حين قرر قادة دول حلف الأطلسي أن تسبق قمتهم في العاصمة البولندية وارسو، يومي 8 و9 يوليو/ تموز الماضيين، أضخم مناورات عسكرية منذ انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، فذلك برأي مراقبين للشأن العسكري والسياسات الدفاعية "لم يكن صدفة بل تُدرج في سياق توجيه الرسائل لروسيا".
وبحسب ما يذهب إليه البروفسور ميكال فيدبي راسموسن من جامعة كوبنهاغن، فإن "الحلف يناقش عملياً انتهاء فترة السلم وتسارع سباق التسلّح في أوروبا"، فيما يؤكد مدير مركز الدراسات العسكرية هنريك براينباوك أن "الجميع أمام رياح حرب باردة أخرى".
في هذا السياق، يُمكن أيضاً إدراج كلام الأمين العام للأطلسي ينس ستولتنبرغ، في إطار عودة الحرب الباردة، بقوله إن "العالم أصبح أكثر خطورة مما كان عليه قبل سنوات قليلة"، مشيراً إلى ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية ودعم انفصاليي دونباس (إقليمي دونيتسك ولوغانسك) في الشرق الأوكراني بدءاً من عام 2014. ومع تشديده على "أننا موحّدون ضد روسيا"، غير أن ستولتنبرغ أكد بأن "موسكو لا تشكل تهديداً ولا شريكاً استراتيجياً". كما اجتمع الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، أمس السبت، مع قادة الحلف، وناقش معهم تنفيذ التزامات كييف بموجب اتفاق مينسك، من خلال القبول بمزيد من اللامركزية وإجراء انتخابات محلية في دونباس.
اقــرأ أيضاً
ما يناقشه قادة دول حلف الأطلسي الـ28 حالياً، هو الإجراءات التطبيقية لقرار نشر الآلاف من الجنود، في دول شرق أوروبا، خصوصاً بولندا، ودول البلطيق الثلاث. وقرر الحلف تحريك أربع كتائب بإجمالي ثلاثة إلى أربعة آلاف جندي إلى شمال شرق أوروبا، يتم تدويرها لإظهار، استعداده للدفاع عن الأعضاء من شرق القارة، في مواجهة أي عدوان روسي. في هذا الصدد، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، إن "الولايات المتحدة ستنشر نحو ألف جندي في بولندا في إطار الخطة، لتحسين وجودنا كقوة ردع، في وسط وشرق أوروبا". مع العلم أن ألمانيا تقود الكتيبة الموجودة في ليتوانيا، بينما تقود بريطانيا تلك الموجودة في إستونيا، وتقود كندا الكتيبة الموجودة في لاتفيا. وستسهم دول أخرى مثل فرنسا بجنود.
وتتصدر بريطانيا وكندا وأميركا وألمانيا والدنمارك، مسار الدفع بالجنود بشكل متصاعد، وهو ما تذهب إليه تقارير لمراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية. وقد ورد في تقرير بحثي أعدته مؤسسة "راند"، أنه "لا يبدو أن الروس سيردعهم شيء في حال قرروا إعادة التجربة الأوكرانية في دول البلطيق"، لكن وفقاً لتقديرات الاختصاصيين في الشأن الدفاعي، فإن "الحلف يهدف إلى أن يفهم الروس بأنه في حال قرروا ذلك (إعادة التجربة الأوكرانية)، فإنهم أول من سيواجهون، ليس الجنود البولنديين أو الليتوانيين والإستونيين واللاتفيين، بل قوات من بريطانيا والولايات المتحدة والدنمارك ودول أخرى".
لجهة الأطلسي، فإن 24 دولة دفعت بنحو 31 ألف جندي في مناورة "أناكوندا" في بولندا، في أكبر مناورات عسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، والتي دامت 10 أيام وانتهت في 17 يونيو/ حزيران الماضي. وبدا واضحاً أن الأميركيين مندفعون، وذلك بزجهم 10 آلاف عسكري و250 مدرعة وأكثر من 90 دبابة "أبرامز أم 1". وفي المناورات إياها أنزلت الطائرات الحربية ألفي مظلي من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وبولندا.
