ألقى ما جرى في شمال العراق، من سيطرة الجيش العراقي ومليشيات "الحشد الشعبي" على مدينة كركوك ومناطق أخرى كانت تحت سيطرة البشمركة، بظلاله على المشهد الكرديّ في سورية، إذ بدّل ما جرى من معطيات في هذا المشهد، وأعاد إلى الواجهة مرة أخرى العلاقة العربيّة الكرديّة في سورية والعراق، ومحاولات عدة أطراف دفعها إلى صدامٍ يحمل طابع الحرب الأهلية. ويشعر عددٌ لا يستهان به من الأكراد أن المجتمع الدولي ربما يتخلى عنهم عندما تنتهي الحرب في سورية، ويقرر أطراف الصراع تقاسم "التركة"، خصوصاً أن هناك مسؤولاً أميركياً حذر الأكراد من الإفراط في ثقتهم ببلاده.
ورغم أن مراقبين يرون أنه من المبكر التحدث عن انعكاسات تطورات شمال العراق الدراماتيكية على الأكراد في سورية، إلا أنه من المؤكد أن الحدث كان كبيراً، وتردد صداه في شمال وشمال شرقي سورية، حيث يتمركز أغلب أكراد سورية، وحيث يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي محاكاة التجربة الكردية في العراق من خلال السعي لتشكيل إقليم كردي في سورية معتمداً على تحالفٍ مع التحالف الدولي، تكرّس مع بدء الحملات العسكرية المتلاحقة على تنظيم "داعش"، إذ تحولت الوحدات الكردية، الذراع العسكرية لهذا الحزب، إلى اليد البرية الضاربة للتحالف الذي تقوده واشنطن. واعتبر عددٌ من السياسيين والكتاب الأكراد أن ما جرى في شمال العراق "انتكاسة" كبيرة للحلم الكردي في إقامة دولة انتظرها الأكراد طويلاً، وكانت بضع ساعات كفيلة بعودة هذا الحلم إلى المربعات الأولى. لكن فؤاد عليكو، وهو قيادي في المجلس الوطني الكردي وعضو في الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، يعتقد أن ما حدث في شمال العراق لن يكون له انعكاسٌ كبيرٌ على أكراد سورية "لأن القضية الكردية في سورية قضية سورية بامتياز، ويتم حلها في إطار سورية ومع القوى السياسية السورية، وعبر حوار وطني سوري"، وفق قوله. ويقول عليكو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الخاسر الأكبر مما حصل هي الثورة السورية بشكل عام، من خلال فتح الطريق أمام المشروع الإيراني بربط سورية مع العراق ومن ثم إيران، وبذلك يتحقق حلم طهران في الهلال الشيعي، الذي تعمل عليه منذ سنوات. ويضيف "بذلك نستطيع القول إن الثورة السورية خسرت موقعاً مهماً لحليفها في العراق لصالح النظام السوري"، في إشارة واضحة إلى رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني الذي كان مسانداً للثورة السورية.
من جهته، يرى نائب رئيس رابطة الكرد المستقلين في سورية، رديف مصطفى، أن ما وصفها بـ "الصدمة" جراء ما حدث في شمال العراق "لا تزال في بدايتها"، مضيفاً "من المبكر الحديث عن انعكاس ما جرى في إقليم كردستان العراق على أكراد سورية". ويشير مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن قسماً من أكراد سورية "من المقربين من حكومة إقليم كردستان بقيادة مسعود البارزاني"، مضيفاً "هؤلاء باتوا يشعرون بالمرارة والخيانة والغدر وتخلي المجتمع الدولي عنهم". ويرى مصطفى أنه "لن يكون هناك انعكاس مباشر في الأمد المنظور على الأقل على أكراد سورية ميدانياً، إذ لا يزال حزب الاتحاد الديمقراطي حليفاً استراتيجياً لإيران عبر جبل قنديل (مقر حزب العمال الكردستاني)، وحليفاً للنظام السوري، رغم تحالف قواته مع أميركا لمحاربة داعش". ويعرب عن اعتقاده بأن انعكاس ما جرى في العراق على أكراد سورية "ربما سيظهر لاحقاً بعد الانتهاء من داعش في دير الزور"، مضيفاً "سينكشف شكل التحالف الأميركي الجديد مع هذه القوة، مع العلم بأن حزب العمال الكردستاني وجناحه حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية كانوا على خلاف استراتيجي، وما زالوا، مع البارزاني، ولم يوفروا جهداً في مناهضة مشاريعه".
