المفترض أن يكون تنصيب رئاسة دونالد ترامب لأميركا، الجمعة، هو الحدث التاريخي، لكن الرد الذي شهدته واشنطن ومدن أخرى، السبت، على تنصيبه، خطف وهج المناسبة وصار هو الحدث.
فما عدا مراسم قسم اليمين، وما رافقها من مظاهر احتفالية، لم يبق من عملية انتقال الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض سوى صورة باهتة.
الحضور كان أدنى بكثير، وأقل من نصف الجمهور الذي شارك في تنصيب رئاسة أوباما، وكأن أميركا نادمة على انتخابه.
وينعكس ذلك في تدني مقبوليته التي هبطت إلى أقل من 40 في المائة، فضلا عن أن خطابه بعد حلف اليمين الدستورية لم يلق الاستحسان. تكرار للوعود الانتخابية، إما الاستهلاكية وإما المفخخة.
وقبل مرور 24 ساعة على رئاسته، اجتاحت واشنطن تظاهرة نسائية فاق حجمها (حوالى نصف مليون) جمهور التنصيب. رافقت ذلك تظاهرات اعتراض في كبريات المدن الأميركية، ومنها مدينته نيويورك، جمعت حوالى مليوني متظاهر. وزاد من وزن هذا الحراك أنه واكبته تظاهرات صاخبة ضد رئاسته في عواصم خارجية.
هذا المشهد أربك خندق ترامب. فأن تتدفق تعبيرات الرفض بهذا الحجم وهذه السرعة، في أعقاب بداية كانت كل شيء إلا لامعة؛ مسألة منغّصة، لا سيما وأن ما جرى كان على درجة كبيرة من التنظيم والالتزام بمواصلة "المقاومة" ضد ترامب، وتعبيراً غير مألوف في التعامل السياسي الأميركي، وكأن هناك صحوة تفجرت بعد الانتخابات وتسودها أجواء قريبة من الانتفاضة.
ومثل هذا التحرك العارم تؤججه محاولات جارية في الكونغرس، وبدعم من ترامب، لشطب برامج تستفيد منها قطاعات اجتماعية واسعة، على رأسها قانون التأمين الصحي.
تفاقم من شأنه أن يمد الساحة الناقمة بالمزيد من الذخيرة لتصعيد التحرك، الذي يبدو أن مناخاته ساخنة بما فيه الكفاية، بل هي مفتوحة على المزيد من التسخين. فأميركا يزداد انقسامها السياسي كما لم تعرفه منذ عقود. والفريق المحافظ في الكونغرس قادم بأجندة انقلابية انتقامية، ومن غير استعداد على المساومة.
والخشية لدى أوساط عديدة من أن رئاسة ترامب التي صارت أمراً واقعاً لا فكاك منه؛ تتجه نحو صبّ الزيت على نار الانقسام. فهي فئوية بالرغم من زعمها المغاير. وعد الرئيس في خطبة التنصيب بأنه سيحول السلطة إلى الشعب أقرب إلى المزحة.
يضاف إلى ذلك أنها محاطة بعلامات استفهام كثيرة. السحابة الروسية التي تحوم فوقها لم تنقشع بعد، ولا تخلو من الخطر. والغيوم الأخرى ليست أقل كثافة.
جمع الرئيس بين منصبه ومصالحه التي سلّم إدارتها لأولاده عملية مفتوحة على المزيد من الشكوك، وبما يرفع من وتيرة التأزم والرفض.
تعيين صهره كمستشار رئيسي في البيت الأبيض أخذ اليوم إجازة مرور من وزارة العدل. ردة الفعل كانت سلبية رغم أن حيثيات الوزارة قانونية. تعيينه فقط لأنه زوج ابنة الرئيس زاد من التأفف وعزز الاعتقاد بأن ترامب يعتبر نفسه مواطنا فوق العادة، أعطى نفسه امتيازات كثيرة، وبما يجعله فوق الأصول المرعية. وكلها مرت بدون مساءلة.
مع ذلك على أميركا والعالم العيش مع رئاسة ترامب لأربع سنوات. رحلة طويلة ومضطربة. ولا خيار غير شدّ الأحزمة.