بات البرلمان السوداني (المجلس الوطني السوداني) شبه مستعدّ لمواجهة الحكومة، للمرة الأولى منذ سنوات، وذلك على خلفية رفعها أسعار غاز الطهي بنسبة 200 في المائة. مع العلم أن الحكومة اكتفت بمهاتفة رئيس البرلمان ابراهيم أحمد عمر، وإعلامه بالقرار، وعدّه برلمانيون بمثابة "إهانة" للمجلس وتقليل من شأنه. ما دفع البعض منهم لجمع تواقيع بغية عقد جلسة طارئة لمقاومة تلك الزيادات، فضلاً عن تقديم مشروعي قرار بسحب الثقة عن وزيري المالية بدر الدين محمود، والنفط محمد زايد عوض، وتحميلهما مسؤولية القرار.
وأحدثت زيادة سعر الغاز أزمة، كونها جاءت بعد نحو شهر من إجازة البرلمان للموازنة العامة للدولة، التي خَلَت تماماً من تلك الزيادة، أو أية قرارات تتصل برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية. وكان البرلمان قد أجاز جملة من القوانين التي كانت بمثابة تسليم مطلق للحكومة، تقضي برفع الدعم أو زيادة أسعار السلع والضرائب متى رأت ضرورة لذلك، من دون العودة للمجلس. وهو ما استند إليه وزير المالية وفقاً لمصادر داخل الوزارة، في قرار زيادة سعر أسطوانة الغاز "12 كيلوغراماً"، من 25 جنيهاً (4 دولارات) إلى أكثر من 75 جنيهاً (12 دولاراً) في الخرطوم، وأكثر من ذلك في باقي الولايات. كما نصّ قرار آخر على رفع نسبة الضرائب في الموازنة الجديدة نحو 20 في المائة، الأمر الذي يعني رفع الرسوم الضريبية.
قرار الزيادة أحدث خلافات جوهرية داخل حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم، الذي أكدت مصادره أن "القرارات اتخذت بين القصر الرئاسي ووزارة المالية، ولم تمرّ بالحزب". ما يؤكد صحة التسريبات عن عزم الرئيس عمر البشير التخلّي عن الحزب، الذي درج في الفترة الماضية على توجيه انتقادات لاذعة له، أسوة بقادة في الحزب الحاكم، ممن يعتبرون أن "حزبهم في إجازة، وأنه لم يعد مبادراً، وأن المبادرات والأفكار عادة تأتي من البشير"، وفقاً لما يكشف القيادي في الحزب ورئيس وفد الحكومة المفاوض في ملف الحرب بدارفور أمين حسن عمر.
اقرأ أيضاً: حملة "هنا الشعب" في السودان... دفع لتسوية سياسية؟
وترى المصادر أن "مؤسسة الرئاسة عمدت لملء الفراغ الذي أحدثه الحزب، خصوصاً أن البشير نجح في الفترة الأخيرة في إبعاد متنفذين فيه، ممّن كانوا يُلقّبون بصقور النظام، بينهم النائب الأول للرئيس السابق علي عثمان محمد طه، ومساعد الرئيس السابق نافع علي نافع، فضلاً عن وزير النفط السابق عوض الجاز.
مع العلم أن البرلمان استدعى وزيري المالية بدر الدين محمود، والنفط محمد زايد عوض، وأمهلهما فترة قصيرة للتراجع عن القرار. لكن الوزيرين حملا ما يُمكن اعتباره "تهديدات البرلمان" للبشير، الذي أكد مباركته لقرار رفع الأسعار، "كونه يحرّر أسعار النفط والغاز"، حسبما نقلت عنه وكالة السودان للأنباء "سونا". دفع موقف البشير رئيس البرلمان إلى التراجع وتأييد الزيادات على خجل، مع المطالبة بإحالة عائداتها للمحتاجين وإفساح المجال أمام المجلس للمراقبة.
ويُحتّم على النواب جمع 110 أصوات لعقد الجلسة، أي ثلث أعضاء المجلس المكوّن من 426 مقعداً. ويحوز الحزب الحاكم على 323 مقعداً فيه، بينما تتقاسم الأحزاب المتحالفة مع الحكومة والمستقلّون بقية المقاعد الـ123، ما يضع الخطوة في حال قيامها أمام تحدٍّ كبير، إذ يمكن للحزب الحاكم بفعل امتلاكه الأكثرية النيابية تمرير الزيادات.
ووفقاً لمصادر، فإن توجيهات صدرت لنواب الحزب الحاكم، بعدم المشاركة في التحرّكات الخاصة بمقاومة الزيادات، إلا أنها لم تُثنِ منتمين للحزب عن التوقيع. والخطوة برمتها تضع الحكومة وحلفاءها في تحدٍّ حقيقي، ما قد يقود لمواجهة حقيقية، خصوصاً أن أكبر حليف للحزب الحاكم، وهو الحزب "الاتحادي الديمقراطي الأصل" بزعامة محمد عثمان الميرغني، وقّع بجميع نوابه الـ26، بمن فيهم نائب رئيس البرلمان في حملة التوقيعات. وهو حليف تحرص عليه الحكومة لشعبيته الكبيرة وسط المواطنين.
في المقابل، اكتفت المعارضة السودانية بإصدار بيانات رافضة للزيادة، وداعية الشارع للخروج، بينما طالبت قوى شبابية بتنظيم اعتصامات عدة. ويرى مراقبون أن القرارات الأخيرة، التي يتوقع أن تلحق بها زيادات تتصل بالبنزين ستقود لانفجار الشارع قريباً. وهو أمر حاولت الحكومة أن تحتاط له بحزمة تعديلات في القانون الجنائي، عبر تشديد عقوبات التظاهر بالحبس لمدد تتفاوت بين خمسة وعشرة أعوام. ويعتقد البعض أن الخطوة قد تقود لأزمة داخل الحزب الحاكم، تدفع البعض لتنفيذ انقلاب على نظام البشير، وإن كان ذاك مستبعداً رغم التململ، حتى وسط الجيش السوداني.
ويرى المحلل السياسي أحمد إبراهيم، أن "إعلان البشير التمسّك بقرارات الزيادة حسم الجدل داخل حزبه، باعتباره الآمر والناهي، وكلمته مسموعة ولا أحد يجرؤ على مراجعة قراراته. وقد نجح البشير في تحويل الحزب لمجرد واجهة فقط، قاطعاً بأن خطوة وزير المالية بشأن زيادات الغاز ما كان لها أن تتمّ لولا أن البشير منحه الضوء الأخضر. ما يؤكد أن قيادة البرلمان بنت موقفها المتشدّد الأول على قراءة خاطئة، إذ بعد أن التقى رئيس البرلمان البشير، تراجع وأيّد الزيادة".
اقرأ أيضاً: السودان يرفع الدعم عن غاز الطهي والسولار ووقود الطائرات