لا يوجد خلاف عادة، في الطرف الفلسطيني، سواء المقصود به العرب الفلسطينيون في الداخل، أم الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967، بشأن قوة جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة، المعروفة باسم الشاباك، كونها في أحيان كثيرة فوق القانون، عدا عن اعتماد محققي جهاز الشاباك، نهج الكذب أمام الجهات الرسمية، بما فيها لجان التحقيق الرسمية.
وقد بينت سلسلة لقاءات أجراها طلبة من جامعة بار إيلان الإسرائيلية، مع عدد من قضاة محكمة العدل العليا الإسرائيلية، حجم القوة والنفوذ الذي يتمتع به الجهاز، طبقا لاعترافات هؤلاء القضاة الذين شاركوا في هذا المشروع. وبرز من بين 13 قاضيا سابقا في المحكمة الإسرائيلية العليا، ثلاثة من رؤسائها، وهم أهرون براك، ودوريت بينيش، ومئير شمجار.
وأدلى القضاة بشهادات أكدت حجم نفوذ الشاباك في عدد من الملفات التي عصفت بإسرائيل وأثارت ضجة كبيرة، بدءا من مذابح صبرا وشاتيلا، وقضية عملية الباص 300، ولجنة فينوغراد، التي حققت في الفشل الإسرائيلي في عدوان تموز 2006 على لبنان.
وفي هذا السياق، أورد موقع "والاه" مقتطفات من شهادات هؤلاء القضاة، مستهلة بشهادة رئيس المحكمة العليا سابق، دوريت بينيش، حول تجاوزات وعمل جهاز الشابك في ملف عملية الباص 300 التي وقعت في 12 أبريل/نيسان 1984، عندما قامت خلية فلسطينية مكونة من أربعة فدائيين، باختطاف الباص رقم 300 الذي كان في طريقه من تل أبيب إلى عسقلان، مطالبين بتحرير 500 أسير من أسرى فتح في السجون الإسرائيلية.
ورفضت قوات الاحتلال المطالب، وقامت بالهجوم على الحافلة، عند دير البلح، وقتلت خلال العملية الشهيدين، محمود قبلان ومحمود بركة، فيما وقع في الأسر الشهيدان مهدي أبو جامع وصبحي أبو جامع. وقام ضباط سرية الأركان، بتسليمهما أحياء لعناصر الشاباك، لكن ضباط الشاباك قاموا بقتلهما، وادعوا أنهما قتلا خلال عملية السيطرة على الحافلة. لكن صورة نشرتها صحيفة حداشوت الإسرائيلية، أظهرت الشابين وهما على قيد الحياة.
وتبين لاحقا أن ضباط الشابك، وفي طليعتهم، رئيس الجهاز أبراهام شالوم، حاولوا من خلال تقديم شهادات وإفادات كاذبة للجنة التحقيق، التي عرفت باسم لجنة لاندو، ادعوا فيها أن من قام بقتل الشابين، هو مسؤول العمليات في الجيش في ذلك الوقت، العقيد إيتسيك مردخاي، الذي تدرج لاحقا ليتولى منصب قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، وبعد ذلك وزيرا للأمن في حكومة نتنياهو الأولى.
وفي أواسط التسعينات، اعترف نائب رئيس الشاباك السباق، إيهود يتوم، شقيق رئيس الموساد السابق داني يتوم، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه قتل أحد الشابين بيديه، وحطم جمجمته بصخرة كبيرة.
وفي سياق تطرق القاضية دوريت بينيش لقضية الباص 300، قالت بينيش "عندما ذهبنا لنتحدث مع رئيس الحكومة ومع الوزراء، أدركنا أن رئيس الجهاز قد سبقنا إليه، وقد كان معمماً لدى جميع أصحاب الشأن أنه يمنع المس بجهاز الشاباك، وهذا أمر مخيف حقا أن نفكر بالقوة والنفوذ التي يتمتع بهما هذا الجهاز السري".
وتضيف بينيش في شهاداتها أن كلمة "الأمن" تحمل في طياتها سحرا يؤتي مفعوله على رجال السياسة وعلى الجميع". لقد هزتنا هذه التجربة كليا، وأعتقد أن أمورا مشابهة لها يمكن أن تحدث اليوم، وإن كنت آمل أن نكون استخلصنا العبر".
وتؤكد بينيش ما كان معروفا للجانب الفلسطيني منذ اليوم الأول، من خلال تجربته مع جهاز القضاء الإسرائيلي، وانصياعه الدائم لنزوات وممارسات الشاباك، حتى في منع المعتقل الفلسطيني من معرفة التهم المنسوبة له والمواد والأدلة بحجة السرية.
كما تكشف أيضاً "كنا في النيابة العامة نعمل بشكل ملاصق ودائم مع الجهاز، وكان صادما لنا أن نعرف أنه في الوقت الذي تعتبرهم فيه أناسا ذوي ثقة، كانوا قادرين على فعل كل هذه الأمور، وأن معايير مرفوضة وغير شرعية يمكن أن تكون موجهة ضد كل فرد"(في إشارة منها لمحاولة تحميل مسؤولية قتل الأسيرين للجنرال إيتسيك مردخاي).
وتتابع "في البداية يقومون بذلك ضد الإرهابيين، ولكن لاحقا ضد كل شخص، بما في ذلك ضدي أنا، وضد المستشار القضائي للحكومة. لقد كانت تجربة قاسية هزتنا جميعا".