نقلت بغداد أزمة استفتاء الانفصال الكردي من التصعيد السياسي والاقتصادي، عبر العقوبات التي فرضتها على الإقليم، إلى مرحلة التصعيد العسكري، أمس الجمعة، بعد تقدم القوات العراقية المشتركة ومليشيات "الحشد الشعبي" إلى مناطق خاضعة لسيطرة قوات البشمركة في محيط كركوك، مثل قصبة البشير وتازة، والاستيلاء عليها من دون قتال، بعد انسحاب البشمركة منها والتراجع إلى مركز مدينة كركوك والتحصن على أطرافها. في هذا الوقت، أعلنت أربيل حالة الاستنفار في صفوف البشمركة، ونقلت 23 وحدة قتالية من محاور السليمانية ودهوك وأربيل، وعززت بها القوات الموجودة في مدينة كركوك، بحسب بيان لوزارة البشمركة وقيادات عسكرية كردية تحدثت لـ"العربي الجديد"، أكدت وجود تهديد وشيك باندلاع حرب في حال تقدمت قوات الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" نحو المدينة.
وفي كركوك، أغلقت محال تجارية أبوابها أمس الجمعة، وتوجه عدد كبير من السكان إلى محطات المحروقات للتزود بالوقود، فيما حمل آخرون أسلحتهم تحسباً للأسوأ، مع سماع أخبار تقدم القوات العراقية إلى مقربة من مواقع البشمركة. وقال قائد شرطة كركوك، العميد خطاب عمر، إن "الوضع الأمني في مدينة كركوك مستقر، ولا توجد مشاكل تذكر" في المدينة. لكن تصريحاته لم تكفِ لطمأنة الأهالي، فسارع كثيرون إلى محطات الوقود للحصول على البنزين وتخزينه. وفي الأحياء الشمالية، حمل البعض أسلحتهم. وقال خسرو عبد الله، وهو يحمل سلاحاً في حي رحيم أوه، "نحن على استعداد للقتال إلى جانب قوات البشمركة"، فيما أكد أراس محمود، وهو يحمل بندقية كلاشينكوف، "سندافع عن كركوك حتى الموت ولن نسمح لأي قوة باقتحامها".
وتقف القوات العراقية على بعد 20 كيلومتراً فقط من مركز مدينة كركوك، و27 كيلومتراً عن أول حقول النفط التي تسيطر عليها قوات البشمركة منذ اجتياح تنظيم "داعش" للعراق. وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء (حيدر العبادي) أبلغ قيادة التحالف الدولي ومسؤولين أميركيين أن بغداد تمارس حقها السيادي للعودة إلى ما قبل اجتياح داعش للعراق، وتحديداً التاسع من يونيو/حزيران العام 2014، من خلال إعادة نشر القوات العراقية في جميع مدن العراق من دون المساس بحدود إقليم كردستان، التي كفلها الدستور، مؤكداً أن القوات العراقية تتحرك وفقاً لهذا المنطق، لافتاً إلى أنه في حال منع الأكراد القوات العراقية الاتحادية من الدخول إلى كركوك ومحاولة استهدافها، فإنه سيتم التصرف معها وفقاً لقواعد الاشتباك العسكرية، كقوة معادية للقانون والدستور". وأضاف المسؤول إن "وسطاء غربيين وسياسيين عراقيين، فضلاً عن رئيس الجمهورية، يحاولون تأجيل أي خطوة عسكرية جديدة لتقدم القوات العراقية نحو كركوك، كونها ستعني بداية حرب بين بغداد وأربيل، سيكون من الصعوبة التنبؤ بنهاياتها، وطالبوا بمنح وقت إضافي لجهود الوساطة".
خلال ذلك، أعلن وزير الداخلية العراقي، قاسم الأعرجي، في بيان، أنه "لا توجد أي عملية عسكرية في كركوك، وإنما هي عملية إعادة انتشار للقوات الاتحادية بعد انتهاء تواجد داعش في القاطع، وصولاً إلى ما كنا عليه قبل 9 يونيو 2014"، وذلك بحسب بلاغ أصدرته وزارة الداخلية ووزع على الصحافيين عبر البريد الإلكتروني، وتلقت "العربي الجديد" نسخة عنه. ويشير البيان بشكل واضح إلى كركوك، إذ كانت بغداد تفرض سيطرتها على كركوك قبل اجتياح "داعش" للعراق. ووجه رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نجيرفان البارزاني، أمس الجمعة، نداءً للمرجع الديني علي السيستاني، والقوى العراقية والدولية للتدخل لمنع وقوع حرب جديدة. وقال، في بيان، "نطالب آية الله علي السيستاني وجميع الأطراف العراقية والمنظمات المدنية والأمم المتحدة وأميركا والاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء في الحرب على داعش، وأعضاء مجلس الأمن ودول الجوار بالتدخل، أن يكون لهم دور في إبعاد المنطقة عن حرب جديدة". وأشار إلى أنه لا يجوز الرد على مطالب الشعب الكردي بالحرب، مؤكداً أن القوات العراقية ومليشيا "الحشد الشعبي" تتجمع بالقرب من كركوك. ولفت إلى أن حكومة إقليم كردستان تحمل العبادي المسؤولية الكاملة في حال اندلاع الحرب، موضحاً أن نتائج اندلاع الحرب ستكون خطيرة جداً.
