فتح لقاء الإعلامي والبرلماني المصري توفيق عكاشة مع السفير الإسرائيلي لدى القاهرة، حاييم كورين، لمناقشته في مواضيع هامة، وفي المقدّمة أزمة سدّ النهضة، ملف تطبيع العلاقات المصرية الإسرائيلية من جديد. وفي ظل تنديد ورفض نيابي وشعبي وإعلامي وبيانات استنكار، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن اتفاقية السلام "كامب ديفيد" الموقعة مع الاحتلال في العام 1979، تُحصّن عكاشة من أي ملاحقة أو إسقاط عضويته البرلمانية.
اقرأ أيضاً: عكاشة زار إسرائيل أكثر من مرة:"ماقدرش عالحمار وقدر عالبردعة"
وما بين اتهامات بالخيانة والعمالة وتهديدات بالاعتصام إذا لم تُسقط عضوية عكاشة، خاض أعضاء مجلس النواب المؤيدون للنظام، سباقاً للبدء في إجراءات إسقاط عضويته. ورفع عدد منهم بيانات عاجلة، ومذكرات لرئيس البرلمان، علي عبد العال، استناداً إلى نص المادة 110 من الدستور التي تنص على أنّه "لا يجوز إسقاط عضوية أحد الأعضاء، إلا إذا فقد الثقة والاعتبار، أو فقد أحد شروط العضوية التي انتخب على أساسها، أو أخل بواجباتها. ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه".
وقال وكيل البرلمان، سليمان وهدان، إن المجلس سيُقدم على مناقشة تقرير اللجنة الخاصة التي حققت مع عكاشة، بشأن إهانته للمجلس، ورئيسه، وقوله على الأخير إنه "جاء منصبه بالخطأ"، واستعراض البيانات العاجلة في جلسة الأحد، على استكمال مناقشات مواد اللائحة الداخلية.
"كامب ديفيد" تُحصن عكاشة
لكن في المقابل، رأى النائب عضو لجنة إعداد اللائحة الجديدة، كمال أحمد، أن إسقاط العضوية يتطلب مخالفة العضو للشروط المنصوص عليها في اللائحة، التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وهو ما لم يخالفه عكاشة، لأنه لم يرتكب فعلاً يعاقب عليه في اللائحة، ولقاؤه السفير الإسرائيلي "لا يفقده شروط الاعتبار والثقة". وأوضح كمال لـ"العربي الجديد"، أن بنود اتفاقية "كامب ديفيد" حصنت لقاءه، لأنها لاتزال قائمة، ولا يوجد نص يتطرق إلى إسقاط العضوية بسبب استقبال أحد السفراء، مؤكداً أن الأمر سينتهي إلى عقوبة "لفت النظر" للعضو، مع إصدار المجلس بياناً استنكارياً، يعلن فيه أن عكاشة غير مكلف للتحدث باسمه، ورفضه لكافة أشكال التطبيع مع إسرائيل. واستدرك كمال أن "كامب ديفيد" اتفاقية عار، وأنه أعلن رفض بنودها تحت القبة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، إلا أنه يتحدث عن الشكل الإجرائي، قائلاً: "دول (هؤلاء) نواب جدد، والحماسة واخداهم (تأخذهم)".
وهو ما أكده، المتحدث باسم ائتلاف "دعم مصر"، علاء عبد المنعم، الذي قال في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن جمع التوقيعات لإسقاط عضوية عكاشة "لا جدوى منها"، لأن ما ارتكبه العضو "فعل لا يستوجب أي مسألة وفقاً لنصوص اللائحة"، مضيفاً أن "الأولى التركيز على سقوطه شعبياً، وعدم انتخابه مرة أخرى بدائرته".
غير أن الخبير العسكري، اللواء حسام سويلم، رأى أن التطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة في ظل ما تقوم به إسرائيل من أعمال في الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن "التطبيع مع العدو الصهيوني، مرفوض بشكل قاطع وحاسم في جميع الأحوال والظروف". ولفت إلى أنه "عندما يتخذ النظام بعض الإجراءات التي تلمّح إلى السير في طريق التطبيع مع إسرائيل دون خطوة إيجابية من إسرائيل، فإن الشعوب لن تغفر هذه الخيانة"، موضحاً أن إسرائيل بدأت بخطوة كبيرة في سعيها لحرمان مصر من المياه، والتطبيع معها أمر غير جائز إطلاقاً.
