فضيحة القاهرة والقرار 2334: نكبة للدبلوماسية المصرية وللمصالح العربية

25 ديسمبر 2016
برر المندوب المصري عمرو أبوالعطا الموقف بـ"الرد على المزايدات"(Getty)
+ الخط -
وضع رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، السياسة الخارجية المصرية في مأزق، لا سيما في ما يتعلق بعلاقتها بالقضية الفلسطينية، بعدما أصر على حذف اسم مصر من مشروع قرار (رقمه 2334) وافق عليه مجلس الأمن الدولي أول من أمس، ضد الاستيطان الإسرائيلي، وتخلي الوفد المصري بمجلس الأمن عن التمثيل الصادق لمواقف المجموعة العربية بالأمم المتحدة، لدرجة لجوء فلسطين لدول مثل نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، لتمرير مشروع القرار بدلاً من مصر.

ويتوقع مصدر دبلوماسي مصري بديوان وزارة الخارجية أن "يؤدي موقف السيسي الأخير لإضعاف دور مصر الإقليمي بصورة أكبر، واتساع الهوة بينها وبين الفصائل الفلسطينية، مما سينتج عنه تنازل القاهرة عن دورها التاريخي في إدارة الملف الفلسطيني لمصلحة قوى إقليمية أخرى". ويوضح المصدر أن الحد الأدنى الذي كانت تقدمه مصر من خدمات للقضية الفلسطينية خلال الأعوام الثلاثين الماضية بعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لم يعد السيسي يحققه، وهو التعبير في المحافل الدولية عن ضرورة وقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي وتهيئة الأوضاع لقيام دولة فلسطينية حقيقية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967. ويرى المصدر أن السيسي، في أول اختبار رسمي له كممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن، أخفق في التعبير عن آمال الشعب الفلسطيني. وأكد أن هذا التصرف سيتسبب في إضعاف الثقة فيه، ليس فقط كصديق للشعب الفلسطيني، بل أيضاً كوسيط محتمل بين القوى الفلسطينية، وذلك ارتباطاً بالمبادرة التي كان السيسي قد أطلقها منذ عدة أشهر، مقدماً نفسه كداعية للسلام بين حكومتي "فتح" و"حماس"، ثم بين الشعب الفلسطيني والإسرائيليين.

وعن احتمال زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى القاهرة قريباً للتحاور حول الأزمة الأخيرة، يوضح المصدر أن "زيارة أبو مازن ستكون مختلفة عن الزيارات السابقة في نقطة مهمة، وهي أن البدائل التي سيناقشها مع السيسي لمساعدة الفلسطينيين ستكون أدنى من المطالب الفلسطينية السابقة باعتبار أنه قد بات واضحاً أن السيسي يقدم اعتبارات علاقته بالرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، وإسرائيل، على قيادة مصر للملف الفلسطيني". ويرجح المصدر أن يستغل الإعلام المصري ومن خلفه السيسي أي زيارة مرتقبة لأبو مازن إلى القاهرة، لإلصاق البطولة بالموقف المصري الأخير بمجلس الأمن وادعاء أنه كان بعيد النظر لعدم خسارة الدعم الأوروبي والأميركي للقرار، كما فعلت وزارة الخارجية أكثر من مرة خلال الساعات الماضية، بإصدار تعليقات رسمية تزعم أن الموقف يعكس "عمق الرؤية المصرية" لتوازنات القوى الأممية.


من جهته، يعتبر مصدر دبلوماسي مصري في نيويورك أن الموقف الأخير يمثل "نكبة للدبلوماسية المصرية"، متحدثاً عن قلق واسع يسود في الأروقة الرسمية المصرية بسبب اندفاع السيسي في تلبية رغبات ترامب وإسرائيل بكل الوسائل، مما سيفقد مصر وزنها الإقليمي والدولي. ويستغرب المصدر كيف أن الرئاسة المصرية اعترفت بأن ما قامت به أتى بعد اتصالات أميركية وإسرائيلية بها، معتبراً أن ذلك يشكل سابقة غريبة عن الدبلوماسية المصرية. ويضيف المصدر: "خلال عهد الرئيسين السابقين، حسني مبارك ومحمد مرسي، كانت تجري اتصالات من هذا النوع، وكانت مصر تستجيب لبعضها وتتجاهل البعض الآخر حسب أجندتها السياسية، لكن لم يكن يتم الإعلان عن ذلك بما يوقع القاهرة في مثل هذا الحرج، بالإضافة إلى أن هناك شعوراً في وزارة الخارجية بأن بوصلة الرئاسة ليست منضبطة، وحائرة بين إرضاء قوى مختلفة يستحيل نيل ثقتها معاً". ويشدد المصدر على أن موقف السيسي "يكشف عن تجاهل أو جهل بطريقة اتخاذ القرار السياسي الأميركي"، مشيراً إلى أن "الرهان على ترامب مهما بلغت قوة العلاقة به حالياً ليس رهاناً ثابتاً، لأن ترامب نفسه قد يغير اتجاهاته بناء على مصالح حزبه وقرارات الكونغرس وغيرها من الاعتبارات الداخلية".

