لا يبدو أن طريق المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في تشكيل ائتلاف حكومي جديد ستكون معبدة، بل سيشوبها الكثير من العوائق مع تضارب المصالح والأولويات والاهتمامات في العديد الملفات. وتظهر كل المؤشرات أن الأطراف الأربعة المعنية، وهي "الاتحاد المسيحي"، بزعامة ميركل، المكون من "المسيحي الديمقراطي" وشقيقه "الاجتماعي المسيحي"، وكل من "الليبرالي الحر" وحزب "الخضر"، ستكون أمام مفاوضات شاقة، مع وضع بعض الأطراف لخطوط حمراء على بعض الملفات الخلافية، خصوصاً أن تشكيل ائتلاف من أربعة مكونات يعتبر خطوة جديدة بالنسبة إلى ألمانيا منذ أكثر من ستة عقود، ما يعطي دفعاً لعودة التحالف الكبير (غروكو)، وبالتالي تراجع الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" عن قراره بالعزوف عن المشاركة في الحكومة للعب دوره في المعارضة.
من هنا، يبقى أمام الأفرقاء السياسيين تقديم مقترحات ملموسة حول كيفية نجاح الخطوة الصعبة للتحالف "الجامايكي"، وتذليل العقبات التي تواجهه سريعاً، وإلا لن يبصر النور قبل مطلع العام 2018، بحسب ما ألمح إليه رئيس ديوان المستشارية، بيتر ألتماير، وعندها فإن عودة "الاشتراكي" لن تكون مستبعدة، رغم حصوله على نسبة 20.5 في المائة من الأصوات، وهي نتيجة هزيلة بالمقارنة مع الدورات الماضية، وبعد أن بينت الأرقام أنه خسر 10 ملايين ناخب منذ عام 1998، أي نحو نصف الذين صوتوا له حينها، لأن لعبة المستشارة مع الوقت غير عادلة لاعتبارات سياسية واقتصادية، إضافة إلى فرضية إعادة الانتخابات، وهذا ما تحاول الأحزاب الابتعاد عنه، إضافة إلى محاولة تحجيم حزب "البديل" اليميني الشعبوي وعدم تضخيم حجم المعارضة في البوندستاغ، وهو ما ألمحت إليه ميركل، أول من أمس، بقولها إنه لا يمكن الاستهانة بتأثير "الاشتراكي" كقوة معارضة.
وفي الوقائع، فإن التعارض في بعض الملفات بين "الليبرالي الحر" و"الخضر"، ومنها البيئة والمناخ، إضافة إلى وضع الحزب البافاري الشقيق لحزب ميركل، لا يتعلق بالاختلافات الأيديولوجية أو المدنية أو الدينية مع الأطراف الأخرى، وإنما في البقاء على قيد الحياة وعدم تفكك الحزب إذا لم يتم الأخذ بمطالبه خلال المباحثات والتوصل إلى اتفاق مع باقي الأحزاب، يقضي مثلاً بدمج مطالب الأخير وحل النزاع حول الحد الأعلى للاجئين المسموح دخولهم إلى البلاد، ما يسمح للأطراف بالخروج من المأزق ويقدم حلاً وسطياً حول سقف الهجرة، وبالتالي تجاوز عقبة رئيسية لقيام التحالف وتشكيل الحكومة، والحديث عن نهج شامل للهجرة يكون أساساً جيداً للتوصل إلى تسوية سياسية قابلة للحياة. وظهر الخلاف في أول اجتماع عقدته ميركل وكبار قياديي حزبها الاتحاد الديموقراطي المسيحي، بمن فيهم وزير المالية فولفغانغ شويبله، في برلين أمس الأحد، مع حلفائهم البافاريين في الاتحاد الاجتماعي المسيحي بقيادة هورست سيهوفر. وذكرت وسائل إعلام ألمانية أن "الاجتماعي المسيحي" قدم في مفاوضات أمس خطة من 10 نقاط يغلب عليها التشكيك في ميركل شخصياً، التي كانت فاجأت نشطاء حزبها بقولها إنها "لا ترى شيئاً يجب تغييره في سياستها". وترد خطة "الاجتماعي المسيحي" على هذا التصريح بالقول إن "الذين يقولون الآن امضوا في طريقكم، سنستمر كما كنا، لم يفهموا ويعرضون قدرة الحزب على قيادة البلاد للخطر". ولا تقتصر الانتقادات الموجهة لميركل على حليفها البافاري فهي تصدر حالياً من داخل الاتحاد الديموقراطي المسيحي نفسه. وطالب زعيم المنظمة الشبابية في الحزب، بول تيسمياك "بوجوه جديدة" على رأس الحزب "وبتوجه محافظ أكثر تشدداً". وقال "علينا أن نعدد أخطاءنا بشكل واضح: من الواضح أن جزءاً من ناخبينا يشعرون أنهم غير ممثلين بشكل كاف".
