حجم الرسائل التي تبادلها رئيس الجمهورية التونسي الباجي قائد السبسي، وزعيما حزب النهضة (حركة النهضة سابقاً) راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، في حفل الافتتاح الحاشد للمؤتمر العاشر للنهضة، الذي اختتم أعماله فجر أمس، مجدداً الثقة بالغنوشي وموكلاً إليه ولاية جديدةً، يؤشر إلى أن تونس، التي تُحكم اليوم بالتوافق، تشقّ طريقها نحو ثورة اقتصادية واجتماعية، عنوانها تونس والمواطن التونسي، وأن لا خيار أمام تونس سوى هذا التوجه.
تونس، وعلى الرغم مما تشهده من "مماحكات سياسية" بين الأطراف السياسية المختلفة، قطعت مع الماضي لتؤسس لدولة تعددية، مدنية ديمقراطية. فأحزابها الـ 204، ارتضت حكم صندوق والاقتراع كوسيلة للحكم، على الرغم من أن هناك من يشكك في نوايا البعض، ولا سيما نوايا الحزب الأكبر، النهضة، الذي قاطع بعض خصومه السياسيين حفل افتتاح المؤتمر.
وبعيداً عن جدل فصل الديني عن السياسي، الذي شهده مؤتمر "النهضة"، وقبول المؤتمر العام بتحول الحركة إلى حزب برامجي، فإن الشارع التونسي بات متعباً ومنهكاً من مماحكات وخصومات السياسيين، ويريد قطف ثمار الثورة اقتصادياً. الشعب يطمح إلى العيش بكرامة. يأمل بأن تتوفر له لقمة العيش والسكن والتعليم والعمل. هذا ما يردده المواطن في الشارع، ويكرره مسؤولون في الأحزاب السياسية. وهذا ما تلقفه، على ما يبدو، حزب النهضة من خلال تقديمه مشروعاً جديداً، من شأنه أن يمثل، إذا التزم في تطبيقه، ثورةً ثانيةً، بعد الثورة التونسية عام 2011. وقد لخص الغنوشي، الذي قبّل علم تونس، قبل إلقائه كلمة قصيرة في افتتاح المؤتمر، رؤية الحزب وبرنامجه بالقول: "تونس قبل النهضة".
ولأن الشارع هو الحكم، سيكون الاختبار الديمقراطي المقبل، الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في شهر مارس/آذار من العام المقبل، أول رد للشارع التونسي، على برنامج "النهضة"، وأول اختبار لمعرفة مدى قناعة الرأي العام به، ومدى إيمانه بتحولات "الحركة" التي أصبحت حزباً وثقته بقدرة الحزب على تطبيق برامجه في معالجة مشكلة الفقر والبطالة، وغيرها من المشاكل، التي تعاني منها تونس. كذلك، ستكون الانتخابات اختباراً لنويا "النهضة" ولمعرفة ما إذا كان الحزب سيترجم طروحاته بخطوات عملية على أرض الواقع.
ووفق آخر إحصاءات للمعهد الوطني للإحصاء، بلغت نسبة البطالة في تونس خلال الشهور الأولى من عام 2015، 15 في المائة، حيث قدر عدد العاطلين عن العمل في تونس بـ601.4 ألف شخص، منهم 222.9 ألفاً من حملة الشهادات العليا.
قضية البطالة احتلت حيزاً في خطاب الغنوشي، الذي دعا إلى مواجهة البطالة في إطار برنامج اقتصادي شامل، يعتمد في أساسه على تشجيع الاستثمار، الذي يساهم في خلق فرص عمل ويحقق التنمية المتوازنة، كما يقطع مع عقلية "المسمار في حيط"، التي قال عنها إنها "أضعفت في النفوس المبادرة بديلاً عن ثقافة العمل والمبادرة والإبداع". كما دعا الغنوشي "إلى برنامج إنقاذ اقتصادي" عاجل، يعطي الأولوية لعملية إعادة الإنتاج، المعطلة في بعض القطاعات الاستراتيجية، وانجاز المشاريع العامة المتوقفة، كما جدد الدعوة "لهدنة اجتماعية"، تحفظ حقوق العمال وتحمي المؤسسة الاقتصادية من الانهيار والتلاشي.
في الواقع، تواجه تونس، بعد أكثر من خمس سنوات على الثورة، أربعة تحديات، تتمثل في الانتصار على الفساد، والانتصار على الإرهاب، وجذب الاستثمارات، وإعادة الحياة للقطاع السياحي. وقال عضو لجنة الإعداد لمؤتمر النهضة، عبد المنعم ادريس، إن التحدي الأكبر الذي بات يواجه الحركة هو تحد اقتصادي وتحد أمني، مؤكداً أن الحزب (الحركة سابقاً) يملك مشروعاً لمواجهة التحديين، سيطرحه على الأحزاب السياسية للعمل به خلال السنوات المقبلة.
ويطرح حزب النهضة، ضرورة التمييز بين "رجال الأعمال الشرفاء والقلّة المتورطة في الفساد". لكنه يقترح منح هؤلاء فرصة الاعتراف والاعتذار وإعادة ما حصلوا عليه دون وجه حق. وهو أمر يرى فيه الغنوشي أنه يساعد على تحرير المبادرة الاقتصادية.
وفي ما يتعلق بالملف الأمني، يتميز المشهد التونسي اليوم بوجود تأهب أمني متواصل في شوارع المدن الرئيسة، ولا سيما المدن السياحية، التي عانت من اعتداءات عدة، تسببت في تراجع السياحة إلى أدنى مستوياتها. ويبدو جلياً أن هناك إجماعاً شعبياً وسياسياً خلف الدولة والتدابير التي اتخذتها من أجل مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
في هذا الإطار، يقول هشام، "سائق تاكسي"، في مدينة الحمامات التي تبعد 60 كيلومتراً عن العاصمة، وتعد أحد أهم المنتجعات السياحية في تونس، إن السياحة في المدينة، لم تعد كما كانت سابقاً، وإن القطاع تضرر كثيراً. هشام، شأنه شأن جميع سكان المدينة، يدعو الحكومة لعمل دؤوب من أجل إنعاش هذا القطاع. تجدر الإشارة إلى أن الإعلام التونسي يتحدث عن عودة الحياة إلى السياحة في تونس، خصوصاً مع بدء وصول السياح الروس، إذا زار حوالي 200 سائح روسي تونس، الشهر الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، أتت مبادرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، التي أطلقها خلال استقباله الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في الدوحة الأسبوع الماضي، لتنعش الأمل في شأن تعزيز الاستثمارات في تونس. فقد اقترح أمير قطر عقد مؤتمر دولي لجلب الاستثمارات إلى تونس، من المقرر أن يجري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.