ما زالت قضية الهبة المالية التي تبرع بها رئيس إقليم "بروفانس ألب - كوت دازور" وأحد أبرز قادة المعارضة اليمينية، كريستيان إستروزي، لجمعية استيطانية صهيونية خلال زيارته على رأس وفد من نواب حزب "الجمهوريون" لدولة الاحتلال الإسرائيلي في عيد الميلاد تتفاعل في الساحة السياسية الفرنسية وتتعرض لانتقادات شديدة.
وأثار إستروزي ضجة كبيرة خلال زيارته في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إسرائيل لدعم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، غداة تصويت مجلس الأمن الدولي على قرار يطالب إسرائيل بوقف سياسة الاستيطان، والتي اعتبرها "هجوما خطيرا على الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".
وبعد لقائه نتنياهو، جدد إستروزي "دعمه المطلق" لدولة الاحتلال، وأكد أنه "يتقاسم الرؤية الإسرائيلية نفسها بخصوص مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي". كما التقى رئيس بلدية نيس السابق العديد من رؤساء البلديات الإسرائيلية، وتباحث معهم بشأن مشاريع للتعاون المشترك مع مدينة نيس.
وخلال هذه الزيارة، أعلن إستروزي عن تبرعه بمبلغ 50 ألف يورو كهبة لجمعية استيطانية مقربة من الحكومة الإسرائيلية تدعى "KKL" (الاعتمادات القومية اليهودية)، وتنشط بقوة في القدس الشرقية وهضبة الجولان المحتلتين. وحسب "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام"، فإن هذه الجمعية "معروفة بنشاطها من أجل دعم الحركة الاستيطانية، تحت قناع العمل من أجل الحفاظ على البيئة. ولها دور مهم في حركة التهجير والطرد الحالية في شمال صحراء النقب ضد آلاف البدو الفلسطينيين".
وتعالت عدة أصوات فرنسية للتنديد بهذه الزيارة المخالفة للتوجه الرسمي الفرنسي، المناهض لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، مع العلم أن باريس صوتت لصالح قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوضع حد لسياسة الاستيطان الاسرائيلي في القدس والضفة الغربية المحتلتين.
ونشر المحتجون عريضة مفتوحة لتواقيع مواطني الإقليم فاقت 10 آلاف توقيع، يطالبون فيها إستروزي بتقديم تبريرات مقنعة لتقديمه الهبة المالية المذكورة للجمعية الاستيطانية اليهودية، في سياق تعرف فيه ميزانية الإقليم سياسة تقشف صارمة وتقليصا كبيرا في الاعتمادات المخصصة للجمعيات المدنية والإنسانية.
وبادر رئيس الفريق الاشتراكي في مجلس إقليم "بروفانس ألب - كوت دازور"، النائب البرلماني كريستوف كاستانير، إلى إدانة زيارة إستروزي بشدة واعتبرها "زيارة زبونية محضة، مع العلم أن إقليم نيس هو من يدفع تكاليف هذه الزيارة، وهو يورط الإقليم في عملية شراء أصوات أصدقاء إسرائيل".
وأكد في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، أن تبرع إستروزي بأموال دافعي الضرائب الفرنسيين في إقليم نيس هو "فضيحة سياسية". ورأى كاستانير أن إستروزي تجاوز الأعراف الدبلوماسية حين "أنكر وجود فلسطين، مخالفا بذلك الموقف الفرنسي الذي ينادي بحل الدولتين" ووقف الاستيطان.
بدوره، انتقد زعيم المعارضة الاشتراكية في بلدية نيس، باتريك ألمان، زيارة إستروزي، مؤكداً أن "لا شيء على الإطلاق يبرر زيارته لإسرائيل من أجل دعم نتنياهو على حساب دافعي الضرائب". كما تساءل الأمين العام للحزب الاشتراكي في منطقة "ليزالب ماريتيم"، كسافي غارسيا، قائلا "بأي صفة يذهب الرئيس المنتخب للإقليم إلى إسرائيل من أجل مساندة سياسة دولة أجنبية يدينها مجلس الأمن الدولي؟".
ورد المقربون من إستروزي على هذه الانتقادات، معتبرين أن الزيارة كانت مبرمجة قبل قرار مجلس الأمن الدولي، وأنها "تدخل في نطاق التعاون الاقتصادي بين فرنسا وإسرائيل". كما شددوا على أن الهبة المالية التي تم تقديمها للجمعية الإسرائيلية هي "دعم لمشروع تشجير المنطقة التي عانت من الحرائق الأخيرة، التي ضربت إسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحوالي 5 آلاف شجرة ورغبة الجمعية في زرع 86 شجرة مخصصة لذكرى ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي ضرب مدينة نيس في 14 يوليو/ تموز الماضي".
كما شدد المقربون من إستروزي على أن "زوجة الأخير رافقت الوفد على حسابها الخاص، وأن الزوجين مددا زيارتهما لإسرائيل، حتى أمس الأحد، على حسابهما الخاص".
وللإشارة، فإن إستروزي معروف بدعمه المطلق لإسرائيل، وكان قد أثار جدلا عام 2009 عندما فرض وضع صورة كبيرة للجندي الإسرائيلي الذي أسرته حركة "حماس"، جلعاد شاليط، في مدخل بناية البلدية التي كان يرأسها آنذاك.
كما عرف عنه مطالبته وزارة الداخلية بمنع كل المظاهرات الداعمة لحقوق الفلسطينيين في المدينة. كما أنه يعارض بشدة حملة المقاطعة الدولية للبضائع الإسرائيلية ويزور بشكل منتظم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويدعم الجمعيات الصهيونية الناشطة في الإقليم تحت سلطته، مقابل تهميش متعمد ومعلن للجمعيات الإسلامية. واشتهر أيضا بمعارضته الشديدة لمشروع بناء مسجد في المدينة.
ويواجه إستروزي معارضة شديدة في منطقته الانتخابية، علما بأنه تمكن من الفوز برئاسة الإقليم بفضل أصوات المعارضة اليسارية في انتخابات مجالس الأقاليم السابقة في ديسمبر/ كانون الأول 2015.
وبعد هزيمة المرشح الاشتراكي في الدور الأول، بقي إستروزي في مواجهة مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، ماريشال مارين لوبان، ما جعله يستفيد من أصوات ناخبي اليسار لقطع الطريق على لوبان التي دانت حينها هذا التحالف، معتبرة أن "هناك انتصارات مخزية تجلب العار للمنتصرين".