وتتوالى اللقاءات بين الوفود الليبية ومسؤولي النظام المصري، بعضها يتسم بطابع عسكري وبعضها الآخر يحمل طابعاً سياسياً، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى تكريس وصايتها على جزء كبير من مكونات المشهد السياسي الليبي، وبالتحديد "معسكر طبرق"، في شرق ليبيا، والذي يتمثل في مجلس نواب عقيلة صالح، بالإضافة إلى قائد ما يعرف بـ"عملية الكرامة"، اللواء خليفة حفتر.
ورقة قوة
في ما يتعلق بالدوافع المصرية الجيوسياسية، يقول خبير سياسي مصري متخصص في الشأن العربي في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، إن إصرار القاهرة على لعب دور بارز في ليبيا يكمن في كونها تمثّل امتداداً للأمن القومي المصري من الجهة الغربية، في ظل الحدود المشتركة الكبيرة بين البلدين. إضافة إلى ذلك، يرى الباحث نفسه أن النظام المصري يسعى لامتلاك أوراق قوة في يده تجعله من اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط، ومن أهم هذه الأوراق الملف الليبي الذي يستحوذ كذلك على اهتمام أساسي من جانب الغرب.
وقد زار السراج القاهرة نحو أربع مرات منذ تعيينه، مرتين في أسبوع واحد، والتقى خلال واحدة منهما بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وكشفت مصادر سياسية مقربة من حكومة الوفاق أن زيارات السراج تهدف إلى حث السيسي على تأدية دور في الضغط على صالح، من أجل منح الثقة للحكومة، من جهة، وفي إقناع حفتر بالدخول بقواته تحت إمرة المجلس الرئاسي، واللواء المهدي البرغثي المرشح لحقيبة الدفاع في المجلس الرئاسي، من جهة أخرى. وكان حفتر زار القاهرة في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، فضلاً عن زياراته السرية المتكررة وتلك التي قام بها أيضاً رئيس أركانه، اللواء عبد الرازق الناظوري.
ولم يقتصر دور النظام المصري، خلال تلك الفترة، على استقبال الأطراف الليبية فقط، بل فتح أبوابه لتقديم نفسه أمام الأطراف الدولية بوصفه لاعباً لا يستغنى عنه في ليبيا. وما زيارة المبعوث الأممي، مارتن كوبلر، إلى مصر أخيراً، للتباحث حول الوضع في ليبيا، إلا واحدة من الخطوات التي تصب في هذا الاتجاه.
لكن دوافع الزوار الليبيين تختلف عن دوافع المسؤولين الدوليين الذي يكثفون جولاتهم على طرابلس في الآونة الأخيرة. ففي الوقت الذي أتت زيارات السراج إلى القاهرة للتشديد على ضرورة سرعة منح الثقة لحكومته، كانت الزيارات والاتصالات الدولية تهدف إلى ضرورة وقف التجييش الذي يقوم به حفتر لقواته بغية الهجوم على مدينة سرت، حيث يتمركز عناصر تنظيم "داعش". تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى وجود قلق دولي من فشل المعركة ضد "داعش" بسب عدم التنسيق بين قوات حفتر وغرفة العمليات التي شكّلها السراج لإدارة معركة تحرير المدينة، الأمر الذي من شأنه أن ينذر بكارثة تتمثل بزيادة سيطرة "التنظيم" على الأراضي الليبية.
حائط مسدود
في ظل هذه المؤشرات، يبدو أن الجهود الليبية اصطدمت حتى الآن بحائط مسدود في مصر. فقد علق الخبير السياسي المقرب من المجلس الرئاسي في طرابلس، صلاح البكوش، قائلاً: "المشهد بات واضحا حالياً في ليبيا، فلم يعد هناك حكومة الإنقاذ إذ انتهت تماما، إضافة إلى أن حكومة عبد الله الثني في طبرق باتت في حكم العدم، خاصة بعدما مارس المجلس البلدي في مدينة البيضاء، حيث مقر حكومة الثني، ضغوطاً قوية على هذه الحكومة وأعضائها لمغادرة المدنية تحت تهديد استخدام القوة.
في هذا السياق، يضيف البكوش، في تصريحات خاصة عبر الهاتف، أن السراج ومجلسه تقدما بعدد من المبادرات خلال زيارات القاهرة ولقاءات السيسي، إلا أن عقيلة صالح وحفتر قابلا كل تلك المبادرات بنوع من الرفض، كان آخرها رفضهما للقائه خلال تواجده في العاصمة المصرية خصيصاً لهذه الغاية.
انطلاقاً من ذلك، باتت الكرة في ملعب النظام المصري، المطالب اليوم، حسب قول البكوش، بإعلان "موقفه بشكل رسمي من حكومة السراج، وبأن يترجم موقفه بالأفعال وليس بالأقوال، خاصة أن التوجه الدولي بات واضحاً، في ضوء مؤتمر فيينا، وكذلك زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى القاهرة الأسبوع الماضي والتي كانت متعلقة بالملف الليبي".