وكان لافتاً أيضاً في عملية "أناكوندا" مشاركة دول من خارج الحلف هذا العام، وهي: أوكرانيا وفنلندا والسويد ومقدونيا وجورجيا وكوسوفو، أدت فيما يبدو هدفها في وصول ما أراد الحلف إيصاله للروس. وليضاف إليها نوع من الجدية، والتي يعنيها الغرب، فإن الزج بأكثر من 5600 جندي غربي في مناورات وتدريبات أخرى تحمل اسم "بالتوبس 16" في بحر الشمال ودول بحر البلطيق في يونيو/ حزيران الماضي، يأتي ضمن ذات السياق، المترافق مع مزيد من إرسال جنود من دول الشمال نحو البلطيق. فضلاً عن مناورات "سابر سترايك 16" في دول البلطيق تحديداً، والتي تستمر حتى يوم الخميس المقبل، وكلها باتت تقلق الروس أكثر من السابق.
القلق الروسي بدا واضحاً في إقليم كاليننغراد، الواقع بين بولندا وليتوانيا، ويبعد عن أقرب نقطة جغرافية روسية بـ365 كيلومتراً، حيث واجه الإقليم بالقرب منه مناورات لعشرات آلاف الجنود، ما جعله يبدو محاطاً ومحاصراً بتصعيد حلف الأطلسي على أبواب روسيا. وكان ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد قال الشهر الماضي إن "المناورات لا تساهم بتعزيز جو من الثقة والأمن في المنطقة". مع العلم أن موسكو أعلنت اعتزامها نشر صواريخ ذات قدرات نووية في كاليننغراد.
بالتالي، فإنه منذ انطلاق التدريبات والمناورات في العام الماضي، من "سويفت ريسبونس"، حتى "أناكوندا"، وتعزيز المناورات لقوات التدخل السريع، والتي تركز على سرعة الاستجابة الغربية لدعم بولندا في غضون فترة محددة بـ18 ساعة من قواعد أميركية وأوروبية، وتدريبات الأطلسي في ملاحقة الغواصات في بحر البلطيق، زادت من القلق الروسي المحذّر من تصاعد السباق نحو التسلح. وينظر الأوروبيون إلى هذه التحركات العسكرية من منظار غير احتفالي، بل مشروع جدي في الاستجابة لما يعتبرونه "تهديداً روسياً حقيقياً". الروس من ناحيتهم يطلقون على كل تحرك "استفزازات لا معنى لها".
في هذا الإطار، يرى مصدر سياسي غربي بحديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ العام الماضي تجري محاولات غربية دؤوبة لإحياء العمل بمشروع غلاديو السري الذي أُنشئ بعد الحرب العالمية الثانية". ويضيف "يستفيد الجميع من الطريقة التي واجه فيها الروس ما جرى في أوكرانيا من خلال رجال حرب عصابات، بالتالي فإن دول الحلف تسعى لإحياء المشروع بالاعتماد على قوات خفيفة ومدرّبة بشكل جيد على حرب العصابات وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو".
كان واضحا أن الأطلسي يعني ما يقوله عن "الوقوف في وجه النزعات العدوانية الروسية"، فبحسب ما قال ستولتنبرغ في وارسو بعيد تحضيره للقمة المنعقدة، فإن "الأمور جدية وخطيرة. دعونا نكون واضحين تماماً، سيكون هناك المزيد من قوات الأطلسي في بولندا بعد اجتماع القمة، وذلك لإرسال إشارة واضحة بأن أي هجوم على بولندا سيُعتبر هجوماً على كل الحلف".
كثيرون يرون في كلام ستولتنبرغ محاولة "ترويض موسكو، بتعزيز انتقال المجابهة إلى غرب شرق"، وهو الذي عزز كلامه أيضاً حين غمز من قناة القرم وأوكرانيا في التوتر القائم، قائلاً إن "أمننا وقيمنا يواجهان تحديات كبيرة، في الشرق قامت روسيا بضم غير شرعي للقرم. تصرفاتهم الدائمة في أوكرانيا وبناء قوة عسكرية من بحر بارنتس (الواقع فوق اسكندنافيا لجهة القطب الشمالي) إلى البلطيق، ومن البحر الأسود إلى شرق المتوسط في الجنوب، يخلق المزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ويضغط على أوروبا من خلال الهجرة، وهي تحديات لم نرَ مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية".
وبحسب ما يقوله الباحث في المعهد الاستراتيجي الدنماركي ستيفن سولسا لـ"العربي الجديد"، فإن "التوترات لا تدور حول مصالح أمنية فقط، ولا نشر الدرع الصاروخي، بل هناك أيضاً تنافس على مصالح نفوذ اقتصادي في شمال القارة والقطب الشمالي والعلاقات مع شرق أوروبا وتداخل مصالح الغاز بالأمن".
