تصطدم آمال أهالي مدينة الرقة السورية بالعودة إلى بيوتهم وأحيائهم المدمرة في معظمها نتيجة أشهر من الحرب على تنظيم "داعش"، برفض "قوات سورية الديمقراطية" التي تسيطر على المدينة، السماح لهم بذلك، بحجة استمرار عمليات إزالة الألغام، وتصدّهم بالقوة، كما جرى أمس الأول الخميس، عندما أطلقت النار على بعض أهالي حي المشلب الذين حاولوا الدخول إليه، ما أوقع إصابات في صفوفهم. لكن مقابل تحجج "سورية الديمقراطية" بوجود الألغام، فإن بعض المصادر تتحدث عن قيام عناصر هذه القوات بنهب البيوت والمحال التجارية، إضافة إلى اتهامات لها بالسعي لضم الرقة إلى النظام الفيدرالي الذي تروّج له شمالي سورية.
وقال الناشط محمد الرقاوي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك أحياء عدة في المدينة جرى طرد "داعش" منها منذ أشهر، وتطهيرها من الألغام، مثل المشلب والدرعية، لكن "قوات سورية الديمقراطية" لا تسمح بعودة سكانها إليها. ورأى أن سبب هذا المنع هو "عدم الانتهاء حتى الآن من عمليات السرقة والنهب في المدينة، إضافة إلى رفع الأعلام الخاصة بهم في كل مكان". وحول حقيقة أن معظم البيوت مدمرة ولا تصلح للسكن، قال الرقاوي إن "من دمر بيوت الأهالي لن يقوم بترميمها، ولن يرممها إلا أهلها الذين يجب أن يُسمح لهم بالعودة ليقوموا بذلك".
واتهمت بعض المصادر مسلحي "سورية الديمقراطية" بنهب البيوت وسرقة مولدات الكهرباء التي كانت تغذي المنطقة وإفراغ محلات المنطقة الصناعية القريبة من حي المشلب. وفي هذا السياق، تحدثت وكالة "الأناضول" في تقرير لها، عن عمليات نهب منظمة تقوم بها "قوات سورية الديمقراطية" في مدينة الرقة منذ سيطرتها عليها منتصف الشهر الحالي. وقالت الوكالة إنه وإلى جانب الدمار، فإن أبواب البيوت وواجهات المحلات التجارية معظمها كانت مفتوحة وفارغة، ما يشير إلى تعرضها للنهب، ناقلة عن مصادر محلية أن عمليات سرقة البيوت من قبل مقاتلي المليشيات بدأت منذ اليوم الأول للسيطرة على المدينة، إذ تخرج منها يومياً شاحنات تحمل أثاث المنازل وأدوات كهربائية وبضائع، بغرض بيعها في المناطق الخاضعة لسيطرة "سورية الديمقراطية". وأوضحت أن العديد من الشاحنات التي تحمل المسروقات وصلت إلى مدينة عين عيسى، شمالي محافظة الرقة، ورأس العين، غربي محافظة الحسكة، وعين العرب (كوباني)، شمالي شرقي حلب، حيث تباع هناك ويعود ثمنها إلى مقاتلي "سورية الديمقراطية".
ولم تعلّق قيادة "سورية الديمقراطية" على ما جرى في المشلب، لكن وسائل إعلام مقربة منها قالت إن عمليات إزالة الألغام في المدينة لا تزال جارية، والتي أدت قبل أيام إلى مقتل عدد من المدنيين ومقاتلين من "سورية الديمقراطية"، ولا تُعتبر المنطقة بالتالي آمنة لعودة الأهالي. وأعلنت "سورية الديمقراطية" مقتل 14 شخصاً جراء انفجار ألغام من مخلّفات تنظيم "داعش" في ركام مدينة الرقة منذ طرد التنظيم منها قبل عشرة أيام. وقالت إنها أغلقت المدينة أمام الأهالي الراغبين في العودة إلى منازلهم، لكن هناك من المدنيين من يتسنى لهم التسلل إليها. وذكرت هذه القوات على موقعها الرسمي، أن إزالة الألغام من المدينة ستستغرق وقتاً، بسبب كثرتها وأنواعها المختلفة التي تتطلب مساعدة من منظمات خارجية لإزالتها، طالبة من المدنيين عدم العودة إلى منازلهم إلى حين الانتهاء من إزالة الألغام.
