ومن المفترض أن تصدر الأرقام تباعاً الليلة، مع العلم أنّ المعلومات الأولية تشير إلى نسبة مشاركة كثيفة في البقاع وبعلبك - الهرمل، وقد تجاوزت الأربعين في المائة، في حين لم تتخطّ نسبة المشاركة في بيروت حاجز العشرين في المائة، بحسب ما تشير مصادر في الداخلية لـ"العربي الجديد".
وبحسب الأرقام غير الرسمية للماكينة الانتخابية لتيار المستقبل، قبل قرابة ساعة من إقفال صناديق الاقتراع، فقد كان عدد المقترعين في بيروت قد بلغ 64 ألف مقترع، مع الإشارة إلى ارتفاع هذا الرقم خلال الساعة الأخيرة للاقتراع.
وبحسب الماكينة نفسها، اقترع من الطائفة السنية أكثر من 45 ألف مقترع مقابل 16 ألف مقترع تقريباً من الطوائف الأخرى، بين مسيحيين وأرمن ومسلمين. وتعطي هذه الأرقام وترجمتها السياسية أرجحية كبيرة لفوز "لائحة البيارتة" المدعومة من كل قوى السلطة في 8 آذار و14 آذار.
ونجحت الدولة اللبنانية في تنظيم الجولة الأولى للانتخابات البلدية والاختيارية في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك ـ الهرمل، أمس الأحد. وعاشت مدن وبلدات هذه المناطق الانتخابات المحلية، كما لو أنّ لا شيء يهدّد البلاد، لا أمنياً ولا سياسياً، لتسقط بذلك الذرائع التي تمسّكت بها السلطة في الأعوام السابقة، لتأجيل الانتخابات النيابية والتمديد للبرلمان لولاية كاملة (على دفعتين)، وحرمان اللبنانيين من حقوقهم البديهية في اختيار ممثليهم والمشاركة الفعلية في الحياة السياسية.
لكن لائحة "بيروت مدينتي"، والتي خرجت من رحم "الحراك الشعبي"، والذي تشكّل في بيروت الصيف الماضي، على خلفية أزمة النفايات، قدّمت للبنانيين والبيروتيين تجربة انتخابية جديدة، بعيداً عن أي منطق طائفي أو حزبي أو سياسي مباشر. وأضفت هذه اللائحة النكهة المدنية والمطلبية والحقوقية، المفترض أن ترافق أي انتخابات عموماً، لتتمكّن من فرض معركة بوجه السلطة مجتمعة وتجبرها على خوض الاستحقاق الانتخابي من الندّ إلى الندّ.
وفي العاصمة، اضطر زعيم كتلة المستقبل، سعد الحريري، إلى الاقتراع في الساعات الأولى لفتح صناديق الاقتراع علّه ينجح في دفع الناخبين إلى المشاركة في الاستحقاق الانتخابي. حتى إنّ المعركة اضطرت أيضاً كلاً من الزعماء المسيحيين، النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، إلى التأكيد أكثر من مرة خلال النهار الانتخابي على وجوب مشاركة البيروتيين في الاستحقاق، مع العلم أنّ حركة الاقتراع في المناطق المسيحية لم تكن نشطة، ما يمكن وضعه في إطار خذلان الجمهور المسيحي للتوافق السياسي الذي تمّ.
من جهة "بيروت مدينتي"، كان لافتاً التأييد الذي لاقته من الكبار في السن وليس من الفئة الشبابية فقط، وقد يكون معبّراً توقّف أحد المسنّين في أحد الأحياء الرئيسية في الأشرفية (ذي الأغلبية المسيحية) للقول لمجموعة من الشبان يناقشون الانتخابات، إنه اقترع لـ"بيروت مدينتي" "على الرغم من كوني مع الجنرال عون، لكن الجميع يتحدّثون عن كفاءة هؤلاء الشباب ونيّة التغيير".
بالتالي فإنّ رجلاً قارب السبعين من العمر بات قادراً على تحمّل فكرة الابتعاد عن الأحزاب وتجاوز التزاماته السياسية، وهو ما يعني بشكل أو بآخر أنّ "بيروت مدينتي" تمكّنت من كسر الحاجز الموجود لدى المواطنين ورهبة الأحزاب عليهم، خصوصاً لجهة الفئات الشبابية.
أما في البقاع، فكانت المفاجأة أيضاً من بلدة عرسال (على الحدود الشرقية مع سورية) والتي لطالما كانت مهدّدة أمنياً وتعمل قوى في 8 آذار وفي مقدّمتها حزب الله، على تصويرها تحت سيطرة "المجموعات الإرهابية". إلا أنّ نسبة الاقتراع في عرسال، قبل أكثر من ثلاث ساعات على إقفال صناديق الاقتراع قاربت الأربعين في المائة، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بمعدّل نسب الاقتراع في البقاع وبعلبك. وهو ما يعني أنّ تصوير عرسال كحاضنة لـ"الإرهاب" اتهام سياسي كان يراد من خلاله الضغط على البلدة وأهلها لإجبارها على التخلي عن احتضانها عشرات آلاف النازحين السوريين.
ومن البقاع أيضاً، كانت زحلة المحطة الانتخابية الأبرز، حيث سجّل عدد من الإشكالات الطفيفة، والتي تمّت معالجتها من القوى الأمنية وسط معلومات باستخدام المال الانتخابي في المدينة وجوارها لحسم المعركة من أطرافها الثلاثة: النائب نقولا فتوش، تحالف الأحزاب المسيحية (عون ـ القوات ـ الكتائب) وزوجة النائب الراحل إلياس سكاف، ميريام. كما كان لافتاً تعامل حزب الله بأريحية في انتخابات قضاء بعلبك والهرمل على الرغم من وجود لوائح مدنية وأخرى عائلية نافسته حتى في مدينة بعلبك في تجربة قريبة من تجربة "بيروت مدينتي".