لم يمر أسبوع على تأكيد روسيا أن تركيا سددت قيمة صواريخ "إس-400" الروسية للدفاع الجوي، حتى أسفرت القمة الروسية-السعودية في موسكو عن إعلان الرياض عزمها شراء أربع مجموعات من الصواريخ ذاتها، وسط تساؤلات حول واقعية تنافس روسيا مع الولايات المتحدة في بلدين أحدهما عضو في "حلف شمال الأطلسي"، الحليف الاستراتيجي لواشنطن.
وفي هذا الإطار، يرى رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة "بليخانوف" الاقتصادية الروسية، المحلل السياسي والعسكري، أندريه كوشكين، أن توجه كل من تركيا والسعودية نحو التعاون العسكري التقني مع روسيا يعكس سعيهما إلى تنويع علاقاتهما الخارجية والحصول على أوراق قوية في العلاقات مع الولايات المتحدة. ويقول كوشكين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا بلد عضو في حلف الناتو، ولكنها باتت على خلاف واضح مع الولايات المتحدة بعد محاولة الانقلاب ودعم واشنطن الأكراد، كما أن هناك خلافات مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي الذي سعت تركيا بلا جدوى للانضمام إليه، فتوجّهت نحو الشراكة مع روسيا في نهاية المطاف".
وتعتبر "إس-400" (تريومف) أحدث منظومة للدفاع الجوي في العالم، وهي قادرة على اعتراض كافة أنواع الطائرات والصواريخ المجنحة والبالستية التي تصل سرعتها إلى 4800 متر في الثانية وتحلق على ارتفاعات تصل إلى 27 كيلومتراً. وسبق لروسيا أن نشرت منظومة "إس-400" بقاعدة حميميم في محافظة اللاذقية بعد حادثة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" من قبل سلاح الجوي التركي في نهاية عام 2015، وسط أزمة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين. وفي عام 2017، بدأت روسيا بتوريد منظومات "إس-400" إلى الصين، كما أبرمت صفقة مع تركيا، لتكون ثاني بلد أجنبي سيحصل على هذه الصواريخ، قبل أن توافق السعودية على شرائها، ومن المتوقع أن يتم التعاقد مع الهند قبل نهاية العام الحالي.
وفي الوقت الذي تتخوّف فيه واشنطن من توسع الصادرات العسكرية الروسية لحلفائها، يقلل خبراء عسكريون روس من خطورتها، لكون "إس-400" منظومة دفاعية بحتة، كما أن روسيا تتعامل مع تصدير الأسلحة على أنها مسألة تجارية أكثر منها سياسية، مشيرين في هذا الصدد إلى تعاونها مع دول متخاصمة في ما بينها في آنٍ واحد، كما هو الحال مع أرمينيا وأذربيجان، مثلاً، أو إيران والسعودية وغيرها من الدول.
وفي هذا السياق، يعتبر الخبير العسكري بمجلة "ترسانة الوطن" الروسية، أليكسي ليونكوف، أن روسيا بتزويدها تركيا والسعودية بصواريخ متطورة "لن تشترط الولاء"، مؤكداً أن "إس-400" ستتيح للبلدين تأمين كافة مواقعهما الحيوية. ويقول ليونكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "تمتلك تركيا والسعودية حالياً منظومات دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى لا تضمن لهما أماناً كاملاً. وبما أن صواريخ إس-400 قادرة على اعتراض أي طائرة أو صاروخ على مسافة 250 كيلومتراً، سيتمكن البلدان من تأمين كافة منشآتهما الحيوية مثل المطارات والموانئ وعاصمتيهما بشكل كامل"، وفق تأكيده. وحول مدى واقعية اندماج الصواريخ الروسية في منظومتي الدفاع الجوي الحاليتين في تركيا والسعودية، يلفت إلى أن بيع "الصواريخ الروسية لا يشترط ولاءً لموسكو، ويمكن دمجها ضمن منظومة موحدة للدفاع الجوي"، بحسب قوله.
وفي الوقت الذي تسعى فيه كل من تركيا والسعودية للحصول على تكنولوجيا صنع صواريخ "إس-400"، يؤكد ليونكوف أن الرفض الروسي أمر طبيعي عند إبرام مثل هذه العقود، متوقعاً في الوقت نفسه أن تتولى روسيا صيانة الصواريخ وتدريب الكوادر المحلية على استخدامها لمدة تراوح بين خمس وعشر سنوات.
وعلى عكس تركيا التي حوّلت دفعة مالية بقيمة الصواريخ، يذكّر الخبير العسكري الروسي بأن موسكو والرياض لا تزالان في مرحلة النوايا وأن لهما سجلاً حافلاً من فشل المفاوضات على مشاريع كبرى مثل تولي روسيا مد سكة حديدية في المملكة وتعثر مفاوضات توريد الأسلحة بمليارات الدولارات. وبعد محادثات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في الكرملين، يوم الخميس الماضي، ذكرت وسائل إعلام سعودية وروسية أن الجانبين اتفقا على توريد صواريخ "إس-400" للمملكة. وذكرت صحيفة "كوميرسانت" أن المعايير الدقيقة للصفقة ستجري مناقشتها خلال اجتماع اللجنة الحكومية للتعاون العسكري التقني في نهاية الشهر الحالي، على أن تشتري السعودية ما لا يقل عن أربع مجموعات "إس-400" بقيمة نحو ملياري دولار.
وقام الملك سلمان خلال الفترة الممتدة من 4 إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بزيارة دولة إلى موسكو، فيما يعتبر أول زيارة لعاهل سعودي إلى روسيا في تاريخ العلاقات بين البلدين. وإلى جانب بوتين، عقد الملك سلمان في موسكو محادثات مع رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، ووزير الدفاع، سيرغي شويغو، ورئيسة مجلس الاتحاد (الشيوخ)، فالينتينا ماتفيينكو، والرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، وغيرهم. وتمخضت الزيارة عن التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات قدرت بمليارات الدولارات في مجال الطاقة، والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، والبنية التحتية، والصناعات العسكرية، والفضاء وغيرها.