اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عسكرياً آخر في إدارته، لتولّي حقيبة وزارة الدفاع. الوزير الجديد الجنرال جيمس ماتيس، مارينز متقاعد منذ 2013. خدم في الشرق الأوسط وتولّى قيادة المنطقة الوسطى ليستقيل بعدها، قبل خمسة أشهر من موعد نهاية خدمته، بسبب خلافات مع الإدارة حول الموقف من إيران، كما تردّد. وهو معروف بتشدّده، خصوصاً تجاه طهران التي يعتبرها "التهديد الأكبر للاستقرار والسلام في الشرق الأوسط".
ومع أنّه عارض الاتفاق النووي معها إلا أنّه لا يرى مجالاً للتخلّي عنه "إلا إذا ارتكبت إيران مخالفة واضحة لبنوده". كما يعتبر "الإسلام السياسي" بمثابة "القضية الأمنية الرئيسية" في الوقت الراهن. وبشكل عام، فإنّ ماتيس محسوب على خندق الصقور الذين يرون أنّ هيبة الولايات المتحدة "تراجعت" في العقود الأربعة الأخيرة، والمطلوب استعادتها.
وبذلك يكون ماتيس، الجنرال الثاني الذي يتولّى وزارة الدفاع الأميركية، بعد الجنرال جورج مارشال الذي أشرف على مشروع إعادة تعمير أوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، وحمل المشروع اسمه آنذاك. والمعروف أنّ القانون الأميركي كان يحظر تعيين عسكريّ على رأس وزارة الدفاع، قبل انقضاء عشر سنوات على تركه الخدمة، لكن جرى تقليص المدة عام 2008 لسبع سنوات.
وفي هذه الحالة، يمكن للكونغرس أن يقرّ قانوناً خاصاً يستثني تعيين ماتيس، والذي مرّ على تقاعده ثلاث سنوات فقط، من هذه المدة كما سبق وفعل مع مارشال. ومثل هذا الإجراء يعتبر الآن في حكم تحصيل الحاصل، من جانب الكونغرس الذي تسيطر عليه أغلبية من الحزب الجمهوري.
وهكذا صارت إدارة ترامب تضم جنرالين، هما ماتيس، ومستشار الأمن القومي مايك فلين، و"الحبل على الجرّار"؛ إذ ليس من المستبعد أن ينضم إليهما متقاعد ثالث من نفس الرتبة هو المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس، لمنصب وزير الخارجية.
ولا ينحصر شغف ترامب بجنرالات العسكر فقط بل يشمل أيضاً "جنرالات المال". فحتى الآن اختار الرئيس المنتخب ستة وزراء، من بينهم ثلاثة مليارديرية لحقائب وزارية؛ المالية والتجارة والتربية، لينضموا إليه في الإدارة، وما تزال التعيينات في بداياتها.
ويزعم ترامب أنّ اختياره للأثرياء من هذا المستوى يخدم الاقتصاد، على اعتبار أنّ نجاحهم في عالم الأعمال يؤهلهم للنجاح في "إثراء البلد". ويتتناقل البعض أنّ ميله لملء إدارته بالجنرالات يعزّز الثقة بإدارته، باعتبار أنّ رجال المؤسسة العسكرية الأميركية يحظون بأعلى درجات التقدير من جانب الناخبين والرأي العام.
لكنّ هذا التسويغ المبسّط لم ينطلِ على هذه الأوساط، بل أثار الريبة والقلق، فتشكيل الإدارة بهذا الشكل غير المسبوق في أميركا، قوبل بكثير من علامات الاستفهام، ووضع وزارات حساسة، مثل المالية، بعهدة ملياردير سبق له أن استغل أزمة 2008، لعقد صفقات وتصفيات عقارية ومصرفية كفلت له تجميع ثروة طائلة، أمرٌ مثير للقلق، خصوصاً لناحية تداعيات ذلك على الصعيد الاقتصادي وتوابعه.
وبعد استعانته بالجنرالات، تطرح أسئلة عن وعود ترامب؛ مهندس هذا الوضع؛ لا سيما بعدما تعهّد خلال حملته الانتخابية، بـ"تنظيف المستنقع من الزواحف الكاسرة".
فصحيح أنّ جنرالات سبق وتولّوا مناصب رفيعة المستوى، مثل الجنرالين أندرو جاكسون، ودوايت أيزنهاور للرئاسة، ومارشال للخارجية، ومثله ألكسندر هيغ، ثم كولن باول، لكنّ هؤلاء توزّعوا بالمفرد على عدد من الإدارات. وكذلك الأمر بالنسبة لكبار الأثرياء الذين لم يسبق أن تكتلوا في إدارة واحدة، بمثل هذا الثقل المالي.
ولذلك ارتفعت أصوات التأفّف، بل التحذير من التمادي في هذا التوجّه، في تركيب الإدارة الجديدة لترامب، خاصّة في الجانب العسكري، والذي حمل البعض إلى التذكير بمبدأ سيادة المدني على العسكري، الذي كرسّه الدستور.
حتى أنّ أحد أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي سارع وأعلن عن عزمه سلفاً، على التصويت ضدّ تعيين الجنرال ماتيس، فقط "لحماية هذا المبدأ".
انتخاب ترامب حمل معه محاذير كثيرة، ولعلّ أخطرها التخوّف من سطوة النزعة الأمنية العسكرية على صناعة القرار، لا سيما أنّ الأجواء مواتية لمثل هذه النزعة، والتي عززها خطاب شعبوي، مشحون بالتأليب والاستعداء وتأجيج النعرات..