التنافس العلني بين لاريجاني وعارف لم يكن بتلك الشراسة، على الرغم من آمال الإصلاحيين الكبيرة، لكن الأمور حسمت لصالح لاريجاني بسلاسة، فنال الرجل 173 صوتاً في مقابل 103 أصوات لعارف. وقد هنّأ عارف منافسه، ليُعلّق لاريجاني قائلاً، إنه "عقد وعارف العديد من الجلسات خلال الفترة الأخيرة"، مؤكداً أنهما "اتفقا على تحقيق المزيد من الانسجام في تركيبة البرلمان الجديد، وهو ما يصبّ لصالح تأدية المهام بالشكل الأمثل".
وعلى الرغم من نجاح أعضاء قائمة "الأمل" الإصلاحية عن طهران، التي ضمّت شخصيات معتدلة أيضاً، واحتلالها لكافة مقاعد العاصمة الإيرانية البالغ عددها 30 مقعداً، إلا أن الكفة رُجّحت لصالح لاريجاني. وعند الحديث عن الأسباب، يُمكن تلخيصها بأن النائب المعتدل بتوجهاته، والمنتمي للتيار المحافظ، يعطي صوته بشكل طبيعي لتياره الأصلي.
وبالإضافة لهذا، فإن تقدّم لاريجاني للانتخابات التشريعية الأخيرة كمرشح مستقل وعدم رغبته بخوض السباق ضمن لائحة المحافظين، جعله يحظى بأصوات غالبية النواب المعتدلين، فضلاً عن أصوات محافظي البرلمان من منتقدي سياسات الإصلاحيين، فاحتفظ بكرسيه. ومع فوز المحافظين برئاسة البرلمان، حلّ الإصلاحي مسعود بزشكيان في مقعد النائب الأول للاريجاني، وهو الذي شغل منصب وزير الصحة في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي.
في هذا الإطار، تنافس بزشكيان على هذا المقعد مع كل من علي مطهري، وحميد رضا حاجي بابايي، ومحمد دهقان، الذي سيشغل بدوره منصب النائب الثاني. كما جرت عملية الاقتراع الداخلي لاختيار أعضاء الهيئة الرئاسية خلال جلسة أمس الأحد البرلمانية، وهي الهيئة التي باتت تتشكّل من تسعة نواب من جبهة "الولاية" المحافظة، وثلاثة نواب وحسب من جبهة "الأمل" الإصلاحية.
في هذا الصدد، نقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن النائب الإصلاحي مصطفى كواكبيان، قوله إنه "كان من المتوقع أن تكون تركيبة الهيئة الرئاسية أفضل مما هي عليه الآن". لكنه وصفها بـ"الجيدة"، مشيراً إلى أن "حوالى 50 نائباً من لائحة الأمل قدّموا أصواتهم للاريجاني، رغم أنه كان من المفترض أن تذهب لعارف".
وقد دعا كواكبيان نواب "الأمل"، للتعامل مع بعضهم بعضاً بشفافية أكبر مستقبلاً، مؤكداً من جهته "ضرورة أن تؤدي الأحزاب لدورها في البرلمان، وأن تشكل انتماءات النواب السياسية معادلات التنافس، لا تمثيل المناطق والمدن".
وتشير هذه التصريحات إلى أن اتحاد الإصلاحيين مع المعتدلين خلال الاستحقاق الانتخابي كان مؤقتاً، وهو ما يعني أن قراراتهم لن تكون واحدة حول كافة القضايا التي ستحمل لقاعة المجلس مستقبلاً، فصورة البرلمان الجديد باتت مركّبة ومختلطة.
صحيح أن المعتدلين حققوا فوزاً "معنوياً" كبيراً، بعد تأييد الشارع لهم وللإصلاحيين المتحدين معهم في دوائر المدن الكبرى، وهي الدوائر الأثقل، وصحيح أن الإصلاحيين استطاعوا العودة للمشهد السياسي الإيراني بعد سنوات غابوا فيها بسبب الخلافات التي دبت بين أبناء تيارهم وبسبب عزل وتهميش كثيرين منهم بعد احتجاجات عام 2009 وابتعادهم عن رموزهم، لكن التيار المحافظ فاز في مناطق دون أخرى، وحافظ على رئاسة البرلمان.
