مقاطعة إسرائيل بعيون غير عربية: إشكالية الدعم ووحدة الفلسطينيين

08 اغسطس 2016
نعيم جينا: على الفلسطينيين التوحد حول مشروع واضح(العربي الجديد)
+ الخط -
شهد المؤتمر الدولي الذي عقده "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بالتعاون مع فرعه في تونس، والذي استمر ثلاثة أيام، مختتماً أعماله أول من أمس، السبت، تحت عنوان "استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح"، في مدينة الحمّامات التونسية، مشاركة أكاديمية وتخصصية من مختلف القارات لمناقشة واقع وتحديات قضية المقاطعة لدولة الاحتلال.

واستطلعت "العربي الجديد" آراء بعض المشاركين في هذا المؤتمر، الذي تطرق في جلساته إلى عدد من المحاور، منها المقاطعة كاستراتيجية عمل وطني فلسطيني والرد الإسرائيلي عليها، والأبعاد القانونية لحملات المقاطعة، وحملات المقاطعة ومناهضة التطبيع في الوطن العربي: التاريخ والمسارات، ونماذج وحالات، فضلاً عن جلسة خاصة عن تجربة مقاطعة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.

وفي معرض حديثه مع "العربي الجديد"، يوضح الكاتب الأميركي، محرر مشروع "غرايزيون"، ماكس بلومنثال، والذي يعد فيلماً بعنوان "قتل غزة"، أن التحديات التي يواجهها في مجال العمل والدعوة إلى توسيع المقاطعة في الولايات المتحدة هي "التحديات ذاتها التي تتعلق باللوبيات، التي تنشط في مجال التمويل والاستثمار في سياسات تشغيل الأموال بشكل استراتيجي". ويضيف أنّ عضو الكونغرس الأميركي يجد نفسه تحت ضغط "أيباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية)، وعمل جماعات الضغط والمصلحة الذي يصب، على سبيل المثال، في مجال تخصيص المزيد من الأموال في الصناعات العسكرية الداعمة لإسرائيل.

يتأسف الكاتب الأميركي على أنّه في المقابل لا يوجد أي ضغط في الاتجاه المعاكس، إذ إنّ "هؤلاء المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس ليس لديهم ما يخسرون. تُقدم لهم رحلات مجانية إلى إسرائيل، والعديد منهم لديهم أعمالهم الخاصة من دون أن يعرفوا الكثير عما يدور في العالم الخارجي. ففي ظل حالة الجهل المطبقة التي يعيشها هؤلاء، تعرض عليهم بروباغاندا إسرائيلية مؤثرة"، على حدّ قوله.

في الطرف المقابل، بحسب ماكس بلومنثال، لا يوجد أي اختراق للكونغرس أو لمؤسسات أميركية أخرى تُعرف بتأييدها لإسرائيل، باعتبار أنّ الناشطين و"المؤمنين" بالمقاطعة وجدواها، يركزون أكثر على المنظمات الاجتماعية، والحركات الشعبية، والمؤسسات الجامعية الأكثر انفتاحاً. ويضاف إلى ذلك، التحدي الإعلامي الذي يغلق، بحجة التمويل، في وجه المعلّقين ناقدي دولة الاحتلال، وذلك بضغط واضح من قبل إدارات المؤسسات الإعلامية، على حدّ تعبيره.

بلومنثال المعروف باطلاعه الواسع على القضية الفلسطينية وتأييده حق الشعب الفلسطيني، يتحدث عن مقاربة الحركة الوطنية الفلسطينية والموقف من المقاطعة مقابل المواقف الإسرائيلية الشرسة في هذا الاتجاه، مع الأخذ بعين الاعتبار إشكالية الدعم العربي للمقاطعة، قائلاً إنّ "حركة التحرر الفلسطينية ليست مشاركة بشكل مباشر في حركة المقاطعة (BDS). فالأخيرة حركة شعبية تستند إلى القانون الدولي، ولو نجحت الحركة لما رأينا هذه المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قضم حقوقه. لذلك ترى اللوبي المؤيد لإسرائيل يقوم بكل ما يستطيع لضرب هذا العمل. كما أنّ المسألة المثيرة للانتباه، أن الشتات اليهودي يتم اختراقه من خلال الشباب، إذ يقوم أثرياء اليهود بدعوتهم وتمويل زيارة لهم إلى إسرائيل".






ويروي الكاتب ذاته تجربته الخاصة في هذا الشأن قائلاً: "عندما كنت شاباً تمت دعوتي إلى إسرائيل، ليس فقط بهدف تأييد إسرائيل، بل يلجؤون إلى شق التعرف على يهود آخرين وتشجيع التزاوج في ما بيننا. دعني أخبرك شيئاً، هناك مثلاً 300 ألف يهودي أميركي قاموا بتلك الرحلات، وهي نسبة كبيرة من الشباب إذا ما قورنت بأعدادهم. تلك مسألة لا يملكها الجانب الفلسطيني، على الأقل مالياً، عدا عن صعوبات الدخول إلى فلسطين وتحكم دولة الاحتلال أمنياً بإبعاد أي شخص يشعرون أنه آتٍ للتضامن مع القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك تقوم منظمات سلام أميركية بمثل تلك الرحلات إذ يتم التمويل ذاتياً". ويأمل بلومنثال أن "تكون هناك قدرات عربية، ليست حكومية، بل من منظمات مدنية وأثرياء عرب وعرب أميركيين، لتمويل والقيام بمثل هذه الرحلات على الأقل إلى مخيمات الفلسطينيين في الشتات".