اقــرأ أيضاً
لكن في المقابل، يناقض بعضهم هذا التوجه، معتبرين أن الحد الأعلى للاجئين يجب أن يترافق مع حلول لنقاط أخرى، ومنها لمّ الشمل والاندماج والعمل وترحيل اللاجئين المرفوضة طلبات لجوئهم، عدا عن تصنيف الدول المغاربية بالآمنة. لذا قد يدفع هذا الأمر "المسيحي" لمناشدة "الاشتراكي الديمقراطي" للسعي من أجل تجديد الائتلاف الحاكم، علماً أن ميركل قالت، خلال فعالية "يوم ألمانيا" لشباب "الاتحاد المسيحي" في مدينة دريسدن السبت، إنها ملتزمة بإجراء مفاوضات لقيام تحالف من دون الديمقراطيين، وعندها سيفكر قادة الاشتراكي بمخاطر إعادة الانتخابات، إذ من المرجح أن تتدنى نسبتهم من أصوات الناخبين من 20.5 في المائة إلى 15 في المائة. ولن يتخيل أحد أن يقدم "الاشتراكي" على هذا النوع من المخاطرة، مع التأكيد أيضاً على أن مشاركته في الحكومة لن تكون بأي ثمن. إلى ذلك، فإن هذا الأمر سيدفع القيادات المؤثرة والمخضرمة في "الاشتراكي"، وبينهم المستشار السابق، غيرهارد شرودر، ونائب المستشارة، زيغمار غابريال، الذي قيل إنه مع بقاء حزبه في الحكم مع حزب ميركل بحجة أنه وفي حال تمت إعادة الانتخابات فقد يكون وضع الحزب أسوأ من الآن، للدفع لإعادة حزبهم إلى التحالف الكبير. وقد ذهبت تقارير صحافية أبعد من ذلك، لتشير إلى إمكانية حصول تمرد في القاعدة الحزبية من أجل هذا الخيار، لأن الكثير من الحزبيين باتوا على قناعة وثقة بأن القيادة الحالية للحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، بزعامة مارتن شولتز، ليس لديها الرؤية للخروج من الأزمة، والحديث عن أن شولتز قد يتنحى في المؤتمر الحزبي بداية ديسمبر/كانون الثاني المقبل، وعندها يأخذ الحزب مساراً آخر. والاستثناء قائم لأن أطراف "جامايكا" على النقيض من بعضهم بعضاً والتفاوض والاتفاق غير سهلين. ويأتي الاستقرار السياسي كأولوية بالنسبة إلى ألمانيا بشكل عام و"الاشتراكي" بشكل خاص، انطلاقاً من انعكاسه على الوضع الأمني والاقتصادي لبلد يصنف على أنه صاحب أقوى اقتصاد في أوروبا، وهذا ما حذر منه الرئيس الألماني الاشتراكي، فرانك فالتر شتاينماير، في يوم الوحدة السابع والعشرين، الأسبوع الماضي، منبهاً من الانقسام بقوله "تبين أنه وبعد انتخابات البوندستاغ أن جدراناً أخرى بنيت، وهي غير مرئية وتحول دون تلاحمنا".
