جاءت تصريحات وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، الأربعاء الماضي، بأن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، سيبحث فرص مهاجمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) جنوبي سورية، بمثابة رمي حجر في مياه راكدة نسبياً، إذ تحافظ الأوضاع في الجنوب السوري على قدر من التوازن منذ بداية العام الحالي تقريباً، باستثناء بعض الخروقات من قِبل قوات النظام السوري.
ويرى الصمادي أن بعض قادة فصائل الجبهة الجنوبية، ما زالوا يخضعون لرغبة "الموك" حفاظاً على مصالحهم الشخصية، وأن الفصائل هناك "قادرة على فتح معارك كبيرة مع قوات النظام حتى من دون دعم من الموك". ويعتبر أن المعركة الأخيرة المسماة "هي لله"، التي أعلنت عنها بعض الفصائل الجنوبية، معركة تخريبية هدفت إلى تعطيل إطلاق معركة أخرى جدية كان يجري التحضير لها منذ ثلاثة أشهر. وحول التدخّل المحتمل لطيران التحالف الدولي ضد القوى المبايعة لتنظيم "داعش" في محافظة درعا، يشير الصمادي إلى أن كل الفصائل تُجمع على رفض أي تدخّل من جانب الولايات المتحدة وطيران التحالف في الجبهة الجنوبية، لأن مثل هذا التدخّل "لن يكون إلا في خدمة النظام السوري، ووفق أجندة بعيدة عن أهداف الثورة السورية"، مشيراً إلى أن قصف طيران التحالف في الشمال السوري يستهدف المدنيين بشكل خاص، وليس تنظيم "داعش"، خصوصاً في مدينة منبج بريف حلب الشرقي.
في المقابل، يقول مصدر في الجيش الحر بالجبهة الجنوبية لـ"العربي الجديد"، إن فصائل الجنوب ما زالت تتخبط بين الخضوع لرغبة "الموك" في التهدئة أو للضغوط الشعبية المطالبة بفتح الجبهات مع قوات النظام، مشيراً إلى أن سياسة الأردن تجاه الجبهة الجنوبية تقوم على التهدئة تجنّباً لأية تأثيرات سلبية على الأردن مثل حدوث عمليات نزوح واسعة باتجاه أراضيه أو اضطرار مقاتلين من المعارضة للفرار باتجاه الأردن تحت ضغط القصف وهجمات النظام السوري، أو اقتراب المجموعات المتشددة من الحدود الأردنية والتسلل عبرها إلى الداخل الأردني، كما حصل في منطقة الركبان أخيراً، حيث قتل بعض الجنود الأردنيين في عملية تفجير تبناها تنظيم "داعش".
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت في يونيو/ حزيران الماضي، إدراج "لواء شهداء اليرموك" المبايع لتنظيم "داعش" في درعا على قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ما اعتُبر في حينه بأنه قد يكون مقدمة لبدء دخول طيران التحالف الدولي إلى أجواء حوض اليرموك بذريعة مكافحة الإرهاب. وتعرب مصادر محلية عن خشيتها من أن يطاول الاستهداف الأميركي، إن حصل، الفصائل الأخرى المصنفة متشددة تنفيذاً للتفاهمات الروسية الأميركية الأخيرة، ما يعني تحويل المحافظة إلى ساحة استنزاف لقوى المعارضة، ما يصب في النهاية في خدمة النظام السوري.
وكانت "جبهة النصرة" (التي باتت تحمل اسم جبهة فتح الشام) في درعا أقدمت، قبل ثلاثة أيام، على سحب مقاتليها من كامل مواقعها في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، من دون سابق إنذار أو بيان رسمي يوضح سبب الانسحاب. غير أن ناشطين يرجحون أن يكون السبب هو خشيتها من أن تكون هي الهدف التالي بعد القضاء على أنصار "داعش" في المنطقة، خصوصاً بعد أنباء عن قرب عملية عسكرية كبيرة ضد "التنظيمات الإرهابية" في الجنوب السوري بمشاركة الأردن ودول التحالف. وينقل هؤلاء الناشطون عن مصادر في "النصرة" أنها لن تشارك في أية عملية اقتحام ضد مواقع "داعش" في الجنوب السوري وستكتفي بصد هجماته.
وتقسم غرفة "الموك" فصائل الجنوب بين فصائل الجيش الحر التي تتلقى منها الدعم العسكري والمالي، وفصائل إسلامية يُصنف بعضها كتنظيمات إرهابية ومن ضمنها "جبهة النصرة"، المنخرطة بشكل أساسي في "جيش الفتح"، الذي يضم معظم الفصائل الإسلامية في المنطقة، وأهمها "أحرار الشام"، و"تحالف فتح الشام"، و"لواء إحياء الجهاد"، وفصائل أخرى.
وتشكّلت غرفة العمليات المشتركة "الموك" قبل نحو ثلاثة أعوام لدعم فصائل "المعارضة السورية المعتدلة" بالسلاح والذخيرة، وقد قامت بتشكيلها دول ما يسمى أصدقاء سورية والتي تضم الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الأردن، وبمشاركة من السعودية، والإمارات، وتركيا. وقدّمت الغرفة بعض الأسلحة للفصائل المنضوية التي يمثّلها مندوب دائم بآلية مراقبة، مثل صواريخ "تاو"، وراجمات صواريخ، ورشاشات، وبنادق آلية وذخائر، بحسب المعركة، إضافة إلى رواتب شهرية لمقاتلي هذه الفصائل (100 دولار شهرياً)، ومعونات إغاثية شهرية، وسيارات، ومعدات لوجستية.
ويشير مراقبون إلى أن محافظة درعا تعيش منذ أشهر في ظل فوضى داخلية كبيرة نتيجة انتشار السلاح، وخمود الجبهات مع النظام، وتغلغل خلايا نائمة تابعة لتنظيم "داعش" والنظام السوري في معظم مناطق سيطرة قوات المعارضة، وما يرافق ذلك من عمليات اغتيال وتفجير شبه يومية، وهو ما يجعل المحافظة مفتوحة على مخاطر شتى، مشيرين إلى أن أية تدخّلات خارجية في ظل الانقسامات الحالية، سوف تكون لها آثار سلبية للغاية، سواء على المدنيين، أم فصائل المعارضة، خصوصاً مع وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يعد يكتفي بالمراقبة، بل قصف سلاحه الجوي أخيراً أهدافاً لحركة المثنى في الجنوب السوري.