شهد لبنان أسبوعاً حافلاً بالمواقف العنصرية والتمييز المختلف، طائفياً وجندرياً، على مستوى ثلاثة مسؤولين لبنانيين من الصف الأول.
وبدأت أزمة اللجوء السوري تتخّذ منحىً صعباً في كيفية تعامل الدولة معها، وذهاب القيادات اللبنانية إلى عملية مراكمة الخطابات العنصرية وتصوير اللاجئين كعنصر مهدّد للبنان، كما لو أنّ اللبنانيين يمثلون "نوعاً بشرياً" بات مهدداً بالانقراض بفعل اللجوء السوري والفلسطيني.
وطالب رئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، بوضع خريطة طريق لإعادة اللاجئين بشكل فوري إلى سورية، مؤكداً في قمة الأمم المتحدة للاجئين والنازحين المنعقدة في نيويورك، أنّ وضع خارطة الطريق يستوجب تحديد حاجات نقل اللاجئين وأماكن انطلاقهم باتجاه الأراضي السورية وإعداد تقارير تقديرية لكلفة هذا المشروع.
كما عبّر عن إلحاح لبناني رسمي ورغبة شديدة بالتخلّص من اللاجئين، وبأي ثمن، من دون أن يلحظ أنّ عودة السوريين إلى بلدهم تستوجب جملة من البديهيات السياسية والاجتماعية، أولها وقف الحرب في سورية أو تأمين مناطق آمنة للاجئين.
وبحثاً عن المزيد من المال الدولي بحجة ملف اللجوء السوري، لم يتردّد سلام في تقديم الدولة اللبنانية بصورة القوّة الإنسانية الخارقة مستعيناً بعبارة "غير مسبوق" كلازمة ترافقت مع وصف ما تقوم به السلطات اللبنانية للاهتمام بالمهجّرين من سورية.
واعتبر أنّ "ما فعله اللبنانيون باستضافة مليون ونصف مليون نازح سوري عمل غير مسبوق. وما فعله اللبنانيون بإنفاق خمسة عشر مليار دولار لا يملكونها في غضون ثلاث سنوات لإغاثة اللاجئين هو أيضاً عمل غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون عبر حفظ الاستقرار والانتظام العام والأمن بوسائل ضعيفة هو عمل غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون لتأمين التعليم لأكبر عدد ممكن من أولاد النازحين السوريين غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون الذين حرموا أحيانا أسرّة في المستشفيات بسبب إشغالها من قبل النازحين السوريين غير مسبوق". مع العلم أنّ الدولة اللبنانية أطلقت مشروع التعليم المجاني في المدارس الرسمية لكل التلامذة، اللبنانيين وغير اللبنانيين، بناءً على تمويل خاص باللاجئين السوريين.
كما أنّ مشاكل القطاع الطبي والاستشفائي في لبنان تعود عوداً إلى الوراء بفعل غياب السياسيات الرسمية الواضحة في هذا القطاع واعتراف جميع المكوّنات المتعاقبة على السلطة بالفساد الحاصل في هذا المجال.
أما في ما يخص المحافظة على الأمن والاستقرار، فلا تزال التجاوزات التي تقوم بها السلطات المحلية والأمنية بحق اللاجئين موثّقة، اذ اعتقلت القوى الأمنية ما يزيد عن 700 لاجئ إثر مداهمات تبعت حادث تفجير في منطقة القاع (شرقي لبنان)، أو حتى توقيف العشرات من السوريين في بلدات لبنانية مختلفة بأساليب مهينة وغير إنسانية.
وأتت مواقف سلام منسجمة تماماً مع الحملات السياسية المتتالية التي تعاملت بكثير من العنصرية مع ملف اللجوء السوري، والتي كان آخرها الخطة التي أعلن عنها وزير العمل اللبناني سجعان قزي بشأن "إعادة مليون ومئتين وخمسين ألف نازح سوري خلال عامين".
والحل من وجهة نظر قزي، يقتضي أولاً تقسيم اللاجئين إلى أربع فئات: مناصري النظام السوري، مناصري المعارضة السورية، المحايدين والمهاجرين.
وتنصّ الخطة على إيجاد "مناطق نائية وآمنة نسبياً" عند النظام والمعارضة وبدء بناء الوحدات السكنية بدعم "من الدول العربية التي لم تستضف النازحين والدول المانحة على أن يبدؤوا رصد أموال هذه الميزانية حتى 2017 موعد المشروع التنفيذي لعودة النازحين إلى بلدهم". على أن يبدأ "مشروع العودة" أولاً بإعادة اللاجئين الذين لا تنطبق عليهم صفة النزوح الاضطراري الى مختلف المناطق السورية حسب خيار كل نازح أو عائلة نازحة"، وثم "النازحين الذين يعيشون بظروف صعبة" ومن بعدها "إعادة اللاجئين المسجلين لدى المفوضية العليا التابعة للأمم المتحدة".
