يعود الحزب الإسلامي الأفغاني إلى الواجهة أخيراً، أحد أكبر الأحزاب الجهادية الأفغانية ضد الروس، وإحدى الجماعات القتالية الموجودة على الساحة والمناهضة للوجود الأجنبي، وذلك بعد خطوة زعيمه قلب الدين حكمتيار المفاجئة، التي وصف فيها حركة "طالبان أفغانستان" بـ"الغدة السرطانية، التي يستوجب استئصالها". اعتبر حكمتيار أن "طالبان عميلة لاستخبارات أجنبية أنشأتها القوى الدولية، لأجل القضاء على من وصفهم بالمجاهدين"، ويدعو الأفغان إلى النهوض ضدها.
أتى هذا الموقف المتشدد والعنيف للحزب، والذي يخشى أن يتسبب في اندلاع صراع ميداني بين الجماعتين، رداً على مقتل قيادي سابق في الإسلامي، الزعيم القبلي في إقليم كنر، شرقي البلاد، حاجي خان جان. خان جان قُتل نهاية الشهر الماضي جرّاء عملية انتحارية في مدينة أسعد أباد، عاصمة كنر. وأدت العملية الانتحارية إلى مقتل وإصابة 50 شخصاً، جميعهم مدنيون، لم تتبنّاه أية جهة، ولكن الحزب يؤكد أن "طالبان" هي التي نفذت العملية، وكان هدفها القيادي خان جان.
ومن المعلومات التي كشفها بيان الحزب الإسلامي حول شخصية القيادي خان جان، هي أنه بدأ عمله الجهادي ضد الروس، وكان يقاتل في جبهات الحزب الإسلامي في إقليم قندوز، شمالي البلاد، وكنر، مسقط رأسه في الشرق. وبعد احتلال القوات الأميركية لأفغانستان عام 2001، كان خان جان أول من رفع لواء مقاومة المحتلين في جبال دانكام، المطلة على طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية في شرق أفغانستان. ونوّه حكمتيار أنه وزعيم "القاعدة" السابق أسامة بن لادن، والحالي أيمن الظواهري، كانوا ضيوف خان جان في دانكام، لفترة طويلة، لم يحددها.
وبعد تعرّض منزل الرجل لهجمات أميركية عدة، هرب إلى باكستان، واعتُقل على يد السلطات الباكستانية. وعقب الإفراج عنه في باكستان عاد خان جان إلى أفغانستان وتصالح، بوساطة زعماء قبليين، مع الحكومة الأفغانية. وعلى حد تعبير حكمتيار إنه فعل ذلك نظراً للظروف الصعبة التي كانت تحيط به، ولكن "حركة طالبان" أقدم على إحراق منزله في المنطقة بحجة مصالحته مع الحكومة، وذلك قبل أن يلقى حتفه في عملية انتحارية في 27 فبراير/شباط الماضي.
اقرأ أيضاً: "طالبان" ترفض الحوار مع الحكومة الأفغانية
لم يتطرّق بيان الحزب فقط لما يجري بينه وبين "طالبان" حالياً، وإنما تحدث عن سلسلة من الاغتيالات والعمليات، التي يزعم الحزب الإسلامي أن "طالبان نفّذتها ضد أنصاره"، منها اغتيال كل من حاجي عبد الغفور، والمولوي رحمان غل، والمولوي هاشم، الذين قتلوا في شرق البلاد.
ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها الحزب الإسلامي، أحد أطراف الصراع الداخلي بعد هزيمة الروس في أفغانستان، وزعيمه حكمتيار، سياسات "طالبان"، بل فعل ذلك مرات عدة. كما لم تتوقف الخلافات على البيانات السياسية، بل وقعت أيضاً مواجهات مسلحة بين أنصار الحزب والحركة في مناطق مختلفة من البلاد على مدى الأعوام الماضية. غير أن الجديد في بيان الحزب الأخير، هو الدعوة إلى النهوض ضد "طالبان"، التي وصفها بألد أعداء المجاهدين، وكل من يقف في وجه أجندات أجنبية، والتوعد بالثأر لمن من قتل من أنصاره بيد الحركة. بالتالي ثمّة خشية من اندلاع صراع شامل بين الجماعتين على مستوى البلاد، لا سيما في الشرق وفي الجنوب، حيث يحظى الحزب بنفوذ واسع. ولعل الخشية من نشوب صراع شامل بين الجماعتين، هو السبب في صمت "طالبان" إزاء موقف حكمتيار الأخير.
في السياق، تجدر الملاحظة أن التوتر بين الجماعتين يأتي في خضم حالة من الإرباك والتصدعات الداخلية في صفوف طالبان، مع استمرار المواجهات المسلحة، التي وصفتها القبائل بـ"الأعنف"، بين أنصار "طالبان"، التي يتزعّمها الملا أختر منصور، وبين أنصار جماعة منشقة عنها باسم "شورى الإمارة الإسلامية" بزعامة الملا محمد رسول، في غرب البلاد. وقد أدت المعارك بين 8 و12 مارس/آذار الحالي إلى مقتل أكثر من 200 مسلح من الطرفين. المواجهات ما تزال متواصلة وامتدت إلى مديريات عدة بإقليم هرات، غربي البلاد، بعد ما بدأت في مديرية شين دند، ذات الأغلبية البشتونية.