من ناحيته، يؤكد مدير مركز دراسات الديمقراطية في جامعة رودوس وجوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، أستاذ العلوم السياسية، ستيفان فريدمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه المؤتمرات الأكاديمية مهمة للغاية في معرفة الإخفاقات والنجاحات في قضية المقاطعة. فتبادل الأفكار يمكن أن يؤدي إلى فعالية أكبر في كيفية أداء الدور، ومن المهم جداً أن يتم دعم الشعب الفلسطيني بشكل تصل فيه رسائلهم ورواياتهم".

وعن قضية الترابط والتشابه بين النضال ضد نظامي الأبرتهايد في جنوب أفريقيا سابقاً وفلسطين حالياً، يوضح فريدمان أن "النظامين يقومان على الاضطهاد العرقي. ففي جنوب أفريقيا كان السود مضطهدين. وفي فلسطين، يجري اضطهاد غير اليهود. التشابه واضح في الحالتين. لقد ناقشنا الأمر أكاديمياً، بالطبع هناك اختلاف في البلدين، لكن أخلاقياً لا يوجد اختلاف في الاضطهاد ووسائله".

ويلفت فريدمان إلى أنّه لم تكن هناك في الحقيقة مفاوضات من أجل حلّ الدولتين في السابق، "ربما هذا أمر مشوش بالنسبة إلى البعض. المفاوضات لا تجري إلا بين طرفين متساويين، ويتطلب الواقع الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وليس مجرد مناقشة ما يمكن وما لا يمكن لإسرائيل التدخل فيه بحياة الفلسطينيين. ما أعنيه هو إجبار إسرائيل على الاعتراف بفلسطين. كل ما يثار عن أن حركة المقاطعة معادية للسامية هو مجرد هراء، ولا تتجه الحركة سوى ضد سياسة دولة الاحتلال".

وعن الفرق بين حركة التحرر الفلسطينية وحركة تحرر جنوب أفريقيا، يقول الأستاذ الجامعي ذاته، إنّ "الحركة في جنوب أفريقيا لم تكن موحّدة، لكنها توحدت على مطلب المساواة في بلد واحد. هذا الأمر يختلف في فلسطين، إذ لا يوجد اتفاق فلسطيني داخلي. الدول الأفريقية في آسيا وأميركا اللاتينية دعمت مطالب الشعب الأفريقي ووصل الأمر إلى الأمم المتحدة لإلغاء نظام الفصل العنصري، وهو تحد آخر للحركة الفلسطينية التي تحتاج للاعتماد على الشعوب بدل الحكومات، إذ يمكن للشعوب الضغط أكثر"، وفقاً له.

من جانبه، يذهب المدير التنفيذي لمركز أفريقيا والشرق الأوسط في جنوب أفريقيا، الذي يعنى بقضايا الشرق الأوسط، نعيم جينا، إلى القول إن "مثل هذه المؤتمرات الأكاديمية مهمة لكل حركة مناضلة. فهذا الأمر يجمع أناساً لهم علاقة بمجموعات عمل تسعى إلى ذات الهدف الذي يناقش الإخفاقات والنجاحات والتقييم الذي لا بد منه". وعن النضال في جنوب أفريقيا وفلسطين، يرى جينا أن "الظروف التي عملت فيها حركة التحرر في جنوب أفريقيا تختلف عن الظروف الحالية، إذ كانت حركات التحرر في ذروتها في ذلك الوقت، وأتت بنتائج أكثر في أوروبا. الآن إذا نظرنا إلى أوروبا، فهي تتجه أكثر نحو العنصرية، والانغلاق، والإسلاموفوبيا. بشكل عام، المقاطعة هي استراتيجية جيدة وناجحة لكنها تحتاج لدعم سياسي فلسطيني كبير".

ويذكّر المدير التنفيذي بزيارة الرئيس الفلسطيني إلى جنوب أفريقيا حيث التقى بنظيره الجنوب أفريقي، جاكوب زوما، وقال الأخير إن "عباس لا يدعم حركة BDS"، وهذا يعني مشكلة كبيرة، وفقاً لجينا، مشيراً إلى أنّ "دولة متعاطفة مع القضية الفلسطينية يقول رئيسها لنا: هل تريدونني أن أذهب أبعد مما يريده رئيس السلطة الفلسطينية ذاته؟".

ويدعو جينا حركة التحرر الفلسطينية وكل الفصائل الفلسطينية إلى دعم المقاطعة، مطالباً الفلسطينيين بأن "يقدموا رؤية موحدة". ويرى أن صعوبات كثيرة تواجه الحملة الفلسطينية "بسبب عدم امتلاكها ذات المقومات الداعمة التي امتلكها السود في جنوب أفريقيا"، وهي الورقة التي ركز من خلالها جينا على الرؤية، التي يمكن للحركة الوطنية الفلسطينية أن تخرج بها للتوحد على مشروع واضح حول العالم.