يفرض السؤال نفسه حول سبب تأخر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في هز العصا بوجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى حين مغادرته البيت الأبيض، على الرغم من أن الخلافات السياسية والشخصية طبعت العلاقة بينهما طوال السنوات الثماني الماضية. والموقف الأميركي المُعلن، الرافض للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لم يتغير منذ إطلاق مفاوضات السلام في مؤتمر مدريد، مطلع تسعينيات القرن الماضي. وقد لوحت إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب، آنذاك، بقطع المساعدات الأميركية لإسرائيل بهدف الضغط على رئيس حكومة الاحتلال، إسحاق شامير، لوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة.
ومن الواضح أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، والحريص على أن يترك في الحياة السياسية الأميركية إرثاً يعتز به، أراد ألا يفوت الفرصة المتاحة لتسجيل موقف قد يشكل علامة فارقة في السياسة الخارجية الأميركية. وأتت موافقة أوباما على تمرير القرار 2334، في وقت يهدد فيه الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بانقلاب كامل على سياسات و"إنجازات" أوباما الداخلية والخارجية خلال المئة يوم الأولى من ولايته الرئاسية. ويعتزم، الرئيس الجمهوري المقبل، بحسب تصريحاته، إصدار قرارات رئاسية تنفيذية "انتقامية" قد تطيح بخطة التأمين الصحي المعروفة باسم "أوباما كير"، وهي "الإنجاز" الداخلي الأبرز لأوباما. وفي الشأن الخارجي، يلوّح ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وتجميد تطبيع العلاقات مع كوبا، وبانقلاب على التحالفات والعداوات الأميركية التقليدية. ويخطط للتحالف مع موسكو والتعاون معها على تقاسم النفوذ الدولي، ويريد تصعيد المواجهة العسكرية والتجارية مع الصين. ويتحدث عن دخول العالم في مرحلة جديدة من السباق على التسلح النووي.
وقراءة تحول الموقف الأميركي في مجلس الأمن وعدم استخدام حق الفيتو لمنع إصدار القرار 2334، يجب ألا تغفل البعد الداخلي والانقلاب السياسي الكبير الذي شهدته الولايات المتحدة بوصول ترامب إلى البيت الأبيض. وبدأت معالم هذا التحول تظهر من خلال تزايد الأصوات الأميركية المنتقدة لإسرائيل وسياساتها الاستيطانية. لكن المفارقة تكمن في أن ظاهرة الانتقاد لإسرائيل وخصوصاً دور اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ونفوذه على الطبقة السياسية الأميركية الحاكمة، المتهمة بالفساد، هي أكثر انتشاراً في أوساط جمهور ترامب، حتى وإن كانت مواقفه المعلنة تسير بالاتجاه المعاكس وتحاول كسب ود حكومة الاحتلال.
واليمين الأميركي الجديد المتمثل بالمجموعات المتطرفة عنصرياً ودينياً، والذي أوصل ترامب إلى البيت الأبيض، متهم بمعاداة اليهود والسامية وتبنيه للأفكار النازية. وترى هذه الشريحة من جمهور ترامب أن الانحياز الأميركي الأعمى إلى جانب إسرائيل، وأحياناً كثيرة على حساب المصالح الأميركية ودافعي الضرائب الأميركيين، يتناقض تماماً مع شعار "أميركا أولاً" الذي رفعته الحملة الانتخابية لترامب.
وحقق أوباما مكسباً خارجياً لا يمكن تجاهله، من خلال عدم فرض فيتو على القرار 2334، تجسد بالرضا الفلسطيني والعربي والدولي حيال الموقف الأميركي من مسألة الاستيطان. كما حقق مكسباً داخلياً مهماً، يتمثل في وضع قيود على إدارة ترامب والطاقم السياسي الأميركي الجديد، ذلك أنه وعلى عكس العناوين الداخلية التي بإمكان الرئيس المنتخب تغييرها من خلال القرارات التنفيذية المتوقع صدورها في العهد الجديد، يكرس صدور قرار إدانة إسرائيل في مجلس الأمن أمراً واقعاً لا يمكن لأي رئيس أميركي تغييره.