الموقف الروسي، والذي وصلته الرسائل الأطلسية، فُهم على لسان بوتين إلى أي درجة وصل التوتر في العلاقات. فقبل أيام من انطلاق القمة في وارسو، ولدى لقاء مع الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو في الأول من يوليو/ تموز الحالي في العاصمة الفنلندية هلسنكي، نقلت وكالة الأنباء الفنلندية عنه قوله إنه "مستعد لمناقشة التوتر في بحر البلطيق".
لكن بوتين لم ينس تذكير الغربيين بحدود ما هو مقبول لموسكو، إذ من غير المقبول بالنسبة له أن تصبح فنلندا عضواً في الأطلسي، قائلاً "هل تعتقدون بأننا (في تلك الحالة) سنُبقي جنودنا بعيدين 1500 كيلومتر عن الحدود؟". في إشارة تحذيرية بأن روسيا سترسل قواتها نحو حدود فنلندا في حال الانضمام للأطلسي.
في قمة وارسو يبدو جليا أن استعراض العضلات الغربية، وخصوصاً مع تسارع التوجه نحو تعاون أكبر بين دول الاتحاد الأوروبي والأطلسي. ما يسمح لدول مثل السويد بأن تكون جزءاً من التعاون العسكري، بدأت بالفعل ترسل رسائل طمأنة لدول تشعر بتهديد روسي. ففي القمة شارك 58 وفداً، بينهم 28 بلداً عضواً و26 بلداً شريكاً مع الأطلسي، بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. وبلغ عدد أعضاء الوفود نحو 2500 شخص، فضلاً عن نحو 2000 مؤسسة ووسيلة إعلامية.
بالنسبة إلى موازنة الأطلسي، فقد بلغت في عام 2016 حجم الموازنة العسكرية الأميركية 3.6 في المائة من الدخل القومي، بينما خصصت بريطانيا نحو 2.2 في المائة من ميزانيتها للعسكر. كما تُخصص فرنسا نحو 1.8 في المائة من ميزانيتها للسلاح، والدنمارك والنرويج 1.7 في المائة، أسوة بعشر دول أخرى في الحلف، أما ألمانيا فتُخصص 1.2 في المائة من ميزانيتها للسلاح. ويتطلع الحلف لزيادة الإنفاق مع العام المقبل.
وفي شأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والأطلسي، فإن الطرفين يعملان في سياق ما يُطلق عليه "استراتيجية عالمية تعاونية"، تطرح تعاوناً بين دول الاتحاد والأطلسي على الصعد الدفاعية بطموحات تشمل سياسات الهجرة، المرتكزة على دول الترانزيت، حيث ترغب دول الاتحاد في زيادة الدعم الإنساني والتركيز على الدراسة والنساء والأطفال. كما يشمل التعاون سياسة الجيرة، والتي يركز الاتحاد فيها على تقارب مع جيرانه بهدف نشر السلم والاستقرار. وفي هذا الصدد، تُمنح تونس وجورجيا أولوية في الاستراتيجية المذكورة، مع إيجاد اتفاقات تجارية تفضيلية مع الجيران الذين يتوقع منهم المساهمة في السياسة الدفاعية المشتركة. كما يشمل التعاون سياسة رفع المستوى الحياتي، ويقوم الاتحاد بمحاربة الفقر وغياب التكافؤ في الفرص والعدالة الاجتماعية، خصوصاً لفئة النساء والشباب.
اقــرأ أيضاً
في هذا السياق، يُمكن أيضاً إدراج كلام الأمين العام للأطلسي ينس ستولتنبرغ، في إطار عودة الحرب الباردة، بقوله إن "العالم أصبح أكثر خطورة مما كان عليه قبل سنوات قليلة"، مشيراً إلى ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية ودعم انفصاليي دونباس (إقليمي دونيتسك ولوغانسك) في الشرق الأوكراني بدءاً من عام 2014. ومع تشديده على "أننا موحّدون ضد روسيا"، غير أن ستولتنبرغ أكد بأن "موسكو لا تشكل تهديداً ولا شريكاً استراتيجياً". كما اجتمع الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، أمس السبت، مع قادة الحلف، وناقش معهم تنفيذ التزامات كييف بموجب اتفاق مينسك، من خلال القبول بمزيد من اللامركزية وإجراء انتخابات محلية في دونباس.
