يفتح مقتل 18 من رجال الشرطة المصرية، مساء السبت، في استهداف كمين الصفا جنوب مدينة العريش، الباب على مصراعيه حول الفشل الأمني وعدم القدرة على مواجهة تنظيم "ولاية سيناء". كما تطرح العملية التي نفذها التنظيم المسلح، والذي أعلن مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، التساؤلات بشكل كبير حول التعامل مع ملف العنف في سيناء.
فمساء السبت، انتشرت أخبار حول سماع دوي انفجارات جنوب مدينة العريش، من دون معرفة تفاصيل ما يحدث، أعقبه إطلاق نار بكثافة. بعدها بدأت الأمور تتضح، لتشير إلى حصول عملية كبيرة نفذها مسلحون تابعون لتنظيم "ولاية سيناء"، ضد كمين أمني. وفي ظل صعوبة الأوضاع في منطقة الاشتباكات، لم يكن حصر أعداد القتلى والمصابين من قوة كمين الصفا الأمني محدداً بشكل كبير، بل ذهبت التقديرات إلى سقوط نحو تسعة قتلى وإصابة آخرين. قبل أن يصدر بيان وزارة الداخلية ليؤكد مقتل 12 شرطياً بينهم ضابطان في الهجوم، ثم يرتفع العدد إلى 18 قتيلاً.
وتؤكد معطيات الهجوم تكرار تنظيم "ولاية سيناء" لتكتيكه في الهجوم على الكمائن، والذي استُخدم في أكثر من عملية سابقة له، عبر اقتحام سيارة مفخخة للهدف، يعقبه هجوم لعناصر التنظيم لقتل باقي أفراد الكمين باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. ولكن تناقضاً ظهر في رواية وزارة الداخلية حول الواقعة، وبيان التنظيم المسلح، إذ إن الوزارة أعلنت أن الهجوم تم من خلال قذائف، بيد أن الثاني أعلن عن تفجير سيارة مفخخة.
وبحسب روايات أهلية من مدينة العريش، فإن عناصر التنظيم كان لديهم إصرار كبير بعكس هجمات سابقة نفذوها، على تصفية كل القوات المتواجدة في الكمين. وأشارت الروايات إلى ملاحقة عناصر التنظيم عدداً من الجنود عقب فرارهم من الكمين، وتصفيتهم خلال الاشتباكات. وأعلن التنظيم أن الهجوم جاء في سلسلة عمليات ضد قوات الشرطة، رداً على "إهانة النساء" على الحواجز الأمنية، وبالأخص كمين الريسة.
الأخطر في تفاصيل الهجوم المسلح على الكمين الأمني، هو تأخر الدعم من قبل قوات الشرطة والجيش، لمساندة قوة الكمين في الاشتباكات بين الطرفين. وعلى افتراض عدم قدرة عناصر الكمين الإبلاغ عن تعرضهم لهجوم وطلبهم الدعم العاجل، لكن أصوات الانفجار هزت مدينة العريش بالكامل، فضلاً عن أن إطلاق الرصاص بكثافة شديدة لم يتوقف طوال ساعة تقريباً، ما يطرح علامة استفهام كبيرة لا يمكن إغفالها في إطار المواجهات المسلحة بين التنظيم والقوات المشتركة من الجيش والشرطة.
اقرأ أيضاً: 31 عملية لـ"ولاية سيناء" ضد الجيش المصري خلال أسبوعين
ولم تكن المرة الأولى التي يتأخر فيها وصول الدعم في المواجهات بين قوات من الجيش والشرطة على حد سواء، وعناصر "ولاية سيناء". وفي مرات سابقة كان الدعم يتأخر بسبب بُعد المسافة بين أقرب تمركز للجيش والشرطة، ومكان تبادل إطلاق النار مع العناصر المسلحة، ولكن هذه المرة وقعت الاشتباكات في جنوب مدينة العريش، وكان من الممكن تقديم الدعم خلال دقائق من معرفة حصول مواجهات مسلحة. ولكن لم تصل قوات الشرطة لتقديم دعم للقوة التي تتعرض للهجوم، إلا بعد مرور ساعة تقريباً، ظلت خلالها منطقة جنوب العريش مرتعاً للعناصر المسلحة.