وينقسم الشارع الكردي في سورية بين كيانين، الأول هو "المجلس الوطني الكردي"، الذي يضم عدة أحزاب فاعلة في المشهد السياسي الكردي، واختار صف المعارضة وانخرط في صفوفها من خلال الدخول في الائتلاف الوطني السوري. ويرى المجلس، الذي تربطه مع حكومة كردستان العراق علاقات "طيبة"، أنه الممثل الحقيقي للأكراد في سورية، في محاولة لقطع الطريق أمام منافسه حزب الاتحاد الديمقراطي. والكيان الآخر هو "حركة المجتمع الديمقراطي"، التي تضم أحزاباً أخرى، أبرزها "الاتحاد الديمقراطي"، وقامت بتشكيل "الإدارة الذاتية" في المناطق التي تخضع للوحدات الكردية، ودعت أخيراً إلى انتخابات محلية في هذه المناطق، في خطوة اعتبرتها المعارضة محاولة جديدة لتقسيم سورية. وتتبنى الحركة خطاباً يدعو إلى تطبيق الفيدرالية في سورية، في محاولة لتشكيل إقليم يحمل صبغة كردية في شمال وشمال شرقي البلاد، وهو ما ترفضه المعارضة والنظام الذي أكد أخيراً أنه ربما يوافق على إقامة منطقة "حكم ذاتي" للأكراد في سورية.
ولا توجد إحصائيات يمكن الركون إليها لعدد الأكراد في سورية، إذ لم يعمل النظام على توثيق عدد القوميات في البلاد، مكتفياً بنشر عدد السوريين في كل محافظة، بغض النظر عن الانتماء القومي أو الطائفي. لكن مصادر كردية تؤكد أن عدد الأكراد في سورية يتراوح بين 2.5 إلى ثلاثة ملايين شخص، موزعين في عموم البلاد. ويتمركز الأكراد السوريون في منطقة عفرين، والتي تضم مئات القرى الكردية في شمال غربي حلب، وفي عين العرب (كوباني) وريفها في شمال شرقي حلب على الحدود السورية التركية. لكن الثقل الرئيسي للأكراد في سورية هو في محافظة الحسكة، ويبدأ من رأس العين مروراً بالدرباسية وعامودا والقامشلي وصولاً إلى ديريك قرب الحدود العراقية. كما أن هناك وجوداً للأكراد في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، وفي قرى في ريف مدينة الباب شمال حلب، وفي حي ركن الدين في دمشق، وبالقرب من مشروع دمّر شمال غربي العاصمة دمشق، وتوجد عدة عائلات معروفة في مدينة حماة هي من أصول كردية. وهاجر عددٌ من الأكراد إلى أوروبا، خصوصاً إلى ألمانيا خلال سنوات الثورة السورية، وخصوصاً مع تطبيق الوحدات الكردية لنظام التجنيد الإجباري. كما أن هناك عدداً من أكراد سورية الذين فقدوا صلتهم باللغة الكردية نتيجة عيشهم في وسط عربي في العاصمة دمشق، وفي مدن سورية أخرى، وتشربوا الثقافة العربية، وباتوا من أشد المدافعين عنها.
من جهته، يرى الدبلوماسي السوري المعارض، بسام العمادي، أنه "من الصعب التكهن" بانعكاسات ما جرى في شمال العراق على الأكراد في سورية. ويقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من المنطق أن يكون درساً للعرب والأكراد معاً للوعي بأن مصالحهم تكون في الاتفاق على ما يوحدهم من المصالح المشتركة في هذا البحر المتلاطم من الأعداء، وليس على تحقيق أهداف قد تضر بمصلحتهم". وقد سيطرت الوحدات الكردية، منذ العام 2012 تاريخ ظهورها المفاجئ، على جزء كبير من محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية بالاتفاق مع قوات النظام، كما سيطرت على مدينة عفرين وريفها، وعلى عين العرب، واستطاعت تأمين طريق بري بين مناطق سيطرتها من خلال انتزاع السيطرة على مدينة تل أبيض شمال الرقة، ومدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي. وتعد هذه الوحدات الثقل الرئيسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي باتت تسيطر على نحو ثلث سورية، وتتلقى دعماً عسكرياً من التحالف الدولي، واستطاعت هزْمَ تنظيم "داعش" في الرقة والحسكة وريف حلب. وكان روبرت فورد، وهو آخر سفير أميركي في سورية، حذر في تصريحات صحافية قبل أشهر، الأكراد من الإفراط في الثقة ببلاده، مضيفاً إن "الأكراد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين". وأشار إلى أن واشنطن تستخدم الأكراد لقتال "داعش"، وأنها لن تستعمل القوة للدفاع عنهم ضد قوات النظام السوري، أو إيران، وتركيا. وتحقق ما تنبأ به فورد، إذ لم تتحرك واشنطن للدفاع عن حليفها في العراق، مسعود البارزاني، لأنه لم يعمل بنصيحتها بإلغاء الاستفتاء على استقلال شمال العراق، وهو ما يفجر خشية أكراد سورية من تلقيهم نفس المعاملة من واشنطن في حال انتهاء الحرب على تنظيم "داعش" في شرقي سورية.