بدأت بوادر التدخّل العسكري الغربي في ليبيا لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تظهر بشكل علني، مع القصف الأميركي الذي استهدف قيادياً بارزاً في التنظيم، أمس الجمعة، وذلك عشية تقديم رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج حكومته إلى برلمان طبرق، المتوقع اليوم السبت.
لكن المسؤولين الأميركيين سارعوا للتأكيد على أن هذه الغارة لا تعني بدء حرب في ليبيا، مع كشف مصادر عسكرية أميركية عن شكوك بأن الموقع المستهدف كان يتم فيه تدريب مقاتلين لتنفيذ عمليات خارج ليبيا. وتأتي هذه الغارة بعدما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد أكد أخيراً أن بلاده لن تسمح لـ"داعش" بتعزيز مواقعه في ليبيا، مضيفاً: "سنلاحق داعش أينما وُجدت مخالبه".
وكشف مسؤولون أميركيون، أمس الجمعة، عن تنفيذ غارة فجر أمس بتوقيت ليبيا، على ما قالوا إنه معسكر تدريب لتنظيم "داعش" في منطقة قصر العلالقة في صبراتة الليبية، قُتل فيها الزعيم الميداني في التنظيم التونسي نور الدين شوشان. وأعلن المتحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الكولونيل مارك تشيدل، لوكالة "رويترز"، أن من بين أهداف الغارة الجوية شوشان، مشيراً إلى "أننا نقيّم نتائج العملية وسنوفر معلومات إضافية حين يكون هذا ملائماً وبالطريقة المناسبة". كما نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول أميركي لم تسمه، تأكيده حصول الغارة التي استهدفت شوشان، المرتبط باعتداءي باردو وسوسة اللذين هزا تونس العام الماضي.
فيما أوضح رئيس المجلس البلدي لصبراتة حسين الدوادي، لوكالة "فرانس برس"، أن 41 شخصاً كانوا داخل منزل في صبراتة قُتلوا في الغارة التي نفذتها "طائرة مجهولة"، مشيراً إلى أن غالبية القتلى "تونسيون يُرجّح أنهم ينتمون إلى تنظيم داعش"، إضافة إلى أردني. ولفت الدوادي إلى أن "الغارة كانت دقيقة جداً وأصابت المنزل المستهدف وحده، كما أن آثار القصف لم تخرج ولو لمتر واحد عن هدفها"، موضحاً أن السلطات "أجرت تحقيقا مع أحد الجرحى الستة الذين أصيبوا في الغارة، فقال إنه أتى مع آخرين بهدف التدرب على القتال، وأن الجماعة التي أقلّته إلى صبراتة عصبت عينيه طيلة مدة الطريق".
كما أكد المجلس البلدي لصبراتة، في بيان نشره على موقعه الالكتروني، مقتل 41 شخصاً في الغارة وإصابة ستة آخرين بجروح، مشيراً إلى أن المنزل "مستأجر لأشخاص من جنسيات غير ليبية، من ضمنهم تونسيون يُعتقد بأنهم ينتمون لتنظيم داعش". ونقل البيان عن مصدر أمني في صبراتة قوله إن "المنزل كان يحتوي على أسلحة متوسطة، كالرشاشات وقاذفات آر بي جي وعدد من الأسلحة الأخرى، وُجدت تحت ركام المنزل".
اقرأ أيضاً: قمّة إقليمية لإنقاذ ليبيا من الحرب...ومفاوضات قبلية مع القذاذفة
فيما قال مسؤول في المجلس العسكري لصبراتة لوكالة "فرانس برس"، "إننا فوجئنا بالغارة"، مضيفاً أن "القصف كان شديداً لدرجة أن المنزل المؤلف من طابقين دُمر بشكل شبه كامل ولم تعد معالمه واضحة، وهناك جثث بقيت تحت الدمار". ورجّح المسؤول الذي لم يُكشف عن اسمه، أن تكون الطائرة قد استهدفت "اجتماعاً لهؤلاء العناصر"، أو أن بين المجتمعين "عناصر جدد وصلوا للتو، وكانوا يتعرضون للتعقب، وحصلت الضربة بعدما وصلوا إلى المنزل".