من جانبه، قال معاون قائد المحور الجنوبي في كركوك، العقيد هلكورد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات البشمركة تقف في حالة استنفار تام على حدود كركوك، وستواجه أي تقدم للقوات الاتحادية"، مبيناً أنه "حتى الآن لم يصلنا أي توجيه من رئاسة الإقليم بالانسحاب، والمواقع التي تم تركها هي بالأساس خارج حدود كركوك وتم التمركز فيها سابقاً كخطوط صد لتنظيم داعش في حال حاول مهاجمة المدينة، لذا فالقوات الاتحادية لم تصل إلى حدود الإقليم حتى الآن". ولفت إلى أنه "في حال عدم وصول أي تعليمات من أربيل، فإن هذا يعني أن أي تحرك على كركوك بمثابة تحرك على أربيل وسنواجه ذلك بكل قوة"، لافتاً إلى أن مناطق التماس بين الجانبين تراجعت إلى أقل من كيلومترين. وقالت مصادر أمنية إن "القوات الكردية حركت خط دفاعها حول كركوك للخلف قليلاً في مسعى لتقليل الاحتكاك بالقوات العراقية". وأوضح الأمين العام لوزارة البشمركة، جبار ألياور، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "قوات البشمركة لن تسمح بتقدم القوات الاتحادية لمناطقها في حال لم توافق القيادة بأربيل على ذلك"، مبيناً أن "جميع الاحتمالات مفتوحة. وبالنسبة لقوات البشمركة فإنها ستواجه من يحاولون الاعتداء أو التجاوز على كركوك". وقال القيادي في البشمركة، آزاد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحشد الشعبي" أحرق أعلام إقليم كردستان، وأنزل صور رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، عن المواقع التي سيطر عليها، مبيناً أن التعليمات هي عدم المواجهة معهم الآن، لكن في حال تقدموا أكثر سيكون علينا التصدي لهم. وقال محافظ كركوك المقال، نجم الدين كريم، إن "قادة في البشمركة، بينهم نائب رئيس إقليم كردستان، كوسرت رسول، يتواجدون على الجبهة ومستعدون للدفاع عن كركوك". وأضاف "الأفضل لبغداد ألا تفكر بحل المشاكل عن طريق إرسال القوات. الحرب ليست في مصلحة أحد".
وأوضح النائب في البرلمان العراقي، فوزي أكرم، لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات الجديدة ذات الطابع العسكري لبغداد تهدف إلى بسط سيطرتها الدستورية على مناطق يسيطر عليها الأكراد بغير وجه حق، ويجرون فيها تغييراً ديموغرافياً"، مبيناً أن "على أربيل أن تنصاع للقانون والدستور، وينبغي عليها تسليم المناطق لبغداد والحكومة قادرة على فعل ذلك بالحوار أو بالحل العسكري، وهو آخر المطاف بالتأكيد"، موضحاً أن "الحكومة الآن بصدد إعادة حدود 2014، أي ما قبل داعش، لنتمكن من إعادة هيبة الدولة العراقية وإعادة كل شيء إلى نصابه الصحيح". واعتبر النائب ريبوار طه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الإعلانات النافية لأي تصعيد من بغداد، التي صدرت أخيراً، غير حقيقية، فالإعلان شيء وما يجري على الأرض شيء آخر، وهناك تصعيد كبير على محور كركوك". وأضاف "هناك تحشيد كبير، والحشد الشعبي عبر مكبرات الصوت يطالب البشمركة بنبرة تهديد بإخلاء مواقعها في كركوك، ونعتبر أننا في حال لم نلاحق الأمور، فقد نشهد خلال أيام تصعيداً خطيراً مسلحاً، لن ينفع إلا داعش".