ما يناقشه قادة دول حلف الأطلسي الـ28 حالياً، هو الإجراءات التطبيقية لقرار نشر الآلاف من الجنود، في دول شرق أوروبا، خصوصاً بولندا، ودول البلطيق الثلاث. وقرر الحلف تحريك أربع كتائب بإجمالي ثلاثة إلى أربعة آلاف جندي إلى شمال شرق أوروبا، يتم تدويرها لإظهار، استعداده للدفاع عن الأعضاء من شرق القارة، في مواجهة أي عدوان روسي. في هذا الصدد، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، إن "الولايات المتحدة ستنشر نحو ألف جندي في بولندا في إطار الخطة، لتحسين وجودنا كقوة ردع، في وسط وشرق أوروبا". مع العلم أن ألمانيا تقود الكتيبة الموجودة في ليتوانيا، بينما تقود بريطانيا تلك الموجودة في إستونيا، وتقود كندا الكتيبة الموجودة في لاتفيا. وستسهم دول أخرى مثل فرنسا بجنود.
وتتصدر بريطانيا وكندا وأميركا وألمانيا والدنمارك، مسار الدفع بالجنود بشكل متصاعد، وهو ما تذهب إليه تقارير لمراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية. وقد ورد في تقرير بحثي أعدته مؤسسة "راند"، أنه "لا يبدو أن الروس سيردعهم شيء في حال قرروا إعادة التجربة الأوكرانية في دول البلطيق"، لكن وفقاً لتقديرات الاختصاصيين في الشأن الدفاعي، فإن "الحلف يهدف إلى أن يفهم الروس بأنه في حال قرروا ذلك (إعادة التجربة الأوكرانية)، فإنهم أول من سيواجهون، ليس الجنود البولنديين أو الليتوانيين والإستونيين واللاتفيين، بل قوات من بريطانيا والولايات المتحدة والدنمارك ودول أخرى".
وكان لافتاً أيضاً في عملية "أناكوندا" مشاركة دول من خارج الحلف هذا العام، وهي: أوكرانيا وفنلندا والسويد ومقدونيا وجورجيا وكوسوفو، أدت فيما يبدو هدفها في وصول ما أراد الحلف إيصاله للروس. وليضاف إليها نوع من الجدية، والتي يعنيها الغرب، فإن الزج بأكثر من 5600 جندي غربي في مناورات وتدريبات أخرى تحمل اسم "بالتوبس 16" في بحر الشمال ودول بحر البلطيق في يونيو/ حزيران الماضي، يأتي ضمن ذات السياق، المترافق مع مزيد من إرسال جنود من دول الشمال نحو البلطيق. فضلاً عن مناورات "سابر سترايك 16" في دول البلطيق تحديداً، والتي تستمر حتى يوم الخميس المقبل، وكلها باتت تقلق الروس أكثر من السابق.
القلق الروسي بدا واضحاً في إقليم كاليننغراد، الواقع بين بولندا وليتوانيا، ويبعد عن أقرب نقطة جغرافية روسية بـ365 كيلومتراً، حيث واجه الإقليم بالقرب منه مناورات لعشرات آلاف الجنود، ما جعله يبدو محاطاً ومحاصراً بتصعيد حلف الأطلسي على أبواب روسيا. وكان ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد قال الشهر الماضي إن "المناورات لا تساهم بتعزيز جو من الثقة والأمن في المنطقة". مع العلم أن موسكو أعلنت اعتزامها نشر صواريخ ذات قدرات نووية في كاليننغراد.
بالتالي، فإنه منذ انطلاق التدريبات والمناورات في العام الماضي، من "سويفت ريسبونس"، حتى "أناكوندا"، وتعزيز المناورات لقوات التدخل السريع، والتي تركز على سرعة الاستجابة الغربية لدعم بولندا في غضون فترة محددة بـ18 ساعة من قواعد أميركية وأوروبية، وتدريبات الأطلسي في ملاحقة الغواصات في بحر البلطيق، زادت من القلق الروسي المحذّر من تصاعد السباق نحو التسلح. وينظر الأوروبيون إلى هذه التحركات العسكرية من منظار غير احتفالي، بل مشروع جدي في الاستجابة لما يعتبرونه "تهديداً روسياً حقيقياً". الروس من ناحيتهم يطلقون على كل تحرك "استفزازات لا معنى لها".
