جنوب سورية: ساحة مواجهة إسرائيلية إيرانية

14 نوفمبر 2017
لن تتوقف إسرائيل عن استهداف سورية (جلا ماري/فرانس برس)
+ الخط -
يقترب الموقف العسكري في جنوب سورية وجنوب غربها من حافة الصدام، في ظل مساعٍ إيرانية، لم تعد خافية، تستهدف ترسيخ وجود دائم لطهران غير بعيد عن إسرائيل، التي أعلنت تبرمها من مذكرة تفاهم روسية أميركية أردنية وُقّعت أخيراً في عمّان، لتأسيس منطقة "خفض التصعيد" المؤقتة في جنوب سورية، ولم تلب مطلب تل أبيب في إبعاد مليشيات إيران عن الأراضي السورية والفلسطينية التي تحتلها بمسافة 50 كيلومتراً. وحاولت واشنطن امتصاص غضب إسرائيلي يتصاعد، من خلال التأكيد على أن المذكرة نصت على جلاء القوات الأجنبية من جنوب سورية، لكن موسكو أكدت أن المذكرة لم تتضمن هذا الأمر، وهو ما يؤسس لخلافات تدفع الموقف نحو تأزيم، ربما لا يقف عند حدود الاشتباك الكلامي، وهو ما تبدى في إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الإثنين، أنه أبلغ الولايات المتحدة وروسيا، أن إسرائيل ستواصل التصرف وفق "احتياجاتها الأمنية" عبر الحدود السورية.


ونشبت حرب تصريحات بين موسكو وواشنطن على خلفية المذكرة الروسية الأميركية الأردنية المبرمة في عمّان، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، حول جنوب غربي سورية، لدعم اتفاق وقف إطلاق النار على طول خطوط التماس المتفق عليها. وتقول موسكو إن واشنطن تحاول "تأويلها" بشكل يناقض ما ورد فيها. وطلبت روسيا من أميركا، أول من أمس، الكف عن محاولات تأويل نص المذكرة، مضيفة لقد خضعت المذكرة قبل الإعلان عنها، للبحث والمشاورات على مستوى الخبراء، وتم الاتفاق على صيغتها في قمة "أبيك" في دانانغ، من قبل وزيري الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والأميركي ريكس تيلرسون، قبل أن ترفع إلى الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، اللذين أقرّاها بشكل نهائي. وأوضحت موسكو، في بيان نشرته صفحة قاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري، إن المذكرة "لم تنص على جلاء جميع القوات الأجنبية عن جنوب غربي سورية، بما فيها القوات الإيرانية والفصائل المسلحة الموالية لها كما ادعت وزارة الخارجية الأميركية. كما أن موسكو لم تقدم وعوداً ببحث ذلك مع السلطات في دمشق كما أشيع". وكان مسؤول أميركي قال إن مذكرة عمّان "تضمن بقاء جنوب غربي سورية تحت سيطرة المعارضة السورية حتى إتمام التسوية السياسية لأزمة السوريين"، لكن موسكو تؤكد أن هذا لم يرد في المذكرة، في اتهام مبطن لواشنطن بالتراجع عن تفاهمات أبرمتها معها. ورأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أن "تواجد قوات بلاده ودورها على الأرض في سورية رسمي وشرعي، كونه جاء بالتنسيق مع الحكومة السورية". وأوضح أن "طهران تريد تطهير كافة المواقع السورية من الإرهاب، كما ستشارك في عمليات الإعمار مستقبلاً وستستمر بعلاقات الصداقة التي تربطها بدمشق"، على حد وصفه.

كما أن إسرائيل لم تخف خيبة أملها بشأن اتفاق عمان، لعدم إدراجه للمطالب الإسرائيلية بشأن إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها، والتي تنتشر في جنوب سورية، مسافة 50 كيلومتراً على الأقل من الحدود مع الجانب المحتل من هضبة الجولان السورية. وقال نتنياهو، في تصريحات علنية لأعضاء من حزب الليكود في البرلمان، "نسيطر على حدودنا ونحمي بلادنا وسنواصل القيام بذلك". وأضاف "أبلغت أيضاً أصدقاءنا، أولاً في واشنطن وكذلك أصدقاءنا في موسكو، أن إسرائيل ستتصرف في سورية، بما في ذلك جنوب سورية، وفقاً لفهمنا ووفقاً لاحتياجاتنا الأمنية". وجاء الاتفاق في خضم أنباء عن سعي إيران الحثيث لتثبيت وجودها العسكري في سورية، ليس في إطار إدارة ورفد المعارك الحالية التي تخوضها في سورية، عبر مليشياتها المختلفة إلى جانب قوات النظام السوري، بل كوجود استراتيجي دائم. وحسب معلومات نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية، منذ أيام، مدعمة بصور التقطتها الأقمار الاصطناعية، فإن إيران منخرطة في إنشاء قاعدة عسكرية "ضخمة" في مدينة الكسوة جنوب دمشق، وعلى بعد نحو 50 كيلومتراً من مرتفعات الجولان السورية. ورجحت مصادر أن عملية البناء تمت في الفترة بين نوفمبر 2016 والشهر الماضي، مشيرة إلى أن القاعدة سيرابط فيها آلاف العناصر، من جنسيات أفغانية وباكستانية، من المنضوين في مليشيات تخضع لقيادة "الحرس الثوري" الإيراني.



