لا حديث في فرنسا هذه الأيام سوى عن إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد الشاب الذي قدّم استقالته من الحكومة الثلاثاء الماضي ليستعيد حريته ويتفرغ لخوض غمار الانتخابات الرئاسية في مبادرة لا تخلو من الدراما على الطريقة الفرنسية. ذلك أن ماكرون يبدو للكثيرين شاباً مزهواً بنفسه وطفلاً مدللاً تجرأ على عض اليد التي أطعمته، وذلك في إشارة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي احتضن ماكرون عندما كان شاباً مجهولاً وجعله مسؤولاً عن حملته الانتخابية عام 2012، ثم اتخذ قراراً فاجأ مقربيه كثيراً عندما عيّنه في منصب السكرتير العام للرئاسة المكلف بالملفات الاقتصادية بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية، قبل أن يفرضه لاحقاً في منصب وزير الاقتصاد صيف عام 2014 رغم أنف رئيس الوزراء مانويل فالس.
هولاند كان معجباً بشخصية ماكرون وذكائه وجرأته وعدم اكتراثه بالكوابح الأيديولوجية التي تميّز الشخصيات السياسية التي تدور في فلك الإليزيه. هكذا صوّر بعض المعلقين قرار الاستقالة وكأنه خيانة الابن لأبيه، لكن السياسة لها قوانينها الأخرى. فماكرون ومنذ توليه وزارة الاقتصاد صارت عينه على الرئاسة وانتهج خطة إعلامية ذكية عبر خلخلة منتظمة للخطوط السياسية يساراً ويميناً من خلال ورشة إصلاحات ذات صبغة ليبرالية جعلته "الزبون المثالي" لوسائل الإعلام ودوائر الميديا.
وبالتدريج تحوّل ماكرون إلى ظاهرة لافتة في المشهد السياسي بسبب خوضه في مواضيع تتجاوز اختصاصه الاقتصادي وانتقاده المتكرر لأداء الحكومة الاشتراكية بقيادة فالس. وشهدت العلاقة بين ماكرون وفالس توتراً كبيراً في الآونة الأخيرة، وحتى هولاند أصبح يتضايق من تغريد ماكرون خارج السرب الاشتراكي وشعبيته المتزايدة. وتمثّلت المفارقة الغريبة في كون ماكرون يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الناخبين الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاماً، الأمر الذي جعل البعض يطلق عليه بسخرية "ماكرون الشاب الذي يجذب إعجاب الشيوخ".
وبلغت جرأة ماكرون الذروة عندما بادر إلى تأسيس حركة "ماضون قُدماً" في إبريل/نيسان الماضي، معلناً أنها "حركة سياسية وسطية وبديلة لا تنتمي لا إلى اليسار ولا إلى اليمين". وفي نهاية مايو/أيار الماضي، دشن حملة لطرق الأبواب في عدة أنحاء في فرنسا، لجمع حوالي مائة ألف من اقتراحات المواطنين للنهوض بفرنسا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. وقبل بضعة شهور أظهرت عدة استطلاعات للرأي شعبية ماكرون المتصاعدة، مقارنة بتدنٍ غير مسبوق لشعبية هولاند وفالس.
اقــرأ أيضاً
عقد ماكرون أول تجمّع جماهيري لحركته السياسية في يوليو/تموز الماضي، وأظهر طموحاً سياسياً واضحاً وحماسة لافتة في انتقاد حصيلة الأداء الحكومي، على الرغم من أنه كان لا يزال على رأس أهم وزارة فيها. وخلال هذا التجمّع، ألقى ماكرون خطاباً أمام حشد كبير من مناصريه، فصّل فيه رؤيته لـ"سياسة بديلة ومتجددة"، وأكد طموحه في "كتابة تاريخ جديد" لفرنسا، داعياً إلى "توحّد كل الذين يرغبون في إحداث تغيير إيجابي في البلاد"، قائلاً: "أعرف أن هذا التاريخ الجديد مزعج بالنسبة للبعض. لكن لا مفر منه، لأنه تاريخ ضد النظام السائد". كما وعد مناصريه بأنه سيقود حركته "إلى النصر حتى 2017"، تاريخ الانتخابات الرئاسية، وسط تصفيق وهتافات تطالبه بالترشح لها.
وبدا واضحاً آنذاك أن ماكرون يتحدث كأنه منخرط في خطاب حملة انتخابية سابقة لأوانها، لكن كان شديد الحرص أيضاً على ألا يتجاوز الخط الأحمر ويعلن ترشيحه لأن ذلك سيعني خروجه من الحكومة والدخول في معركة مباشرة مع هولاند وفالس.
وإذا كان خصوم ماكرون يشهدون له بالذكاء في جذب الاهتمام الإعلامي واللعب على وتر العزوف الشعبي من النخبة السياسية يميناً ويساراً، فإن نقطة ضعفه هي كونه شخصية تكنوقراطية صرفة ولم يخض أبداً في حياته أي استحقاق انتخابي يمنحه شرعية صناديق الاقتراع. لهذا فهو لا يتمتع بتأثير في أوساط النخبة السياسية، وعدا بعض البرلمانيين القلائل من اليمين الذي أعلنوا تعاطفهم معه فالغالبية الساحقة من المنتخَبين اليساريين لا ترغب في مجاراته. في المقابل لدى ماكرون شبكة واسعة من العلاقات في الدوائر الاقتصادية والمالية راكمها عندما كان يعمل في المجال المصرفي في بنك روتشيلد وعندما شغل منصبي السكرتير العام لقصر الإليزيه ووزارة الاقتصاد.