كما تسود حالة من التوتر بين فصائل الحركة في إقليمي بكتيكا وغزنة بسبب المعارك التي دارت على مدى الأسابيع الماضية بين "طالبان" ومجموعة تابعة لقيادي منشق عنها يدعى عبيد الله هنر. إلى ذلك، ادّعى قيادي مهم آخر في طالبان في شمال البلاد، وهو المولوي عبد السلام الانشقاق عن الحركة والحرب عليها، مدّعياً أن لديه مئات المقاتلين.
في سياق آخر، كان من المتوقع انطلاق عملية الحوار المباشر بين "طالبان" والحكومة الأفغانية في الأسبوع الأول من شهر مارس الحالي، ولكن "طالبان" رفضت في 5 مارس الحوار المباشر مع الحكومة، وأعلنت أنها لن تعود إلى الطاولة حتى إنهاء احتلال أفغانستان بشكل كامل، وذلك على الرغم التغيير في موقف الحركة أخيراً بعد جلسات الحوار التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة.
وفي أول ردّ لها وصفت الحكومة الأفغانية موقف الحركة بـ"الإرجاء التكتيكي"، معربة عن أملها في عودتها إلى طاولة الحوار قريباً. وكانت تصريحات نائب وزير الخارجية الأفغاني حكمت خليل كرزاي مهمة للغاية بهذا الشأن، وجاء فيها أنه "في الاجتماعات الرباعية بين كابول وإسلام أباد وواشنطن وبكين بشأن الحوار، تم الاتفاق على مشاركة أربع جماعات مسلحة في الحوار".
ويزعم مراقبون أن "مشاركة تلك الجماعات هي النقطة الأساسية التي بسببها رفضت الحركة الحوار مع الحكومة، إذ أن طالبان كانت ترى أنها هي الوحيدة التي تمثل جانب الحركات الجهادية، وأن مفاتيح المعضلة الأفغانية بيدها، ولكن مشاركة جماعات أخرى كان أسباب إستياء الحركة، لا سيما وأن الحركة تزعم أن جماعتين منها معارضتان لها، ومواليتان للحكومة".
أما الجماعات المعنية فهي "حركة طالبان"، التي يطلق عليها البعض تسمية "جماعة الملا أختر منصور" خليفة الملا عمر، وعلى الرغم من أن منصور من مؤيدي عملية السلام مع الحكومة، إلا أنه يعاني داخل التنظيم من معارضة قيادات مهمة للحوار، كعبد القيوم ذاكر، رئيس مجلس العسكري السابق. ويخشى منصور من أن يؤدي إحياء عملية السلام إلى إحياء الخلافات. كما ترغب الحركة في أن تكون الجهة الوحيدة التي تمثل التنظيمات الجهادية في الحوار مع الحكومة. وبسبب ترددها تدهورت العلاقات بينها وبين إسلام أباد، إذ أنه ثمة تقارير تشير إلى قيام الأخيرة بحملة ضد بعض قيادات الحركة، وقد اعتقلت 14 شخصاً منهم في إقليم بلوشستان هذا الأسبوع.
جماعة "شورى الإمارة الإسلامية"، معنية أيضاً، فهي جماعة منشقة عن "طالبان" بقيادة الملا محمد رسول، وتملك نفوذاً واسعاً في جنوب وجنوب غرب البلاد، وتضم قيادات مهمة ومن مؤسسي حركة "طالبان" كالملا عبد المنان نيازي، والملا رسول نفسه، والملا باز محمد. وتدّعي "طالبان" أن "الجماعة شكّلتها الاستخبارات الأفغانية". كما أن الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، معنيّ بالحوار أيضاً، خصوصاً مع إعلان استعداده للحوار مع الحكومة، وربما بشروط أسهل من شروط "طالبان".
كما أنه في السياق، تبدو "شبكة حقاني"، معنية بالحوار أيضاً، وهي التي تُعدّ من أكثر الجماعات تنظيماً بين الجماعات المسلّحة المناهضة للحكومة الأفغانية، وهي من أقرب الجماعات المسلحة إلى الاستخبارات الباكستانية. وعلى الرغم من قربها من "طالبان"، إلا أنها تتّبع سياسات مختلفة تماماً. وفقاً لهذا، يعارض الحزب الإسلامي وجماعة الملا رسول سياسات "طالبان"، وأبديا رغبتهما بمشاطرة عملية السلام مع الحكومة، في ظلّ إضعافهما موقف الحركة على الطاولة، وهو ما لا ترضى به "طالبان".
اقرأ أيضاً: هجمات انتحارية لـ"طالبان" على مبان حكومية جنوب أفغانستان