ويتساءل رئيس حزب سياسي مصري، من الأحزاب الداعمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: "لماذا لم تعلن الرئاسة، ولا مجلس الوزراء الذي أقر الاتفاقية، التفاصيل بشفافية ووضوح؟". ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "إذا كانت الجزيرتان تقعان بالفعل ضمن المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية، فلماذا أعلنت السلطات المصرية أنها ستحصل على ملياري دولار سنوياً من السعودية، بالإضافة إلى امتيازات أخرى؟".
في السياق، يقول باحث في تاريخ مصر الحديث، لـ"العربي الجديد"، إن النزاع حول الجزيرتين يعود إلى أكثر من نصف قرن، ففي العام 1950 ونتيجة لضعف البحرية السعودية آنذاك، ومع توترات حرب احتلال فلسطين، اتفقت مصر والسعودية على أن تقوم القوات المصرية بحمايتهما والتمركز بهما. ويعتبر أن "تاريخنا العربي لا يعترف بالوثائق، ولا يحفظ للشعوب أي حقوق لمعرفة التاريخ، وكل شيء يُدار في الغرف المغلقة بحجة الأمن القومي"، لافتاً إلى أنه "حتى الآن لا نعرف تحديداً ما نوع الاتفاق الذي عُقد بين الدولتين، وما إذا كان تخلي السعودية المذكور عن الجزيرتين تنازلاً أم تأجيراً، بل إنه حتى وقت قريب جداً كانت بعض الأصوات تزعم أن الجزيرتين تحتلهما إسرائيل حتى اليوم، من دون أن تقوم أية جهة رسمية أو إعلامية تابعة للحكومة بتصويب المعلومة".
الواقع التاريخي يفيد بأن إسرائيل لم تفوّت فرصة الاستيلاء على الجزيرتين مرتين: الأولى سنة 1956، أثناء العدوان الثلاثي على مصر، ثم في سنة 1967 مع توسعها الأكبر، ولم تنسحب منهما إلا سنة 1982 وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد. ونظراً لأهمية موقع الجزيرتين الاستراتيجي لإسرائيل، فقد تضمّن الاتفاق المذكور أن تكون السيطرة على الجزيرتين لصالح قوات حفظ السلام الدولية، ودور تلك القوات هو مراقبة حرية الملاحة الإسرائيلية في مضيق تيران، كما أنه لا يحق لمصر أي وجود عسكري في المنطقة مطلقاً، إذ تنتمي للمنطقة "ج" المدنية. وكل ما استطاعت مصر عمله هو إنشاء محمية طبيعية في الجزيرتين للاستفادة السياحية من الشُعب المرجانية الموجودة في المنطقة. من هنا، يتساءل مراقبون عمّا إذا كان "تنازل" مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، أو "إعادتهما" إلى السعودية، سيؤدي إلى نتائج معينة تتصل بالترتيبات الأمنية الخاصة باتفاقيات كامب ديفيد مع مصر وإسرائيل الواردة في الملحق الأمني للمعاهدة. نقطة إشكالية يتوقف عندها البعض بالإضافة إلى ما يتم التذكير به حول مشروع إنشاء الجسر بين مصر والسعودية الذي لاقى اعتراضاً إسرائيلياً أفسد تنفيذ المقترح سابقاً، بحجة أنه سيتقاطع عرضياً مع طريق السفن الإسرائيلية للولوج إلى البحر الأحمر.
في الجانب المصري أيضاً، يتواصل الجدل في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ انتقد سياسيون وناشطون إعلان الحكومة توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ثم إعلان دخول الجزيرتين في المياه الإقليمية السعودية، معتبرين ذلك "تفريطاً في جزء استراتيجي من أرض الوطن". كما أعاد ناشطون نشر عدد من الوثائق القديمة، التي قالوا إنها تثبت ملكية مصر للجزيرتين، وقام بعضهم بالإشارة إلى القانون البحري الدولي، وكيف أن تقسيم المياه بين الدول المتشاطئة يكون بالتساوي، وهو ما سيجعل الجزيرتين من حق مصر، بالإضافة إلى أنه لا يوجد أي مؤشر تاريخي على أنه كان للسعوديين موطئ قدم على الجزيرتين قديماً، ولم يكن نفوذهم يمتد إلى شواطئ البحر الأحمر الشمالية آنذاك، حسب كلامهم.