وكان يمكن لهذا المشروع، ولو أنه يتعامل مع أزمة اللجوء بكثير من الخفة، أن يكون قابلاً للنقاش لولا بعض العبارات التي استخدمها الوزير قزي، ومنها أنّ "الشعب اللبناني، بات مثل الشعبين الفلسطيني والسوري، يبحث هو عن أرضه وكيانه واستقلاله واستقراره"، أو أنّ "الكيان اللبناني بخطر، إذ ما هو أهم من الحدود الدولية هي الهوية الوطنية". كما حمّل أيضاً الشعب السوري الذي ترك أرضه مسؤولية سيطرة "التنظيمات التكفيرية على سورية"، مشيراً إلى أنّ "تنظيمات مثل القاعدة وداعش والنصرة وكل التكفيريين لم تسيطر على الوضع السياسي والميداني إلا بعدما ترك الشعب السوري بلاده".
أما وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، فاختار مقارعة سلام وقزي من باب آخر، وهو جمع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في سلّة واحدة، إذ أكد موافقته على إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لعائلتها "باستثناء حاملي الجنسيتين الفلسطينية والسورية، لأنّ بلدنا سيصبح فارغاً من اللبنانيين". وأضاف: "الأمر مرتبط ببقاء لبنان، ولا أعطي الجنسية لـ400 ألف فلسطيني وللمحافظة على لبنان لا بد من استثناءات".
واستكمل باسيل استثناءاته العنصرية مؤكداً على رفضه "إدماج النازحين السوريين في لبنان، والمجتمع الدولي مصر عل تهديد لبنانيتنا ووطننا". فذكّر باسيل المجتمع العنصري اللبناني بأنه يتم تناسي التعامل بفائق العنصرية مع اللاجئين السوريين، على حساب الفلسطينيين. فالتمييز لا يجوز بين لاجئ وآخر، وعلى كل لاجئ في لبنان، أن ينال نصيبه من البطش العنصري.
حملات التخويف من الوجود الفلسطيني والسوري في لبنان، وإظهار هذا الوجود كشبح يهدّد الصيغة اللبنانية والبحث عن التوطين فيه، يأتي على الرغم من واقع مزرٍ في شتى المجالات يعيشه اللاجئون السوريون.
ويظهر التقرير السنوي الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ في لبنان 1.03 مليون لاجئ سوري مسجّلين لديها، يعيش 70 في المئة منهم تحت خطّ الفقر، و34 في المئة من هؤلاء يعانون من انعدام الأمن الغذائي (23 في المئة عام 2015)، ويقيم 41 في المئة منهم في "مساكن هشة" مثل الخيمات العشوائية ومرائب السيارات والمخازن والحظائر والمواقع الصناعية أو الأبنية غير المنتهية.
ويأتي هذا التقرير السنوي لتوثيق سوء أحوال اللاجئين السوريين في لبنان، والواقع المزري الذي يعيشونه في ظلّ عجز المجتمع الدولي والسلطة اللبنانية عن تأمين حاجاتهم البديهية من مأوى وطعام وكسوة، إضافة إلى الحقوق الملحّة الأخرى كالطبابة والتعليم وغيرها. وعلى الرغم من هذا الواقع، لم يتردّد مسؤولون رسميون لبنانيون في مقاربة ملف اللجوء السوري من باب عنصري بحت، حتى إنّ بعض هؤلاء باتوا في مجالسهم يتهكّمون على اتّهامهم بالعنصرية وممارسة التمييز متسلّحين بما يصفونه بـ"الهوية اللبنانية التي يراد تدميرها من خلال لاجئين ونازحين"، بحسب ما يقول أحد الوزراء اللبنانيين في جلسة خاصة.
وعلى الرغم من أنّ واقع اللجوء السوري يقول إنّ المأساة في طريقها إلى التفاقم خلال الشتاء القادم، يصرّ عدد من المسؤولين اللبنانيين على رفض معالجة أزمة اللجوء من باب التهويل ببقاء اللاجئين في لبنان. فيمسكون بورقة التخويف من "التوطين" لتبرير مواقفهم وممارستهم العنصرية وعجزهم السياسي والرسمي في متابعة هذا الملف. أما المنساقون وراء هذه الحجة، فلم يتكبدوا حتى عناء السؤال عن أي سبب قد يدفع أكثر من مليون لاجئ للبقاء في لبنان في ظلّ ظروف مماثلة.