في السياق، ذكر ناشطون أن بعض الأحياء شهدت عودة محدودة للأهالي بعد انتهاء العمليات العسكرية، خصوصاً حي الجزرة، غير أن "قوات سورية الديمقراطية" تمنع هؤلاء المدنيين من العودة الكاملة، إذ عمد معظمهم إلى تفقّد ممتلكاتهم ومغادرة المدينة. وبحسب أحد قادة "سورية الديمقراطية"، فإن نحو 10 في المائة من الرقة لا يزال قيد التمشيط بسبب وجود أعداد كبيرة من الألغام والمفخخات التي خلّفها تنظيم "داعش" وراءه، لافتاً إلى أن سبب منع عودة النازحين هو الحفاظ على أرواحهم وتجنّب تعرض ما تبقى من أملاك المدنيين للسرقة والنهب. وكانت أعداد كبيرة من نازحي مخيم عين عيسى وطويحينية والنازحين داخل مدينة الطبقة، حاولت الوصول إلى مدينة الرقة والتوجّه إلى منازلها، إلا أن "قوات سورية الديمقراطية" منعتهم.
ويقول المجلس المدني في الرقة الذي تشرف عليه "سورية الديمقراطية"، إن لجنة إعادة إعمار الرقة التابعة له تستعد للبدء بتأهيل شبكة المياه والصرف الصحي قبل عودة الأهالي. وذكر أحد الإداريين في لجنة إعادة إعمار الرقة في مجلس الرقة المدني، أن اللجنة ستقوم بتنظيف المدينة ونقل الأنقاض المدمرة كخطوة أولى إلى خارج المدينة بعد أن تنتهي الفرق الهندسية من عمليات تمشيط المدينة وإزالة الألغام، قبل أن تقوم اللجنة بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية الدولية بتأهيل شبكة المياه والصرف الصحي، خصوصاً في مركز المدينة وأحياء الصناعة والمشلب، شرقي المدينة، وحي نزلة شحادة جنوبها.
وبحسب المجلس المدني، تشمل عمليات إعادة الإعمار تأهيل الشبكة الكهربائية وتنفيذ مخططات جديدة لمشاريع بناء المدينة، على أن تبدأ اللجنة عملها في الأحياء الأقل تضرراً والتي تشهد كثافة سكانية كبيرة، خصوصاً في الأحياء الغربية والتي تم تنظيفها من الألغام، وسط إمكانات ضعيفة في توفر الآليات اللازمة للبدء برفع الأنقاض. وتعهدت الولايات المتحدة وفرنسا بتقديم مساعدات مالية ولوجستية للجنة إعادة إعمار الرقة من أجل إعادة تأهيل المدينة والتمهيد لعودة النازحين إليها.
كما أعلنت لجنة الأفران والمطاحن التابعة لمجلس الرقة المدني، أنها تستعد لدخول مدينة الرقة بعد السماح لها من قبل "قوات سورية الديمقراطية" بغية تقييم الأفران الموجودة داخل المدينة لإعادة تأهيلها. وقال رئيس اللجنة صبري محمد، إن هناك 23 فرناً قيد العمل في المدينة، بينها فرنان ينتجان الخبز مجاناً لصالح مخيم عين عيسى بدعم من مجلس الرقة المدني.
وكانت "سورية الديمقراطية" قد نشرت حواجز داخل وعلى أطراف مدينة الرقة، بعد السيطرة الكاملة عليها. وقالت في بيان لها قبل أيام، إن عملية نشر الحواجز تحت إشراف القيادي في صفوفها، شورش الرقاوي، تأتي تمهيداً لعودة المدنيين، وللسيطرة على مداخل المدينة حفاظاً على الأمن.
من جهتها، قالت الأمم المتحدة إنها غير قادرة على تقييم الأوضاع في مدينة الرقة بسبب صعوبة الوصول إليها. لكن المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة ستيفن دوجاريك، أعرب عن قلقه جراء الأوضاع الإنسانية في المنطقة، في حين دعت منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية، إلى مساعدة أكثر من ربع مليون مدني فروا من المعارك في الرقة. وقالت إن 270 ألف نازح يعانون أوضاعاً إنسانية مأساوية شديدة. ويعيش معظم النازحين عن مدينة الرقة في مخيمات على أطرافها، خصوصاً مخيم عين عيسى، شمال المدينة، ويعانون هناك ظروفاً صعبة في ظل نقص حاد في المواد الإغاثية والإنسانية. كما تحتضن مدينة الطبقة وحدها عدا الريف نحو 80 ألف نازح، جزء منهم قدموا من مدينة الرقة.