ومن بين أهم الشخصيات التي تدعم ماكرون، المليونير هنري هيرمان الذي راكم ثروة ضخمة في مراكز التسوق الكبرى وهو اشتراكي من الرعيل الأول وصديق حميم للسياسيين ميشال روكار وجاك آتالي. وكان هيرمان قد شجع ماكرون على الاستقالة منذ مستهل العام الحالي وأعلن أمس الأربعاء أنه سيشكّل لجنة دعم سياسية مشكَّلة من شخصيات سياسية واقتصادية ومنتخبين وممثلين من المجتمع المدني تكون مهمتها وضع خطة لخوض حملة الانتخابات الرئاسية إلى جانب ماكرون. ويشكّل هيرمان راعياً من العيار الثقيل بفضل موارده المالية وأيضاً شبكة علاقات من كبار الأثرياء والشخصيات السياسية داخل فرنسا وخارجها.
وحتى الآن لا أحد من المراقبين يراهن على قدرة ماكرون على خلق المفاجأة في الانتخابات الرئاسية، لكن في المقابل سيكون ترشحه لهذه الانتخابات آخر مسمار في نعش طموح هولاند بالفوز في ولاية رئاسية ثانية، كما أن هذا الترشح سيساهم بقوة في ما بات يعتبره البعض "انتحاراً جماعياً غير معلن" لليسار في الاستحقاق الرئاسي المقبل مع تكاثر الترشيحات وتشرذمها في البيت اليساري.
اقــرأ أيضاً
وبالتدريج تحوّل ماكرون إلى ظاهرة لافتة في المشهد السياسي بسبب خوضه في مواضيع تتجاوز اختصاصه الاقتصادي وانتقاده المتكرر لأداء الحكومة الاشتراكية بقيادة فالس. وشهدت العلاقة بين ماكرون وفالس توتراً كبيراً في الآونة الأخيرة، وحتى هولاند أصبح يتضايق من تغريد ماكرون خارج السرب الاشتراكي وشعبيته المتزايدة. وتمثّلت المفارقة الغريبة في كون ماكرون يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الناخبين الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاماً، الأمر الذي جعل البعض يطلق عليه بسخرية "ماكرون الشاب الذي يجذب إعجاب الشيوخ".
وبلغت جرأة ماكرون الذروة عندما بادر إلى تأسيس حركة "ماضون قُدماً" في إبريل/نيسان الماضي، معلناً أنها "حركة سياسية وسطية وبديلة لا تنتمي لا إلى اليسار ولا إلى اليمين". وفي نهاية مايو/أيار الماضي، دشن حملة لطرق الأبواب في عدة أنحاء في فرنسا، لجمع حوالي مائة ألف من اقتراحات المواطنين للنهوض بفرنسا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. وقبل بضعة شهور أظهرت عدة استطلاعات للرأي شعبية ماكرون المتصاعدة، مقارنة بتدنٍ غير مسبوق لشعبية هولاند وفالس.
عقد ماكرون أول تجمّع جماهيري لحركته السياسية في يوليو/تموز الماضي، وأظهر طموحاً سياسياً واضحاً وحماسة لافتة في انتقاد حصيلة الأداء الحكومي، على الرغم من أنه كان لا يزال على رأس أهم وزارة فيها. وخلال هذا التجمّع، ألقى ماكرون خطاباً أمام حشد كبير من مناصريه، فصّل فيه رؤيته لـ"سياسة بديلة ومتجددة"، وأكد طموحه في "كتابة تاريخ جديد" لفرنسا، داعياً إلى "توحّد كل الذين يرغبون في إحداث تغيير إيجابي في البلاد"، قائلاً: "أعرف أن هذا التاريخ الجديد مزعج بالنسبة للبعض. لكن لا مفر منه، لأنه تاريخ ضد النظام السائد". كما وعد مناصريه بأنه سيقود حركته "إلى النصر حتى 2017"، تاريخ الانتخابات الرئاسية، وسط تصفيق وهتافات تطالبه بالترشح لها.
وبدا واضحاً آنذاك أن ماكرون يتحدث كأنه منخرط في خطاب حملة انتخابية سابقة لأوانها، لكن كان شديد الحرص أيضاً على ألا يتجاوز الخط الأحمر ويعلن ترشيحه لأن ذلك سيعني خروجه من الحكومة والدخول في معركة مباشرة مع هولاند وفالس.
ومن بين أهم الشخصيات التي تدعم ماكرون، المليونير هنري هيرمان الذي راكم ثروة ضخمة في مراكز التسوق الكبرى وهو اشتراكي من الرعيل الأول وصديق حميم للسياسيين ميشال روكار وجاك آتالي. وكان هيرمان قد شجع ماكرون على الاستقالة منذ مستهل العام الحالي وأعلن أمس الأربعاء أنه سيشكّل لجنة دعم سياسية مشكَّلة من شخصيات سياسية واقتصادية ومنتخبين وممثلين من المجتمع المدني تكون مهمتها وضع خطة لخوض حملة الانتخابات الرئاسية إلى جانب ماكرون. ويشكّل هيرمان راعياً من العيار الثقيل بفضل موارده المالية وأيضاً شبكة علاقات من كبار الأثرياء والشخصيات السياسية داخل فرنسا وخارجها.
وحتى الآن لا أحد من المراقبين يراهن على قدرة ماكرون على خلق المفاجأة في الانتخابات الرئاسية، لكن في المقابل سيكون ترشحه لهذه الانتخابات آخر مسمار في نعش طموح هولاند بالفوز في ولاية رئاسية ثانية، كما أن هذا الترشح سيساهم بقوة في ما بات يعتبره البعض "انتحاراً جماعياً غير معلن" لليسار في الاستحقاق الرئاسي المقبل مع تكاثر الترشيحات وتشرذمها في البيت اليساري.