مع اقتراب حلول ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في مصر، ارتفع منسوب الأحاديث في أروقة الوزارات وأجهزة نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن احتمال إجراء تعديل وزاري جزئي أو شامل عقب هذه المناسبة، وذلك بعدما ذكر مسؤولون حكوميون أنه "لن تحدث تعديلات حكومية قبل هذه الذكرى"، ما يعني قيام احتمال إجراء التعديل بعد مرورها بسلام على النظام.
في هذ السياق، انتشرت معلومات عن سوء الحالة الصحية لرئيس الوزراء شريف إسماعيل، فضلاً عن بروز مؤشرات عدم رضا السيسي عن أدائه، تُرجم بعقد الأخير اجتماعات مع الوزراء سواء على انفراد أو في حضور رئيس الحكومة. كما استمر تدخل السيسي بالتعليمات والملاحظات في كل صغيرة وكبيرة، بما في ذلك الملفات التي كان قد أوكلها لإسماعيل، كالتعامل الرسمي مع البرلمان وإعداد مشاريع القوانين الخاصة بالاستثمار بالإضافة لمواضيع الطاقة، التي تعتبر اختصاصه الأساسي كوزير سابق للبترول قضى حياته الوظيفية كلها في مناصب الهيئة العامة للبترول.
وأوضح المصدر أن "الفترة الماضية من حكم السيسي، كشفت بما لا يدع مجالاً لشكوك الموظفين الحكوميين، بأن الدائرة المحيطة بالسيسي هي المسيطرة على أروقة الحكومة في الأساس، من خلال الاعتماد على الشخصيات الموثوقة، التي تنتمي في معظمها إلى الخلفية العسكرية سواء بعملها في الجيش أو هيئة الرقابة الإدارية، في مناصب بارزة في كل وزارة، حتى الوزارات الخدمية، والتحكم من خلالها في أداء الوزراء، بل ومراقبتهم".
واعتبر أن "أسلوب تعامل السيسي مع الوزراء قلل من أهمية المنصب الوزاري وكذلك منصب رئيس الحكومة في عهده، فكل وزير يلتقي السيسي يعلم أن كل حركاته مرصودة وتصل إليه أولاً بأول. كما لا يستطيع أحد الوزراء أن يضع سياساته من دون مباركة السيسي نفسه، فتحولت بالتالي مسألة تغيير الوزراء والتعديلات الوزارية إلى إجراء روتيني، بعدما كان نادر الحدوث في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولم يعد أي وزير يعرف لماذا ترك منصبه أو لماذا تم اختياره، خصوصاً أن الاختيار أصبح حصرياً بيد الدائرة الاستخباراتية - الرقابية التي يديرها اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي".
وفي سياق متصل، روى مصدر في وزارة التخطيط أن "قيادات العمل الحكومي كانوا يتوقعون أن يترك السيسي الملفات النوعية لكل وزير مختص بمرور الوقت، وأن يفتر اهتمامه الشديد بالتفاصيل حتى في المواضيع البعيدة عن اهتماماته، إلّا أن هذا لم يحدث، بل إن جميع الوزراء أصبحوا يدورون في فلك التعليمات المباشرة من السيسي أو المؤشرات التي يرسلها المحسوبون على دائرته فقط، ما أصاب العمل الحكومي بالنمطية والرتابة".
وأضاف المصدر أن "توسع السيسي في الاعتماد على الجيش في المشاريع تخطيطاً وتنفيذاً، وضم ممثلين لوزارة الدفاع في العديد من لجان وضع الخطط الاقتصادية والاستثمارية وكذلك التشريع، أدى إلى افتقار الوزراء والقيادات الحكومية المدنية إلى عنصر المبادرة، فأصبح بينهم وبين الإنجاز حائل نفسي نتيجة تضاؤل مساحات تحركهم، وضعف سلطاتهم بالنسبة للجيش من ناحية وللدائرة المحيطة بالسيسي من ناحية أخرى". ووصف المصدر هذا الواقع بقوله "الوزراء تحولوا إلى سكرتارية في الآونة الأخيرة، وحتى من يتمتعون بمساحات تحرك واسعة نظراً لارتباطهم بملفات معقدة ودقيقة، فلا يستطيعون التحرك إلا بضوء أخضر من السيسي أو مساعديه ومستشاريه أو مدير مكتبه".
بدوره، أشار مصدر حكومي في وزارة الإسكان إلى أن "صورة المسؤول المقاول هي الأقرب لرئيس الوزراء المنشود لدى السيسي. مسؤول يتحرك كثيراً ويجتهد لتنفيذ تعليماته دون إبداع"، مشدّداً على أن "محلب كان نموذجياً في هذه النقطة". وكشف المصدر أنه "عمل مع محلب طوال ست سنوات، منذ كان في شركة المقاولون العرب، لكن الوضع الحالي لا يسمح بتكرار نموذج محلب، لأن الأولويات مختلفة، وخصوصاً أن المشاريع الكبرى تم نقل اختصاص متابعتها من الحكومة إلى الجيش".
وعلى ضوء ما سبق، رجّحت مصادر أن "يكون رئيس الوزراء العتيد، في حالة تغيير شريف إسماعيل، مدنياً ومن الحكومة الحالية، وليس عسكرياً"، مشيرة إلى أن "تولي شخصية عسكرية رئاسة الوزراء ستمنحها مساحة أكبر للتحرك وتطوير العلاقة مع الجيش، وهو أمر غير مستحب للسيسي، فهو يريد أن يكون وحده همزة الوصل بين كل مؤسسات الدولة".
وأكدت المصادر أن "هناك شخصيتين أساسيتين مؤهلتين وتساندهما بعض الدوائر لتولي منصب رئيس الوزراء بعد شريف إسماعيل، سواء كان التعديل الوزاري وشيكاً أو مؤجلاً لما بعد اتخاذ خطوة أو خطوتين أخريين ضمن إجراءات الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، كزيادة جديدة في أسعار الوقود وتخفيض جديد للدعم، أو زيادة جديدة في أسعار الكهرباء والمياه، وهو أمر مرجح خلال النصف الأول من العام الحالي".
والشخصية الأولى هي وزير التنمية المحلية أحمد زكي بدر، المدعوم من بعض المقرّبين من السيسي، مثل مدير هيئة المصانع الحربية الفريق عبد العزيز سيف الدين، الذي كان مرشحاً ليكون رئيساً للوزراء قبل شريف إسماعيل، لكن السيسي يرغب في إقحامه خلال الفترة المتبقية من مدته الرئاسية الأولى، التي ستشهد انتخابات محليات للمرة الأولى بعد خلع الرئيس حسني مبارك.
واستبعدت المصادر وصول شخصية عسكرية لهذا المنصب، حتى وإن كانت بحجم رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، أو وزير الإنتاج الحربي اللواء محمد العصار، مؤكدة أن "السيسي لا يرغب في تصعيد شخصيات عسكرية كثيرة لتصبح بجانبه، ما قد يؤثر على شعبيته بالسلب، كما يريد أن ينأى بالمسؤولين المنتمين للمؤسسة العسكرية عن الهجوم الشعبي والإعلامي، وأن يتركز الهجوم فقط على شخصيات مدنية، يسهل إزاحتها في أي وقت".