على وقع تراشق إعلامي عنيف، تنعقد مساء اليوم الأربعاء مناظرة تلفزيونية حاسمة، هي الأخيرة قبل الجولة الثانية للانتخابات التمهيدية في الحزب الاشتراكي، بين المرشحَين مانويل فالس، وبونوا هامون التي تنظم الأحد المقبل.
ويشن رئيس الوزراء الأسبق مانويل فالس هجوماً عنيفاً على منافسه وزير التعليم الأسبق بونوا هامون، منذ أن خلق هذا الأخير المفاجأة وحل أولا في الجولة الأولى من الانتخابات الأحد الماضي بنسبة 36 في المائة، وبفارق 5 نقاط عن فالس.
وبات هامون حسابياً المرشح الأوفر حظا للفوز الأحد، بعد أن أعلن أرنو مونتبورغ الذي حل في المرتبة الثالثة بنسبة 17,69 في المائة دعمه لهامون، ودعا مناصريه إلى التصويت لصالحه في الدورة الثانية، كما أن الأمينة العامة السابقة للحزب مارتين أوبري، التي تتزعم تيارا قويا داخل "الاشتراكي" دعت هي الأخرى إلى التصويت لصالح هامون. وقد رفض المرشح الرابع وزير التربية الأسبق فانسون بيون الذي حصل على 7 في المائة دعم فالس.
ويجد فالس نفسه في موقع ضعف شديد، ما جعله -حسب متتبعين- يكاد يفقد صوابه، ومن هنا لجأ إلى استعمال كل الأسلحة المتوفرة ضد غريمه في وسائل الإعلام والتجمعات الانتخابية بأسلوب "متعصب" واستفزازي، يكاد يشبه أسلوب الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي.
وقام فالس بإشهار فزاعة "الإسلام" لإضعاف هامون، واتهمه بالتعاطف مع الإسلاميين المتشددين، وعدم وضوح مواقفه بخصوص النظام العلماني الفرنسي، ملمّحاً إلى أنه نجح في الانتخابات البرلمانية بفضل أصوات الجالية المسلمة. وتكفل بهذه المهمة عدة شخصيات من معسكر فالس؛ على رأسهم النائب الاشتراكي من أصول جزائرية مالك بوتيح، الذي اتهم هامون بالتواطؤ مع "تيار يساري إسلامي".
وأشار إلى تصريحات كان أدلى بها هامون سابقا في جدل حول عدم السماح للنساء بارتياد المقاهي في الضواحي الشعبية ذات الغالبية المسلمة، وكان هامون وقتها قد رفض التهويل الإعلامي الذي تسبب فيه برنامج وثائقي، يتحدث عن منع النساء والفتيات من ولوج المقاهي في الأحياء ذات الغالبية المسلمة.
واستعمل معسكر فالس المعروف بتأييده للسياسة الصهيونية ورقة اللوبي اليهودي، وركز على دعم هامون للاعتراف بدولة فلسطين في حال انتخابه رئيسا كرد من الدولة الفرنسية على مواصلة سياسة الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإفشالها لجهود السلام الفرنسية.
وكان هامون قد انتقد فالس بشدة خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، واتهمه بالانصياع لابتزازها، ودعاه للاعتراف بدولة فلسطين كرد على الانتهاكات الإسرائيلية وعرقلتها لمؤتمر باريس.
ورد هامون على هجمات فالس، وأكد تشبثه بالعلمانية كمبدأ أساسي للدولة، داعيا لاستعمال مرن وذكي للعلمانية، وعدم استخدامها سلاحا لمواجهة المعتقدات الدينية. كما استنكر المزايدات السياسية التي ينتهجها فالس حول الإسلام، مقلدا أطروحات اليمين المحافظ واليمين المتطرف. واعتبر معسكر هامون أن الهجمات الشرسة التي يشنها فالس، هي تعبير عن عدم قدرته على الدفاع عن حصيلة أدائه الحكومي السلبي، وشعبيته المتدهورة جراء سياسته الاجتماعية، وإقراره لقوانين وإصلاحات مناقضة لمبادئ الاشتراكيين.
كما أن هامون كرر رفضه لحالة الطوارئ المتواصلة في البلاد، واتهم فالس باستعمال ورقة التهديدات الإرهابية من أجل تعزيز نظام بوليسي، والتشجيع على انتهاك الحريات الفردية، وخلق حالة من الرعب في أوساط الفرنسيين. وشدد هامون على تشبثه بالقيم اليسارية، والتضامن الاجتماعي، والدفاع عن البيئة، و"راتب عام" لجميع الفرنسيين بالتساوي.
وتعكس المنافسة بين هامون وفالس في الجولة الثانية معركة حامية الوطيس في الحزب الاشتراكي بين تيار حكومي ليبرالي يمثله فالس ذو الأفكار الإصلاحية، وتيار يساري يتشبث بقيم العدالة الاجتماعية، والدفاع عن الثوابت التاريخية للاشتراكي. ومن المتوقع أن تشهد المناظرة التلفزيونية المباشرة سجالاً حامياً، بالنظر إلى الاختلافات الأيديولوجية العميقة بين الرجلين، والصراع الشخصي بينهما، الذي دفع بفالس إلى طرد هامون من الحكومة الاشتراكية في آب/أغسطس 2014.
وبغض النظر عن الفائز في الجولة الثانية، فإن هذه التمهيديات كرست انشقاقا كبيرا في الاشتراكي، وردمت إمكانية التعايش بين تيارين متناقضين، حتى أن كلا من هامون وفالس قد لا يدعو إلى دعم الآخر بعد إعلان النتيجة النهائية الأحد القادم.