في أروقة حلف شمال الأطلسي، تبدو الأمور في ظاهرها وكأن "اللعبة الروسية" ليست أكثر من "روليت روسية"، لكن خلف تلك الصورة ثمة جدية يأخذها عسكريو دول الحلف على محمل الجدّ، من حدود تركيا جنوباً إلى حدود النرويج شمالاً. إنها المرة الأولى بعد "زمن الحرب الباردة"، التي تحدث فيها خروقات روسية بطائرات تجسس وقاذفات استراتيجية وغواصات نووية ومحاكاة حرب نووية، ضد السويد على سبيل المثال.
ما يعزّز فرضية السيناريو الليتواني، هو الحشود الكبيرة على الجانب الروسي من الحدود لجهة لاتفيا، في ظلّ استعراض الطائرات العسكرية قوّتها. يرى الاستراتيجيون، أن "مرحلة ما بعد المطالبة بتدخّل روسي لحماية الأقلية الروسية، هو ظهور من يقول إن ليتوانيا هي جزء من روسيا، مع تدخّل ما يُسمّى مستشارين عسكريين". بالتالي فإن أي محاولة لـ"دعم الأقلية الروسية، تستلزم من الروس اجتياح لاتفيا، على أن تكون بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، المجاورة لليتوانيا وكالينينغراد الروسية المحاذية لليتوانيا وبولندا أيضاً، بمثابة خطوط دفاع للروس"، علماً أن الحشد في كالينينغراد بدأ منذ فترة طويلة. يتصوّر استراتيجيو الحلف أن "تتسع الأمور لتصل إلى إستونيا أيضاً، ما يعني ضمّاً روسياً لبلدان بحر البلطيق المطلّة على الشمال وإسكندنافيا".
اقرأ أيضاً الاستراتيجية الروسية في سورية: التفاوض في الميدان
"الأمر ليس مجرد لعبة سيناريوهات"، حسبما يقرأها محللون عارفون بعزم الروس، تحديداً معسكر الرئيس فلاديمير بوتين، في العودة بالأمور ربع قرن إلى الوراء، أقله إلى تسخين الحرب الباردة قبل انعقاد قمة حلف الأطلسي في العاصمة البولندية وارسو، صيف العام الحالي. مع العلم أن الخوف الذي تشعر به دول البلطيق والشمال من روسيا، ينطبق أيضاً على بولندا نفسها وبعض دول شرق أوروبا. وقد تمّ استعراض السيناريوهات الروسية، في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأسبوع الماضي، وأبلغ الأوروبيون نظراءهم الأميركيين بقلقهم، معززين بفرضية "إمكانية اندلاع حرب إلكترونية خلال السنوات القادمة".
وفق المعلومات، يشي ما تسرّب، بأنه "تسريب متعمد"، ورغم عدم وجود رغبة باستفزاز روسيا، لكن أوروبا تقرأ السيناريو البلطيقي، وفقاً لقاعدة "مقايضة الهدوء في أوكرانيا بهذا القصف العنيف والاستفزازي في سورية، لن يترك الأمور للصدف".
أما في سياق ردّ الفعل للحلف الأطلسي على أي خطوة روسية، فقد ذكرت مصادر عدة أن "الأمر تحوّل إلى مزيد من اليقظة مع تشديد خطط تقوية القواعد العسكرية، والموانئ والمطارات والبنى التحتية وإرسال المزيد من السلاح الثقيل والجنود على دفعات، نحو وسط وشرق أوروبا وتعزيز دفاعات البلطيق".
في السياق، يمكن إدراج ما أقدمت عليه واشنطن قبل نحو الأسبوعين، من خلال مضاعفة موازنتها العسكرية في أوروبا إلى أربعة أضعاف الميزانية الحالية للعام 2017، في إطار المخاوف من أي فعلٍ روسي. يوجّه الأميركيون رسائلهم الدفاعية، على شكل مدرّعات ومدفعية ثقيلة وجنود، نحو بلدان أوروبا الشرقية، كرومانيا وبولندا، كما أن دول البلطيق ليست مستثناة من التعزيزات.
في هذا الإطار، تأتي قمة الأطلسي في وارسو في يونيو/حزيران المقبل، لمناقشة ما سيتفق عليه وزراء خارجية الحلف في مايو/أيار المقبل. يرى معظم المحللون بأنه "لا مصلحة لأحد بسباق تسلّح وعودة الحرب الباردة، لكننا أمامها يومياً، والرسائل ليست خفية عن روسيا". يعتبر هؤلاء أنه "ربما ليس بوتين من يتخذ القرار في موسكو، بل آخر يراهن عليه في دائرته".
اقرأ أيضاً: السيناريو السوري يتحوّل إلى ليبيا مع روسيا