وفي إطار البازار المفتوح مصرياً حول الجزيرتين، احتدم الصراع بين أنصار الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وحلفاء الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، إذ تباهت صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لأنصار مبارك بـ"حفاظ الأخير على تراب مصر" واسترداد الجزر المحتلة من إسرائيل سنة 1982، ونشروا وثائق تؤكد تبعية الجزيرتين لمركز سانت كاترين في عهد وزير الداخلية حسن أبو باشا. رواية لاقت هجوماً من أنصار السيسي الذين يحملون لواء أحقية السعودية في الجزيرتين، وحدثت مشادات كلامية بين المعسكرين.
عودة إلى القرن الـ19
الناشط المصري ممدوح حمزة ذكر عبر موقع "تويتر" أن الجزيرتين مصريتان وفقاً للوثائق التاريخية التي تعود للقرن التاسع عشر. وقال حمزة: "مجرد قبول فكرة ترسيم حدود لحدود قائمة ومستقرة ومعترف بها دولياً على كل الخرائط المصرية والدولية، هو تفريط في أرض مصر لا نتوقعه من مسؤول مصري". اعتمد حمزة على عدد من الوثائق التي تسبق إنشاء المملكة العربية السعودية ذاتها، فقال: "سنة 1800 نشرت البعثة العلمية لنابليون خريطة بها الجزيرتين بنفس لون سيناء، أي أنها جزء من سيناء". ثم ذكر أنه "سنة 1838 صدرت أول خريطة جيولوجية لسيناء رسمها "ج ر روسبرج" فيها الجزيرتان كجزء من سيناء". وأضاف: "سنة 1868 نشرت بعثة "يالمر" المساحية الخريطة المعروفة باسم Ordnance Survey وفيها الجزيرتان جزء من سيناء وبنفس اللون، وسنة 1885 صدر الدليل المعروف باسم BAEDAKER وفيه الجزيرتان جزء من سيناء".
القانون الدولي للبحار
أما الباحث أرشد فاروق، فأشار إلى أن ملكية الجزر تخضع لعملية منح السيادة من قبل الدولة العثمانية باعتبارها آخر إطار سياسي مشترك بين مصر والسعودية في العصر الحديث، مؤكداً أنه لو كانت الجزر تابعة للسعودية إدارياً حتى العام 1950، وهو العام الذي تنازلت فيه السعودية عن الجزيرتين لمصر بخطاب رسمي موجّه للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، فإن الحجاز وشواطئ البحر الأحمر على الجانبين كانت تخضع للإدارة المصرية قبل وجود السعودية أصلاً، ولذلك لا يمكن اعتبار الإدارة السياسية للجزر ثابتة من الثوابت التي يتم الاحتكام إليها. وأضاف أن القانون الدولي للبحار الدولية، الذي يمكن أن يُقاس عليه للفصل في أي نزاعات حدودية، يقول إن الدول المشتركة في ممر ملاحي دولي ذي مساحة محدودة، تقسّم السيادة مناصفة بين الدولتين المتشاطئتين لذلك الممر.
ووفقاً لفاروق، فإن عرض خليج العقبة هو 24 ميلاً فقط، لذا فإن السيادة المصرية تصل لمسافة 12 ميلاً من شاطئ سيناء، وكذلك السعودية من الجانب الآخر، مضيفاً: "لأن الجزيرتين تقعان في حدود 12 ميلاً بحرياً من شاطئ سيناء، وإذا كان الممر الملاحي الوحيد الصالح للملاحة هو ما بين شاطئ سيناء وجزيرة تيران، فإن السيادة حسب القانون الدولي، تكون لصالح مصر". لكنه استدرك بأنه "لا يمكن الاعتماد على السيادة التاريخية لأنها متغيّرة وليست ثابتة، وحتى لو تم الاحتكام إليها فإن آخر إشارة تاريخية هي تنازل السعودية لمصر عن الجزيرتين في خطاب رسمي تم إرساله لبريطانيا وأميركا، وتمت الموافقة عليه منذ 1950".
