أو إعاقة من قبل الدوريات المنتشرة. وكشف وزير الداخلية أنهم استبدلوا سيارة (بيك أب) كانوا على متنها بسيارة أخرى كانت تنتظرهم على الطريق من نوع "سيتروين". كما أوضح أن جميع أعضاء الخلية أربعة مسلحين قتلوا خلال الاشتباكات التي جرت أثناء تحصنهم داخل قلعة الكرك.

رواية لا يصدقها مواطنون كثيرون في المدينة وفي عموم المملكة. هؤلاء يستبعدون، في أحاديث لهم مع "العربي الجديد"، أن يكون الحادث الأمني الذي استمر نحو تسع ساعات نفذه أربعة مسلحين فقط، وسط مخاوف من وجود آخرين فارين. وتطرق عضو مجلس النواب عن مدينة الكرك، صداح الحباشة، إلى هذا الأمر قائلاً إن "الأمن مقصر". وتساءل "كيف يقطع مسلحون أكثر من 50 كيلومتراً من دون اعتراض؟ كيف أن مركزاً للأمن لا يوجد بداخله ذخيرة؟ أين الجهد الاستخباري المسبق في الكشف عن الخلية". ووفقاً للحباشة، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "الجهات المسؤولة هي من تعاملت بالفزعة"، لافتاً إلى أنه "لم يكن هناك استجابة كبيرة، وأن أهل المدينة سبقوا الأمن للدفاع عن مدينتهم". النائب، الذي طالب تحت قبة البرلمان يوم الأحد الماضي، بإقالة وزير الداخلية ومدير الأمن العام، يكرر مطلبه اليوم. بالنسبة إليه، فإن "أقل شيء أن يتحملوا المسؤولية الأخلاقية عن فشلهم الأمني (..) القيادات هي من تتحمل المسؤولية وليس الأفراد الذين ضحوا بحياتهم".

وكان أفراد الخلية، قد هاجموا لحظة وصولهم الكرك، مركز أمن المدينة وقتلوا ثلاثة من أفراده، وأصيب اثنان آخران، قبل أن ينسحبوا ويتحصنوا داخل القلعة الأثرية القريبة، الذي صادف وجود سياح في داخلها، ليعلق داخل القلعة 9 سياح يحملون الجنسيات الماليزية والكندية والبريطانية، إضافة إلى أعضاء الخلية الأربعة. مواطنو المنطقة، الذين أصابهم الفزع، هبّوا لاحقاً لمساعدة قوات الأمن في التعامل مع الخلية.

وأظهرت صور ومقاطع فيديو مئات المواطنين الذين توافدوا إلى محيط القلعة بعضهم يحمل أسلحة نارية، وآخرين يحملون العصي والسكاكين، وطافوا في مدينتهم مرددين هتافات "بالروح بالدم نفديك يا كرك"، دون أن يأبهوا للاقتراب من المناطق الخطرة. مع العلم أن مدينة الكرك، التي يغلب علبها الطابع العشائري، وتعتبر معقلاً للقوميين والشيوعيين، لم تكن يومياً على خارطة المدن الموصومة بأنها معاقل للتنظيم السلفي الجهادي، وذلك على الرغم من أن المعلومات الأمنية تؤكد أن العشرات من أبنائها التحقوا بالجماعات المسلحة المقاتلة في العراق وسورية، وبعضهم قتل هناك.

وحمل المواطنون الأجهزة الأمنية مسؤولية التأخر في التعامل مع الأحداث، كما تداولوا فيديوهات تبين نفاد الذخيرة من أفراد مركز أمن المدينة، فيما دافع وزير الداخلية عن الأداء الأمني بقوله إن "مركز الأمن مخصص لحماية المناطق السياحية، لا يوجد بداخله سوى 5 مسدسات وبندقيتين (...) نحن طلبنا من الشرطة الاختباء إلى حين وصول الإسناد". كما نفى حدوث تأخر، مؤكداً أن التعامل الأمني مع الأمر بدأ بعد نصف ساعة من الأحداث، وهي المدة التي استغرقها وضع خطة عسكرية محكمة لاقتحام القلعة التي تضم مئات الأنفاق والسراديب، يقول حماد " هذه الأمور لا تدار بالفزعة".

في موازاة ذلك، أرجع وزير الداخلية طول أمد الاشتباكات إلى طبيعة قلعة الكرك التي هرب إليها المسلحون، والتي وصفها بالمحصنة والمرتفعة، والتي تضم مئات الأنفاق والسراديب، والتي كان التعامل معها "يحتاج خطة عسكرية محكمة". يذكر أن أحداث الكرك ليست الأولى التي يكشف عنها الحس الأمني للمواطنين، إذ سبق ذلك الكشف عن خلية إرهابية في مدينة إربد (شمال الأردن)، في الأول من مارس/آذار الماضي، بعد أن أدلى مواطنون ببلاغات عن تحركات مشبوهة أدت للقبض على إرهابيين قادوا الأجهزة الأمنية إلى الخلية التي تم القضاء على أفرادها السبعة بعملية استباقية. وفي السياق، أكد المتحدث باسم الحكومة، محمد المومني، أهمية دور المواطن في المنظومة الأمنية، مشيراً إلى أن "فطنة ويقظة المواطن الأردني لها دور كبير في حماية الأمن".

من جهة ثانية، فإن التقصير الذي أحاط بعمل الأجهزة الأمنية في اكتشاف الخلية وفي التعامل معها بعد اكتشافها، أعاد التذكير باعتداءات إرهابية سابقة تعرضت لها المملكة، وتبين فيها تقصير الأجهزة الأمنية، على غرار الاعتداء الذي استهدف مكتب المخابرات في البقعة في 6 يونيو/حزيران الماضي، والذي استطاع خلاله مسلح قتل خمسة من عناصر المخابرات والتجول بحرية داخل المركز قبل مغادرته.


دلالات

ذات صلة

الصورة
عملية إطلاق نار في البحر الميت 18/10/2024 (إكس)

سياسة

أصيب جنديان إسرائيليان، اليوم الجمعة، في عملية إطلاق نار جنوب البحر الميت نفذها مسلحون تسللوا من الأردن بحسب ما أعلنه جيش الاحتلال، الأمر الذي نفته عمّان.
الصورة
مسيرة في رام الله منددة باغتيال حسن نصر الله (العربي الجديد)

سياسة

خرج المئات من الفلسطينيين والأردنيين، مساء السبت، بتظاهرتين، الأولى في رام الله والثانية في العاصمة عمّان، وذلك تنديداً باغتيال حسن نصر الله.
الصورة
تشييع جثمان الشهيد ماهر الجازي في معان، 17 9 2024 (العربي الجديد)

سياسة

شارك آلاف الأردنيين في محافظة معان جنوبي الأردن، بعد ظهر اليوم الثلاثاء، بمراسم تشييع الشهيد ماهر الجازي منفذ عملية معبر الكرامة، في وقت سابق هذا الشهر.
الصورة
من موقع عملية إطلاق النار على معبر الكرامة / 8 سبتمبر 2024 (إكس)

سياسة

قتل ثلاثة إسرائيليين، اليوم الأحد، بعملية إطلاق نار نفذها سائق شاحنة أردني على معبر الكرامة الحدودي مع الأردن، شرقي الضفة الغربية.
المساهمون