قبل نحو ستة أشهر من نهاية عمر حكومته، وفي الوقت الذي تكاد القوات العراقية تبسط سيطرتها على كامل أراضي العراق، بما فيها المناطق المتنازع عليها، يفتح رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، نار التصريحات ضد شخصيات سياسية تسببت بسقوط الموصل بيد تنظيم "داعش" الإرهابي منتصف عام 2014، الذي فتح الباب لسقوط مدن شمال وغرب العراق بشكل كامل بيد التنظيم ودخول العراق في دوامة عنف خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى خلال السنوات الثلاث الماضية.
مراقبون يعزون توقيت تأكيد رئيس الوزراء العراقي على ضرورة إعادة التحقيق بأحداث الموصل إلى بدء التحضير للانتخابات المقبلة، مشيرين إلى أن المرحلة المقبلة ستكون هي الأقسى على "ائتلاف دولة القانون" الحاكم، الذي يضم العبادي وخصمه اللدود نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي.
وأكد مصدر مطلع في مجلس القضاء الأعلى لـ"العربي الجديد" أن "ملف سقوط الموصل بيد "داعش" لم يغلق إلى غاية الآن، لكنه مجمد بسبب ضغوط سياسية"، موضحا أن أول المتهمين بسقوط الموصل هو رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وعدد من الضباط الكبار المرتبطين به.
وأشار المصدر إلى تلقي عدد من القضاة تهديدات مباشرة بالتصفية في حال حاول أحدهم إثارة ملف المالكي أو تسريب أية أدلة وردت فيه، مبينا أن "الحكومة الحالية يجب أن تحسم هذا الملف أيا كانت النتيجة، سواء بإدانة المالكي أو تبرئته".
ولفت إلى أن أعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي لديهم أدلة أخرى لم تصل إلى القضاء، ويرفضون إطلاع السلطة القضائية عليها "نتيجة لمساومات داخل اللجنة"، متوقعا أن تثار ملفات قضائية جديدة ضد مسؤولين عراقيين خلال المرحلة المقبلة.
وأثارت الضغوط السياسية التي يتعرض لها القضاء، قلق لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، التي طالبت على لسان رئيسها حاكم الزاملي القضاء بعدم الخضوع لضغوطات الكتل السياسية التي تحاول تسويف هذا الملف.
وأشار المصدر إلى أن "كتلا سياسية متنفذة تحاول وضع ملف الموصل في أدراج مجلس القضاء الأعلى تمهيدا لإغلاقه نهائيا، وتقييد القضية ضد مجهول، لأن الملف يدين بعض قادة هذه الكتل"، في إشارة لرئيس "ائتلاف دولة القانون" المتهم الأول بالقضية.
والحديث عن إثارة ملفات قضائية قديمة ضد مسؤولين بالدولة العراقية، أبرزهم المالكي، قد يحمل أكثر من احتمال، إذ إنه قد يندرج ضمن توجهات السلطات العراقية لاستعادة الأراضي وفرض القانون، لكنه قد يكون في الوقت ذاته ورقة سياسية يستخدمها العبادي لتصفية أقوى خصومه المالكي، من خلال المرور عبر بوابة الموصل.
إلى ذلك، حذر النائب عن "ائتلاف دولة القانون" (جناح المالكي)، كاظم الصيادي، من محاولات استهداف لنائب الرئيس العراقي من قبل العبادي وحلفائه، مؤكدا خلال مقابلة متلفزة أن الأخير يدفع باتجاه تأجيل الانتخابات المقبلة، وتشكيل حكومة تصريف أعمال يترأسها لعامين.
هذا السيناريو بدا مقلقاً بشكل كبير للمالكي، الذي حذر أيضاً من تذرع البعض بالظروف القاهرة التي يمر بها العراق من أجل تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة تصريف أعمال، معبرا عن رفضه للتأجيل تحت أي ظرف، واعتبر ذلك مخالفا للدستور العراقي.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، علي البدري، أن "لا أحد يمكنه أن يفهم ما يدور في رأس العبادي"، مضيفا: "من كان يتوقع أن يقرر بشكل مفاجئ إرسال القوات لاستعادة كركوك والمناطق المتنازع عليها"؟
وأشار البدري إلى أن "المرحلة المقبلة قد تشهد صراعا سياسيا محموما في الشارع الشيعي للظفر بمنصب رئاسة الوزراء"، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن "العبادي يمتلك أوراقا سياسية رابحة، كتحرير المدن من "داعش"، واستعادة كركوك، قد تنفعه في ربح الانتخابات المقبلة"، مستدركا: "لكن المهمة لن تكون سهلة أمام العبادي ما لم يضعف خصمه اللدود نوري المالكي".