وفي السياق، اعتبر الكاتب محمد عبد القدوس أن ما قامت به مصر من تدمير لعدد من الأنفاق بين قطاع غزة وسيناء كان وراء التقارب بين البلدين، خصوصاً أن تل أبيب أشادت بتلك المواقف التي تصبّ بشكل كبير في صالحها، مؤكداً أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد من قبل أنه لن يسمح بأن تكون سيناء قاعدة لهجمات ضدّ إسرائيل، فيما صوّتت الخارجية المصرية أخيراً لصالح انتخاب إسرائيل عضواً بلجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي في الأمم المتحدة. ورأى أنّ ما قام به عكاشة يحمل الكثير من الإهانة لمصر ولمجلس نوابها.
ومن المتوقع أن تشهد قاعة البرلمان مشادات كلامية حادة، حال حضور عكاشة جلسة اليوم الأحد، إذ يتوقع أن يواجه هجوماً ضارياً من مدعي الوطنية، وفي مقدّمتهم الإعلامي مصطفى بكري، الذي يكيل له السباب طوال اليومين الماضيين على شاشات الفضائيات.
وقال بكري في برنامجه على فضائية "صدى البلد": "ناقصك إيه عشان تبيع مصر يا خاين، لازم كل اللي يشوفك يتف في وشك، والناس تطاردك بالأحذية.. مش هانفرط في مياه النيل، وكل صوت حصلت عليه في الانتخابات عار على جبين المصريين".
وعززت قوات الأمن من تواجدها بمحيط مدينة الإنتاج الإعلامي، بعدما حاول عكاشة، اقتحام الاستوديو أثناء تقديم بكري لبرنامجه "حقائق وأسرار"، وحرر الأخير محضراً ضدّه بقسم شرطة السادس من أكتوبر.
من جانبه، قال عكاشة عبر فضائيته "الفراعين": "أنا مش خايف، وماحدش هيقدر يقرب مني، أو يسقط عضويتي، بالعكس ده أنا جايب خير هيعم على مصر"، مضيفاً "تلك الواقعة ليست الأولى، والتقيت السفير الإسرائيلي في 2010، وكنت عضواً بمجلس الشعب، ولم يستطع أحد إسقاط عضويتي".
وأصدر رئيس الائتلاف، لواء الاستخبارت السابق، سامح سيف اليزل، بياناً أمس، أعلن فيه التزام "دعم مصر" بالموقف الشعبي الرافض للتطبيع مع إسرائيل.
وقال اليزل إن نواب "دعم مصر" يؤكدون أن "تصرف (عكاشة) موقف فردي، لا يعبر عن نواب المجلس، الرافض للتطبيع، قبل تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني، ووقف ممارسات إسرائيل العدوانية".
وأعدّ نواب بياناً حمل عنوان "نواب ضدّ التطبيع"، يتوقع أن يحمل أكبر عدد من التوقيعات، قبل بدء الجلسة العامة، اليوم، على أن يُرفع إلى رئيس البرلمان.
ويرفض البيان المادة الثالثة من اتفاقية "كامب ديفيد"، التي تنص على أن "يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل، والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وإنهاء المقاطعة الاقتصادية، والحواجز ذات الطابع التمييزى المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع".
وفي السياق، أقام المحامي سمير صبري، دعوى أمام محكمة القضاء الإداري، تطالب بإسقاط عضوية عكاشة من البرلمان، لأن استضافته السفير الإسرائيلي تمثل "خيانة للوطن، ودماء الشهداء، ومن انتخبوه".
وبحسب مصدر أمني، فإن السفير ذهب إلى عكاشة في موكب من 6 سيارات بحضور الملحق الثقافي الإسرائيلي و 3 آخرين، وإن الطرفين تحدثا في تأثير سدّ النهضة على مصر ومدى استفادة مصر من التكنولوجيا الإسرائيلية في استخدامات المياه.
لكن مراقبين قالوا إن لقاء عكاشة مع السفير الإسرائيلي، جرى بالتوافق مع أجهزة سيادية، تهدف إلى توصيل رسائل للشعب بقبول التطبيع مع إسرائيل، التي حققت اختراقات كبيرة في علاقتها بالدوائر الرسمية داخل النظام المصري في عهد السيسي، ووصل التنسيق السياسي والأمني والاستراتيجي مراحل متقدمة، خصوصاً التنسيق اللوجستي مع الجيش المصري في منطقة سيناء، وغزة. فيما تحدثت مصادر مصرية عن تعديلات في المناهج الدراسية لطلاب المرحلة الإعدادية في مصر، باعتماد تدريس اتفاقية كامب ديفيد ضمن مقرر التاريخ بالصف الثالث الإعدادي.