في المقابل، يعتبر خبراء في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية أنه ليس من السهل أن يذهب أعرق حزب ألماني إلى المعارضة واستنساخ عملها والاعتماد على عناصرها الكاملة، وهو المشارك في السلطة على مدى عقود، والقول "نحن ضد النظام" أو "ضد سياسة النخبة الفاسدة" وهو موقف يصعب عليه تمثيله، أو الحديث عن عدالة اجتماعية للمواطن الألماني، ورفضه في الوقت ذاته تحديد سقف أعلى للاجئين، وهذا ما يفقده المزيد من المصداقية، مع تأكيدهم أن اتخاذ بعض المواقف الراديكالية ضرورية للتسويق من جديد بعد الهزيمة التي عانى منها في انتخابات برلمانات الولايات أولاً والبوندستاغ أخيراً، ولإعادة تكوين نفسه. وهناك بعض الأمل للحزب "الاشتراكي" في تحسين وضعيته مستقبلاً، رغم الميل لدى الأحزاب الصغيرة للعب دور أكبر بعدما نجحت إلى حد ما في استمالة الحركة الشبابية، والتي تبين أنها عزفت عن الاصطفاف في المعسكرات السياسية والاجتماعية الكبيرة.
من جهتهم، يتحرك الاشتراكيون أيضاً تحت ضغط الأرقام الهزيلة التي حققوها في الانتخابات، بحيث يحاولون لعب الدور الوسطي المعتدل، رغم مطالبة الناخب لهم بالتغيير، إلا أنه ليس لديهم الرغبة بالمغامرة، لأن الجميع يعرف أن العالم يعيش في عصر من عدم اليقين، وكل المجتمعات، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، تعيش في مزاج سياسي قلق، وسبب هذا الشعور هو انعدام الأمن الاجتماعي في ظل النيوليبرالية الاقتصادية وعواقبها والأزمات المالية وانخفاض النمو وركود الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة مع ظروف عمل غير مستقرة وغير آمنة مع التغير السريع والرقمنة والتطوير والابتكار ودخول عالم الروبوتات ثورات سوق العمل، وحيث بات كل موظف في المجال الصناعي يعرف أن مؤهلاته لها تاريخ انتهاء صلاحية.
اقــرأ أيضاً
من هنا، يبقى أمام الأفرقاء السياسيين تقديم مقترحات ملموسة حول كيفية نجاح الخطوة الصعبة للتحالف "الجامايكي"، وتذليل العقبات التي تواجهه سريعاً، وإلا لن يبصر النور قبل مطلع العام 2018، بحسب ما ألمح إليه رئيس ديوان المستشارية، بيتر ألتماير، وعندها فإن عودة "الاشتراكي" لن تكون مستبعدة، رغم حصوله على نسبة 20.5 في المائة من الأصوات، وهي نتيجة هزيلة بالمقارنة مع الدورات الماضية، وبعد أن بينت الأرقام أنه خسر 10 ملايين ناخب منذ عام 1998، أي نحو نصف الذين صوتوا له حينها، لأن لعبة المستشارة مع الوقت غير عادلة لاعتبارات سياسية واقتصادية، إضافة إلى فرضية إعادة الانتخابات، وهذا ما تحاول الأحزاب الابتعاد عنه، إضافة إلى محاولة تحجيم حزب "البديل" اليميني الشعبوي وعدم تضخيم حجم المعارضة في البوندستاغ، وهو ما ألمحت إليه ميركل، أول من أمس، بقولها إنه لا يمكن الاستهانة بتأثير "الاشتراكي" كقوة معارضة.