محطات من الأزمة
قدّم بعض النشطاء على هيئة بنود، تفاصيل تاريخية عن الصراع حول الجزيرتين:
- ترسيم الحدود البحرية بين مصر والدولة العثمانية سنة 1906، أعطى جزيرتي تيران وصنافير لمصر، وتشهد الوثائق الموجودة بذلك.
- فبراير/ شباط 1949، وقّعت مصر مع إسرائيل هدنة "رودس". ويتضمن خط الهدنة حدود 1906 ما عدا قطاع غزة.
- مارس/ آذار 1949، إسرائيل تخترق هدنة "رودس" وتعتدي على الحدود البحرية لمصر المرسومة شرق طابا وغرب إيلات وتسيطر على أم الرشراش.
- 1950، السعودية تؤكد ملكيتها للجزيرتين، لكن مصر ترفض وتتمسك بحدود معاهدة 1906، فتتركها السعودية لمصر لعدم وجود سلاح بحرية لديها لحمايتهما.
- 1951، الحكومة المصرية تعلن جزيرتي تيران وصنافير جزيرتين مصريتين، وأنه لا بد من إخطار مصر قبل العبور منهما، وتحظر مرور السفن الإسرائيلية.
- 25 يونيو/ حزيران 1952، تعلن إسرائيل تحويل منطقة أم الرشراش المصرية المحتلة إلى ميناء إيلات كرد فعل على منع عبور السفن الإسرائيلية.
- مصر تقدّم مذكرة رسمية للأمم المتحدة سنة 1954 متضمنة الخرائط واتفاقية 1906، وما يثبت وجود قوات مصرية فيها منذ الحرب العالمية الثانية.
- مصر تؤكد للهيئة العامة للأمم المتحدة سنة 1954 أن جزيرتي تيران وصنافير مصرية ولا تملك السعودية فيهما أي حق تاريخي أو قانوني.
- مارس/ آذار 1957، إسرائيل تنسحب من سيناء وجزيرتي تيران وصنافير بعد اشتراط وجود قوات دولية لضمان الملاحة، والأمم المتحدة تقر بمصريتها.
- عام 1957، ترسل السعودية مذكرة للأمم المتحدة تعترض على اعتبار جزيرتي تيران وصنافير جزيرتين مصريتين ولا تتلقى رداً من الأمم المتحدة.
- عام 1958، تُلزم اتفاقية البحار مصر بحرية الملاحة للسفن الإسرائيلية ومصر تلتزم بالأمر.
- مايو/ أيار 1967، تغادر القوات الدولية للأمم المتحدة سيناء وقطاع غزة وتنهي مهامها في مصر. وفي الشهر نفسه، تعلن مصر رسمياً إغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية.
- يونيو/ حزيران 1967، تكمل إسرائيل احتلالها لسيناء وجزيرتي تيران وصنافير.
- مارس/ آذار 1979، توقّع مصر مع إسرائيل اتفاقية السلام ويقر المجتمع الدولي ما كان مقرراً من حق مصر على الجزيرتين مع إقرارها بحرية الملاحة.
- مصر تعلن رسمياً سنة 1983 رأس محمد وجزيرة تيران وجزيرة صنافير محميات طبيعية مصرية تابعة للدولة المصرية.
- السعودية تنشر عام 1989 إصداراً يظهر الجزيرتين ضمن الأراضي السعودية، ولم تعقّب مصر كون الجزيرتين تحت سيطرتها وفي المنطقة "ج".
- التقرير الرسمي للأمم المتحدة بعد التحكيم الدولي بين مصر وإسرائيل يتحدث عن شكل الحدود المصرية وأن تيران وصنافير مصريتان.