في هذا الإطار، يرى مصدر سياسي غربي بحديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ العام الماضي تجري محاولات غربية دؤوبة لإحياء العمل بمشروع غلاديو السري الذي أُنشئ بعد الحرب العالمية الثانية". ويضيف "يستفيد الجميع من الطريقة التي واجه فيها الروس ما جرى في أوكرانيا من خلال رجال حرب عصابات، بالتالي فإن دول الحلف تسعى لإحياء المشروع بالاعتماد على قوات خفيفة ومدرّبة بشكل جيد على حرب العصابات وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو".
كان واضحا أن الأطلسي يعني ما يقوله عن "الوقوف في وجه النزعات العدوانية الروسية"، فبحسب ما قال ستولتنبرغ في وارسو بعيد تحضيره للقمة المنعقدة، فإن "الأمور جدية وخطيرة. دعونا نكون واضحين تماماً، سيكون هناك المزيد من قوات الأطلسي في بولندا بعد اجتماع القمة، وذلك لإرسال إشارة واضحة بأن أي هجوم على بولندا سيُعتبر هجوماً على كل الحلف".
وبحسب ما يقوله الباحث في المعهد الاستراتيجي الدنماركي ستيفن سولسا لـ"العربي الجديد"، فإن "التوترات لا تدور حول مصالح أمنية فقط، ولا نشر الدرع الصاروخي، بل هناك أيضاً تنافس على مصالح نفوذ اقتصادي في شمال القارة والقطب الشمالي والعلاقات مع شرق أوروبا وتداخل مصالح الغاز بالأمن".
الموقف الروسي، والذي وصلته الرسائل الأطلسية، فُهم على لسان بوتين إلى أي درجة وصل التوتر في العلاقات. فقبل أيام من انطلاق القمة في وارسو، ولدى لقاء مع الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو في الأول من يوليو/ تموز الحالي في العاصمة الفنلندية هلسنكي، نقلت وكالة الأنباء الفنلندية عنه قوله إنه "مستعد لمناقشة التوتر في بحر البلطيق".
لكن بوتين لم ينس تذكير الغربيين بحدود ما هو مقبول لموسكو، إذ من غير المقبول بالنسبة له أن تصبح فنلندا عضواً في الأطلسي، قائلاً "هل تعتقدون بأننا (في تلك الحالة) سنُبقي جنودنا بعيدين 1500 كيلومتر عن الحدود؟". في إشارة تحذيرية بأن روسيا سترسل قواتها نحو حدود فنلندا في حال الانضمام للأطلسي.
بالنسبة إلى موازنة الأطلسي، فقد بلغت في عام 2016 حجم الموازنة العسكرية الأميركية 3.6 في المائة من الدخل القومي، بينما خصصت بريطانيا نحو 2.2 في المائة من ميزانيتها للعسكر. كما تُخصص فرنسا نحو 1.8 في المائة من ميزانيتها للسلاح، والدنمارك والنرويج 1.7 في المائة، أسوة بعشر دول أخرى في الحلف، أما ألمانيا فتُخصص 1.2 في المائة من ميزانيتها للسلاح. ويتطلع الحلف لزيادة الإنفاق مع العام المقبل.
وفي شأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والأطلسي، فإن الطرفين يعملان في سياق ما يُطلق عليه "استراتيجية عالمية تعاونية"، تطرح تعاوناً بين دول الاتحاد والأطلسي على الصعد الدفاعية بطموحات تشمل سياسات الهجرة، المرتكزة على دول الترانزيت، حيث ترغب دول الاتحاد في زيادة الدعم الإنساني والتركيز على الدراسة والنساء والأطفال. كما يشمل التعاون سياسة الجيرة، والتي يركز الاتحاد فيها على تقارب مع جيرانه بهدف نشر السلم والاستقرار. وفي هذا الصدد، تُمنح تونس وجورجيا أولوية في الاستراتيجية المذكورة، مع إيجاد اتفاقات تجارية تفضيلية مع الجيران الذين يتوقع منهم المساهمة في السياسة الدفاعية المشتركة. كما يشمل التعاون سياسة رفع المستوى الحياتي، ويقوم الاتحاد بمحاربة الفقر وغياب التكافؤ في الفرص والعدالة الاجتماعية، خصوصاً لفئة النساء والشباب.