لكن في المقابل، يناقض بعضهم هذا التوجه، معتبرين أن الحد الأعلى للاجئين يجب أن يترافق مع حلول لنقاط أخرى، ومنها لمّ الشمل والاندماج والعمل وترحيل اللاجئين المرفوضة طلبات لجوئهم، عدا عن تصنيف الدول المغاربية بالآمنة. لذا قد يدفع هذا الأمر "المسيحي" لمناشدة "الاشتراكي الديمقراطي" للسعي من أجل تجديد الائتلاف الحاكم، علماً أن ميركل قالت، خلال فعالية "يوم ألمانيا" لشباب "الاتحاد المسيحي" في مدينة دريسدن السبت، إنها ملتزمة بإجراء مفاوضات لقيام تحالف من دون الديمقراطيين، وعندها سيفكر قادة الاشتراكي بمخاطر إعادة الانتخابات، إذ من المرجح أن تتدنى نسبتهم من أصوات الناخبين من 20.5 في المائة إلى 15 في المائة. ولن يتخيل أحد أن يقدم "الاشتراكي" على هذا النوع من المخاطرة، مع التأكيد أيضاً على أن مشاركته في الحكومة لن تكون بأي ثمن. إلى ذلك، فإن هذا الأمر سيدفع القيادات المؤثرة والمخضرمة في "الاشتراكي"، وبينهم المستشار السابق، غيرهارد شرودر، ونائب المستشارة، زيغمار غابريال، الذي قيل إنه مع بقاء حزبه في الحكم مع حزب ميركل بحجة أنه وفي حال تمت إعادة الانتخابات فقد يكون وضع الحزب أسوأ من الآن، للدفع لإعادة حزبهم إلى التحالف الكبير. وقد ذهبت تقارير صحافية أبعد من ذلك، لتشير إلى إمكانية حصول تمرد في القاعدة الحزبية من أجل هذا الخيار، لأن الكثير من الحزبيين باتوا على قناعة وثقة بأن القيادة الحالية للحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، بزعامة مارتن شولتز، ليس لديها الرؤية للخروج من الأزمة، والحديث عن أن شولتز قد يتنحى في المؤتمر الحزبي بداية ديسمبر/كانون الثاني المقبل، وعندها يأخذ الحزب مساراً آخر. والاستثناء قائم لأن أطراف "جامايكا" على النقيض من بعضهم بعضاً والتفاوض والاتفاق غير سهلين. ويأتي الاستقرار السياسي كأولوية بالنسبة إلى ألمانيا بشكل عام و"الاشتراكي" بشكل خاص، انطلاقاً من انعكاسه على الوضع الأمني والاقتصادي لبلد يصنف على أنه صاحب أقوى اقتصاد في أوروبا، وهذا ما حذر منه الرئيس الألماني الاشتراكي، فرانك فالتر شتاينماير، في يوم الوحدة السابع والعشرين، الأسبوع الماضي، منبهاً من الانقسام بقوله "تبين أنه وبعد انتخابات البوندستاغ أن جدراناً أخرى بنيت، وهي غير مرئية وتحول دون تلاحمنا".
من جهتهم، يتحرك الاشتراكيون أيضاً تحت ضغط الأرقام الهزيلة التي حققوها في الانتخابات، بحيث يحاولون لعب الدور الوسطي المعتدل، رغم مطالبة الناخب لهم بالتغيير، إلا أنه ليس لديهم الرغبة بالمغامرة، لأن الجميع يعرف أن العالم يعيش في عصر من عدم اليقين، وكل المجتمعات، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، تعيش في مزاج سياسي قلق، وسبب هذا الشعور هو انعدام الأمن الاجتماعي في ظل النيوليبرالية الاقتصادية وعواقبها والأزمات المالية وانخفاض النمو وركود الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة مع ظروف عمل غير مستقرة وغير آمنة مع التغير السريع والرقمنة والتطوير والابتكار ودخول عالم الروبوتات ثورات سوق العمل، وحيث بات كل موظف في المجال الصناعي يعرف أن مؤهلاته لها تاريخ انتهاء صلاحية.