أما عن المستهدف الأساسي من الغارة الأميركية، فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه التونسي شوشان الذي ساهم بالتخطيط للهجوم على المتحف الوطني في باردو التونسية الذي أدى إلى مقتل 22 شخصاً في مارس/ آذار الماضي، إضافة إلى الهجوم الذي استهدف مجمّعاً سياحياً في سوسة في يونيو/ حزيران الماضي وأدى إلى مقتل نحو 40 شخصاً. وكان شوشان واحداً من خمسة هاربين أصدرت وزارة الداخلية التونسية مذكرات اعتقال بحقهم بعد الهجوم في باردو، وهم إضافة إلى شوشان، نور الدين النايبي، وعادل الغندري، وشمس الدين سندي، وماهر القايدي.
وكان لافتاً ما نقلته الصحيفة الأميركية عن مسؤول غربي لم تسمه، أن الضربة الجوية تركزت على استهداف شوشان "ولا تمثّل بداية حرب أميركية جديدة في بلد مسلم". وكشفت الصحيفة أن قوات خاصة بدأت منذ عدة أسابيع، باستخدام طائرات استطلاع من دون طيار، وصور الأقمار الصناعية ومعدات مراقبة أخرى، بمراقبة الموقع، إذ كان شوشان يجمع عشرات المجندين من تونس وبلدان أخرى في المنطقة لتدريبهم على ما يبدو لضرب هدف واحد أو أكثر، وفقاً لمسؤول غربي ثانٍ تحدث للصحيفة. وأضاف المسؤول أن "عدد المقاتلين الأجانب الذين كانون يُجرون تدريبات تحت قيادة شوشان، دفعنا للاعتقاد بأنهم كانوا يُحضّرون لهجوم كبير خارج ليبيا، سواء في المنطقة أو ربما في أوروبا".
ويرى الباحث التونسي المتخصص في الشأن الليبي، رافع الطبيب، أن هذا القصف يؤكد أن الهجمات العسكرية الأجنبية ستشمل معاقل "داعش" في كامل ليبيا، ولن تستثني أية بؤرة قد يتواجد فيها الإرهابيون، خلافاً لما اعتقده بعض المراقبين من أنها ستكون بعيدة عن الحدود التونسية الليبية.
ويؤكد الطبيب لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهجوم حصل ضدّ أحد أهم المعاقل الإرهابية في مدينة صبراتة"، لافتاً إلى أن "هذه المدينة تعتبر من أبرز بؤر التوتر التي تتواجد بها العناصر التكفيرية، والسلفية الجهادية والجماعات المقاتلة". ويشير إلى أنّ اختيار القوات الأميركية توجيه الضربة إلى منازل محددة في صبراتة، يبيّن أن المعركة لن تكون في سرت، كما رجح بعض المراقبين، بل إنها ستمتد على كامل جغرافيا ليبيا، لافتاً إلى أن الهجوم وقع على بعد عشرات الكيلومترات عن الحدود التونسية الليبية، وبالتالي لا يمكن الحديث اليوم عن مناطق ستُستهدف دون غيرها. ويوضح أنه بعد العام 2011، أي مباشرة بعد سقوط نظام معمر القذافي، تحوّلت صبراتة إلى منطقة لاستقطاب الإرهابيين وتسفيرهم إلى بؤر التوتر، كسورية والعراق، كاشفاً أن الغارة، أمس، استهدفت منزلين ومخزناً تتواجد به عناصر إرهابية، مرجحاً أن يكون عدد القتلى التونسيين مرتفعاً.
اقرأ أيضاً: ليبيا: حكومة الوفاق تسابق التدخل العسكري... وتونس تتأهب