يستمر البرلمان التركي في الجولة الثانية من التصويت على التعديلات الدستورية التي ستتيح التحوّل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وسط عودة الحديث عن إمكانية قيام حكومة تركية جديدة يكون لحزب "الحركة القومية"، ولأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً، حصة فيها، في إطار اتفاق سري مع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم.
وكانت التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، قبل أيام، قد أعادت فتح موضوع مشاركة "الحركة القومية" في الحكومة التركية، سواء في المرحلة الانتقالية التي سيتم فيها تحويل التعديلات الدستورية إلى استفتاء شعبي، أو بعد إقرار النظام الرئاسي ودخوله حيز التنفيذ عقب انتخابات 2019. وأثناء المقابلة التي أجراها مع قناة "فوكس تي في"، قال يلدريم إنه "بالتأكيد سيستفيد حزب الحركة القومية من العملية، وفي مرحلة النظام الرئاسي من الممكن أن يتم تعيين وزراء قريبين (منها)، أو حتى من الحركة القومية"، مضيفاً أنه "في النهاية تجري السياسية بحسب توازنات المجتمع".
وحول خلفية تصريحات يلدريم الأخيرة، ذكر أحد نواب "الحركة القومية" في البرلمان التركي، طالباً عدم كشف اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الحركة لم تتوافق مع "العدالة والتنمية" حول التعديلات الدستورية لأجل الحصول على مناصب في الحكومة". وشدد على أن السبب الرئيس لتحركات قيادات الحركة يكمن برغبتها في الحفاظ على استقرار الدولة ووحدة وتضامن الأمة التركية. وقال النائب إن "التعديلات الدستورية السابقة، والتي أتاحت انتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر، ولّدت خللاً في نظام الحكم، قد يفتح باب التنافس بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في وقت لاحق". وأضاف أنه "لتلافي عدم الاستقرار السياسي في المستقبل، كان لا بد من تشريع الأمر الواقع، وفي سبيل ذلك تم التوافق على تعديلات دستورية جديدة"، وفق تأكيده.
لكن النائب لفت إلى أن "تمرير هذه التعديلات في الاستفتاء الشعبي يتطلّب تضافر جهود الحزبين (الحركة القومية والعدالة والتنمية)، الأمر الذي يستدعي تكوين حكومة ائتلافية بينهما"، بحسب قوله. وتابع أن حكومة كهذه تهدف "أولاً لإدارة الحملة لحث المواطنين على الموافقة على التعديلات، وثانياً إدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية لحين انتخابات عام 2019". وذكر أن "انهيار عملية السلام مع (حزب العمال) الكردستاني أدى تقريباً لإذابة جميع الخلافات في الكتلة اليمينية التركية، وبالتالي يبدو تشكيل الحكومة الائتلافية مسألة وقت لا أكثر". وفي ما يتعلق بتفاصيل المفاوضات بشأن احتمال قيام ائتلاف حكومي جديد، أكد أن أحداً "لا يعرفها إلا زعيم الحركة القومية، دولت بهجلي، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، وبضعة أشخاص آخرين"، بحسب تعبيره.
وخلص النائب إلى أن "تركيا مرت وتمر بفترة حرجة للغاية في تاريخها، وتتلقى الهجمات من كل حدب وصوب، وللحفاظ على الاستقرار لا بد من تشكيل حكومة واسعة، وكان من الممكن أن يكون لحزب الشعب الجمهوري دور فيها، لكنه تراجع عن روح الوحدة التي حلت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، مما أبقاه خارج الحسابات"، وفق تعبير النائب التركي.
وعلم "العربي الجديد" أن الحديث في الأروقة الضيقة يدور حول إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، يتولى بموجبها الأخير أحد مناصب نائب رئيس الوزراء وست وزارات، بما يشبه تثبيت النظام الرئاسي دون الانتظار لانتخابات 2019، الأمر الذي نظر إليه بعض نواب "العدالة والتنمية" باعتباره مبالغاً فيه. وأكد أحد النواب لـ"العربي الجديد" أن "أمر تعيين نائب لرئيس الوزراء عن الحركة القومية أمر شبه مؤكد، خاصة بعد تجربتنا مع منتسبي الحركة القومية وبالذات بعد انضمام (القيادي المنشق عن الحركة)، طوغرول توركيش، وسيكون ضمن الحكومة التي ستدير شؤون البلاد حتى انتخابات 2019"، كما قال النائب، لافتاً إلى أن "الحديث عن الوزارات الست مبالغ فيه، ولا يتناسب مع عدد مقاعد الحركة القومية في البرلمان"، بحسب قوله. وتوركيش هو ابن مؤسس حزب "الحركة القومية" لكنه انشق عن الحركة بعد رفض بهجلي المشاركة في الحكومة الائتلافية التي تلت انتخابات يونيو/حزيران 2015، ولا يزال يشغل منصب نائب رئيس الوزراء. وتأتي تصريحات يلدريم لتفتح الحديث أيضاً عن إمكانية عودة توركيش إلى "الحركة القومية" في إطار مصالحة مع بهجلي، تمكنه من الحفاظ على منصبه في الحكومة ولكن كممثل عن "الحركة القومية".
في المقابل، نفى زعيم هذه الحركة، بهجلي، هذه المعلومات جملة تفصيلاً، مشدداً على أن حزبه لم يكن أبداً في موقف المفاوض للحصول على مكاسب في الحكومة أثناء التوافق على التعديلات الدستورية. لكن مراقبين يؤكدون على أن هذا النفي لا يختلف عن طريقة بهجلي في التمهيد للأمور والتحولات التي ينوي فعلها، تماماً كما فعل عند بدء المباحثات مع "العدالة والتنمية" في سبيل تمرير التعديلات الدستورية. وبعدما أكد أنه سيمرر هذه التعديلات وسيدير حملة رافضة لها في الاستفتاء الشعبي، عاد وعدل موقفه داعياً الجميع للتصويت بنعم سواء في البرلمان أو في الاستفتاء.
وتشير الأحاديث المتداولة في أنقرة إلى أن الأمر يتجاوز الحصول على حقائب وزراية، بل إن الاتفاق يهدف أيضاً إلى أن يحصل القوميون من أنصار "الحركة القومية" على الوظائف الشاغرة في مؤسسات الدولة التي أفرغت بعد الحملة التي شنتها الحكومة على كوادر حركة "الخدمة" بزعامة الداعية، فتح الله غولن، المتهم الأول بإدارة المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي.
إلى ذلك، تستمر جولات التصويت على مواد التعديلات الدستورية، على الرغم من محاولات المعارضين لها عرقلة التصويت أو تأخيره. وحصلت، أمس الجمعة واشتباكات بالأيدي بين عدد من النواب، لتكون الحادثة الثالثة من نوعها منذ بد مناقشات التعديلات الدستورية المقترحة.