ويدفع هروب الجنود من المواجهات مع عناصر "ولاية سيناء"، وتأخر وصول الدعم، باتجاه نجاح التنظيم في خطته نحو "إدارة التوحش". ويعمل "ولاية سيناء"، وفقاً للخطة التي تعتمد على ثلاث مراحل، أولها "النكاية"، مروراً بـ"إدارة التوحش"، وأخيراً "التمكين"، لإقامة "الخلافة" أو "الدولة الإسلامية"، بحسب ما يرى.
وبدا أن التنظيم نجح في عملية إنهاك قوات الجيش والشرطة على حد سواء، من خلال الهجمات على الكمائن ومعسكرات الأمن والجيش، وتصفية ضباط وأفراد الشرطة، ونقل مسرح العمليات إلى مدينة العريش، واستهداف الآليات العسكرية بكثافة. ويسعى التنظيم المسلح من خلال عملياته إلى إضعاف تماسك قوات الجيش والشرطة داخلياً، عبر بث الخوف في صفوفها، وهو ما حدث بالفعل من خلال موجة تمرد الشهر الماضي في صفوف قوات الأمن، ما لبثت أن وصلت إلى الجيش أيضاً.
وأمام حالات التذمر، زار وزيرا الدفاع صدقي صبحي والداخلية مجدي عبدالغفار قوات الجيش والشرطة لاحتواء الموقف، من دون الاعتراف بوجود تقصير في تخطيط العمليات ضد "ولاية سيناء"، وهو ما يدفع بجنود غير مؤهلين ومدربين بشكل كافٍ إلى مواجهة حروب العصابات. وتتوقع مصادر أمنية في وزارة الداخلية نشوب موجة جديدة من التمرد في صفوف قوات الشرطة، والتي تتخوّف من هجمات التنظيم المستمرة وعدم القدرة على وضع استراتيجية ناجحة لمواجهة تكتيكات "ولاية سيناء"، والتي باتت معروفة ولكن دون وضع خطط لمواجهتها.
وتقول المصادر الأمنية، إن حالة من القلق انتابت أفراد الأمن، خصوصاً مع عمليات التصفية الجسدية لضباط وأفراد الشرطة في قلب مدينة العريش، محذرة من عقبات عدم وضع خطط محكمة، لناحية إمكانية تخلي القوات الأمنية عن واجبها واللجوء إلى الاستقالات أو التقاعس، وهو ما يخلف أزمة أشد خطورة من الوضع الحالي.
ويتهم الأهالي في سيناء قوات الجيش والشرطة بتنفيذ "عمليات انتقامية" بحقهم. وبحسب الأهالي، ترتكب هذه القوات انتهاكات كثيرة بحقهم، تتعلق بعمليات قصف عشوائي بالمدفعية وسلاح الطيران الحربي، فضلاً عن اعتقالات وقتل عشوائي وتعذيب، وتضييق على سبل العيش والحياة، إضافة إلى عمليات التهجير التي طاولت أهالي مدينة رفح على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، لإقامة قناة مائية لمنع حفر الأنفاق بين الجانبين.
وتُلقي هذه "الانتهاكات" بظلالها على أمرين في غاية الخطورة على مستقبل المواجهات المسلحة بين الجيش والشرطة من جهة، ومسلحي "ولاية سيناء" من جهة أخرى، تتعلق بعدم تعاون الأهالي مع أجهزة الأمن في نقل أخبار وتحركات التنظيم. الأمر الثاني، وفقاً لما كشفته مصادر خاصة في وقت سابق، هو انضمام العشرات من شباب القبائل والعائلات الكبيرة إلى "ولاية سيناء"، ليس إلا لرفع الظلم الواقع على الأهالي من قِبل الجيش والشرطة.
وبعث التنظيم في بيانه حول الهجوم على كمين الصفا رسالة اعتاد توجيهها إلى أهالي سيناء، وهي أنه "المخلص" لهم من انتهاكات الجيش. إذ أعلن أن الهجوم الأخير جاء "رداً على إهانة النساء في الحواجز الأمنية"، كنوع من التأكيد على أنه جزء من نسيج سيناء وليس كما يتردد أنهم مرتزقة أجانب.
اقرأ أيضاً: "ولاية سيناء"... إنهاك الجيش المصري عبر "إدارة التوحّش"