ويبدو السيسي مؤمناً تماماً بضرورة استغلال التقارب الذي حدث بينه وبين ترامب خلال فترة الانتخابات والاتصالات التي تمت بين الدبلوماسيين المصريين وفريق ترامب. ويريد الاستفادة من دعم الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة على عدة أصعدة. أبرزها يتعلق بدعم أفكار السيسي لنبذ وتهميش قوى الإسلام السياسي في مصر والشرق الأوسط، وتحسين العلاقات مع إسرائيل وإثيوبيا، وتأمين الاحتياجات العسكرية المصرية من أسلحة وذخيرة وقطع غيار ودورات صيانة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين البلدين بشأن سيناء وليبيا وقطاع غزة.

وتستعد وزارة الخارجية المصرية حالياً للتنسيق مع البيت الأبيض من خلال السفارة المصرية بواشنطن لتحديد موعد لزيارة السيسي لترامب خلال النصف الأول من العام المقبل. ويصف مصدر دبلوماسي مصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، هذه الزيارة باعتبارها "مكافأة سحب مشروع قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي". ويرجح أن تحصل في مارس/آذار أو إبريل/نيسان من العام المقبل.

وهذه المرة الثانية التي تطرح مواقف مصر في مجلس الأمن علامات استفهام حول السياسية الخارجية للسيسي. المرة الأولى كانت عند تصويته على مشروعي قرارين متناقضين حول معركة حلب، أحدهما كانت تؤيده السعودية وفرنسا، والثاني كانت تؤيده روسيا. وفي النهاية لم يصدر القراران وأدى ذلك لاحتدام الخلاف السياسي بين مصر والسعودية، ومنعت الأخيرة إمداداتها النفطية منذ ذلك الحين للقاهرة.

في مقابل ذلك، يقول مصدر دبلوماسي مصري إن وفد مصر في الأمم المتحدة أخطأ التقدير، وكان واجبه يحتم عليه أن يبلغ جهة القرار في مصر بحجم إصرار المجتمع الدولي على تمرير القرار من باب تلقين كل من ترامب وإسرائيل درساً في السياسة الدولية وخفض غرورهما. ويتابع أنه "كان يجب على الوفد المصري بنيويورك التأكيد على درجة غضب رئيس الإدارة الأميركية الانتقالية، باراك أوباما، ونيته في رد الإهانات المتكررة التي تعرض لها على مدار فترة حكمه" بسبب ممارسات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ويؤكد المصدر أن "التعامل المصري أساء إلى سمعة الدبلوماسية المصرية"، مشدداً على أن "الضرر الواقع نتيجة هذا التعامل فادح، وسندفع ثمنه من أرصدة أوشكت على النفاد"، بحسب قوله. ويصف المصدر تبرير المتحدث باسم الخارجية للتعامل المصري مع مشروع القرار، بتأجيل التصويت عليه ثم سحبه بعد ذلك بالتحايل "الساذج" الذي "لا يمكن أن يصدقه طفل رضيع".

إلى ذلك، يعتبر رئيس حركة "مصريون ضد الصهيونية"، محمد عصمت سيف الدولة، أن التصرف المصري "يمثل تجاوزاً لكل حدود الوطنية"، مؤكداً أن السيسي "من خلال هذا الموقف يُسقط آخر ورقة توت عن كل الادعاءات التي يرددها داعموه"، مشيراً في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا يجوز الحديث عن مؤامرة أميركية على مصر"، ومؤكداً أن "أولويات النظام هي علاقته مع أميركا وإسرائيل".