وتدلل هذه التطورات المتلاحقة في جنوب سورية على أن الموقف في طريقه إلى التصعيد بين فرقاء الصراع، خصوصاً أن إسرائيل تؤكد أنها لن تتوقف عن استهداف أهداف عسكرية تابعة للنظام وحلفائه الإيرانيين في سورية. ودأب الطيران الإسرائيلي على قصف أي هدف تشك تل أبيب في أن وجوده يشكل خطراً مباشراً على أمنها. كما أعلنت، الجمعة الماضي، أنها أسقطت طائرة استطلاع روسية الصنع فوق مرتفعات الجولان. ولا تعد قاعدة "الكسوة" الأولى من نوعها في سورية، إذ تؤكد مصادر مختلفة أن "الحرس الثوري" الإيراني بات، من خلال أذرعه المتعددة في سورية أبرزها "حزب الله"، القوة الضاربة في البلاد، وباتت له عدة قواعد منتشرة في عدة أماكن. وفي هذا الصدد، يؤكد المحلل العسكري السوري، العميد أحمد رحال، أنّ "المبنى الذي تحدّثت عنه هيئة الإذاعة البريطانية هو للدعم العسكري والتمويل فقط"، موضحاً أن "هناك العديد من المواقع المهمة، التي لا يستطيع حتى ضباط قوات النظام دخولها، كالمبنى الزجاجي قرب مطار دمشق الدولي، وقاعدة عزّان جنوب مدينة حلب". وأشار إلى أنّ "القوات الإيرانية تتحكّم بمعظم المطارات السورية، ولها مقرات عسكرية فيها، ما عدا مطار حميميم غربي سورية في اللاذقية الذي تتمركز فيه القوات الروسية"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "لإيران صلاحيات بإقامة نقاطها العسكرية في المناطق التي تقع في محيط العاصمة دمشق، خصوصاً بعد أن تمّ منعها من إقامة نقطة بحرية بعد التدخّل الروسي، وتقليص صلاحياتها في المناطق الساحلية".

وبرز أخيراً تطور يشي بأن إيران تخطط لوجود طويل الأمد في جنوب سورية، إذ يؤكد نشطاء أن إيران شكلت مليشيات جديدة في ريف درعا الشمالي، تحت اسم "اللواء 313" التابع لـ "الحرس الثوري" الإيراني في سورية. وكانت إيران بدأت تدخلها العسكري المباشر في سورية خلال العام الأول من الثورة، إذ دفعت بمليشيات إلى واجهة الصراع، تحت ذريعة احتمال تعرض مقام "الست زينب" جنوب دمشق للأذى، لتبدأ بعد ذلك في إنشاء عشرات المليشيات، توزعت في عموم البلاد. كما دفعت بمرتزقة من العراق وأفغانستان وبلدان أخرى إلى آتون صراع وجدت في استعاره تحقيقاً لمسعاها بالهيمنة على سورية. وتركز طهران اهتمامها على الجنوب السوري حيث العاصمة دمشق، والتي باتت متحكمة بمفاصلها، إذ باتت منطقة "الست زينب" قاعدة عسكرية لـ"الحرس الثوري" الإيراني يسيطر من خلالها على جنوب العاصمة بشكل كامل. وتسعى طهران إلى توسيع نطاق "الأمان" لمليشياتها من خلال الإبقاء على وجود لها ضمن الحدود الإدارية لمحافظتي درعا والقنيطرة، خصوصاً أنهما على تماس مع مناطق نفوذ "حزب الله" في جنوب لبنان، وهو ما يؤسس لصدام مباشر مع إسرائيل، لن يبقى الأردن بمعزل عنه في حال حدوثه. كما تسعى إيران إلى توسيع هوامش مكاسبها في أي اتفاق سياسي ينهي الصراع في سورية، من خلال المساومة على ورقة المليشيات التي زرعتها في جنوب سورية. وجاء الموقف الروسي الرافض لدفع هذه المليشيات شمالاً ليزيد الموقف تعقيداً.