وعلى الرغم من أن هذا يعني أن البرلمان الجديد سيكون أكثر انسجاماً مع حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني، لأن لاريجاني مقرب من تياره، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المتشددين سيغيبون عن المشهد، خصوصاً بوجود مشاكل في تطبيق الاتفاق النووي بالذات، واستمرار الخلافات مع الغرب في هذا الشأن.
وكما حصل لاريجاني على مقعد رئاسة البرلمان، فاز رجل الدين المتشدد أحمد جنتي، قبل أيام قليلة بمقعد رئاسة مجلس خبراء القيادة المشرف على عمل المرشد والمسؤول عن تعيين خلف له. ويعود هذا لذات الأسباب، لناحية اختيار المحافظين من خط الوسط مرشح تيارهم في كلا المجلسين، وهو ما جعل الأمور تسير لصالح هذا التيار في اثنتين من أهم مؤسسات صنع القرار الإيراني.
من جهته، يقول المسؤول السياسي عن حزب "مؤتلفة" المحافظ كاظم أنبارلويي، إن "الإصلاحيين يعانون من الوهم، لكونهم حققوا تقدماً كبيراً في العاصمة الإيرانية طهران، لكن طهران لا تمثل إيران كلها" على حد قوله. وتنقل وكالة أنباء "فارس" عن أنبارلويي قوله أيضاً إن "نسب توزع أعضاء الخبراء، ونواب البرلمان تعني أن المحافظين ما زالوا في موضع قوة وبأن الإصلاحيين ما زالوا قلة".
بذات الوقت، تُعدّ أوراق تيار الاعتدال هي الأقوى، حتى الآن، فالحكومة المعتدلة برئاسة روحاني، استطاعت التوصل للاتفاق النووي، في 14 يوليو/تموز الماضي، الذي سمح بإلغاء الحظر الاقتصادي الغربي الذي أثقل كاهل الإيرانيين وزاد من همومهم المعيشية خلال السنوات الماضية. والاتفاق هو ورقة رابحة أدركها الإصلاحيون الذين يتمتعون بشعبية في المدن الكبرى، لا في الأرياف والقرى وهي التي لا يمكن تجاهل صوتها.
وفي انتظار الاستحقاق الانتخابي العتيد، وهو استحقاق الانتخابات الرئاسية التي ستجري في يونيو/حزيران 2017، سيرفع الرئيس الحالي حسن روحاني إن قرر الترشح لدورة رئاسية ثانية، شعاري النووي والانفتاح على الآخرين. ولكن إذا ما استمر الوضع على حاله، ولم تستطع طهران أن تلمس عملياً نتائج الاتفاق، وهو ما لم يحدث، حتى اللحظة، سيرتفع صوت المحافظين أكثر في البرلمان وفي كل مؤسسات صنع القرار الإيراني. وهو ما سيجعل المعتدلين والإصلاحيين في موقف أضعف، وهو ما سيستدعي أن يبحث المحافظون عن مرشح قوي يطيح بمنافسيه من تياري الاعتدال والإصلاح، وترجح التوقعات عودة شخصية تستطيع أن تحظى بالتأييد كالرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى المشهد.
من جهة ثانية، سيشهد المستقبل على محاولة ململة الإصلاحيين أنفسهم، ففي الاستحقاق الماضي خاضوا السباق مع المعتدلين، وفي السباق الرئاسي قبل ثلاثة أعوام انسحب عارف لصالح روحاني، وهو ما ساعد على إنعاش تيارهم وعودة وجوهه للمشهد تدريجياً، وهي تجربة لم يكررها عارف خلال التنافس على مقعد رئاسة البرلمان الجديد، بسبب انتقادات المحسوبين على الإصلاح.
وإلى ذاك الحين، سيكون أمام نواب البرلمان الجديد باختلاف انتماءاتهم مهمات داخلية وخارجية، ففضلاً عن سعي كل تيار للحفاظ على نقاط قوته، سيعمل الكل معاً لمتابعة تطبيق الاتفاق النووي أولاً، ومعالجة مشكلات اقتصاد الداخل ثانياً، فضلاً عن رصد تطورات علاقات إيران الخارجية والتي تحكمها التطورات الإقليمية من جهة، وسياسات الانفتاح الحكومية من جهة أخرى، والتي قد لا تروق لكثيرين في البرلمان نفسه.