مع حلول يوم الأربعاء الماضي، انتهت حقبة حكم آخر القيادات الكردية المؤسسة لحركات التمرد المسلح في شمال العراق، بعد إعلان رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، عدم رغبته في تمديد فترة رئاسته للإقليم وتنحيه عن سدة الحكم، إثر الأزمة التي عصفت بالإقليم عقب استفتاء الانفصال، الذي بات في حكم الفاشل، بعد حملة عسكرية نفذتها بغداد، بدعم من طهران وأنقرة، استردت فيها نحو 12 ألف كيلومتر مربع من الأراضي التي كانت تسيطر عليها القوات الكردية، وفرضها إجراءات عقابية اقتصادية وسياسية على الإقليم، زادت من الانقسامات داخل البيت الكردي.
ومع خروج البارزاني من الصورة الرسمية في الإقليم، ووفاة كل من جلال الطالباني ومن قبله نيشروان مصطفى وعلي عبد الله، وتولي أبنائهم مهام ومسؤوليات الأحزاب الكردية والحكومية في الإقليم، تكون مرحلة "أبناء الجبل"، التي امتدت منذ 1958 مع سقوط النظام الملكي في العراق وقيام الجمهورية ولغاية فجر الأربعاء الماضي، قد انتهت، وبدأت فعلياً مرحلة ما يمكن اعتباره "أحفاد الجبل"، ما يعني أن فراغاً سياسياً خطيراً سيحدث في إقليم كردستان، ما لم يتدارك "أحفاد الجبل" الموقف والعمل على ظهور زعامات جديدة. و"أبناء الجبل" مصطلح أطلق على القيادات الكردية خلال فترة الحراك المسلح ضد الحكومات العراقية، إذ كانت الجبال العالية في شمال العراق، مثل قنديل وكورك وسفين وغيرها، أبرز معاقلهم.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أصدرت بياناً رحبت فيه برسالة البارزاني وتنازله عن السلطة، معربة، في الوقت ذاته، عن رغبتها بالعمل مع رئيس حكومة إقليم كردستان، نجيرفان البارزاني، ونائبه قوباد الطالباني، لتجاوز التحديات، وهو ما يمكن اعتباره تصريحاً جديداً من الإدارة الأميركية حول تصدرهما الصورة الجديدة لإقليم كردستان. ويقول عضو حزب الاتحاد الكردستاني، كريم بيارة، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيل الجديد" قد يكون أقل حدة بالتعامل في ما بينهم، كما أنهم أكثر ليونة بالتعامل مع الأطراف غير الكردية، في العراق أو غيرها. ويضيف "نجيرفان هو مهندس إعادة العلاقات بين أكراد العراق وأنقرة، وكذلك تطبيع العلاقة مع إيران، وقد يكون الجيل الجديد منفتحاً أكثر، لكنه ما زال متشبعاً بفكرة الدولة المستقلة، وإن أخفاها، كونها إرثاً لا يمكن التخلي عنه، ويمكن اعتباره جينات بالوراثة"، وفقاً لقوله. إلا أن صون كول جابوك، عضو مجلس الحكم السابق في عهد الحاكم المدني الأميركي للعراق، بول بريمر، تؤكد أن ولدي جلال الطالباني، قوباد وبافل، لن يكونا كوالدهما، داعية إلى منح القيادي الكردي الذي انشق عن "الاتحاد" قبل أشهر، برهم صالح، دوراً مهماً في المستقبل لأنه ثعلب بالسياسة، بحسب قولها. وتضيف "على الجانب الآخر، في الحزب الديمقراطي الكردستاني، يوجد نجيرفان البارزاني الذي يختلف عن مسعود البارزاني".
ويحسب لنجيرفان البارزاني، وهو من عائلة مسعود البارزاني، هدوءه خلال أزمة الاستفتاء، وعدم انجراره وراء حرب التصريحات ضد بغداد، التي كان يقودها رئيس إقليم كردستان، الأمر الذي جعل أبواب الحوار معه ممكنة من قبل سلطات بغداد، بحسب مصدر حكومي عراقي مطلع أكد، لـ"العربي الجديد"، أن لا خطوط حمر لدى الحكومة إلا على رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، وبعض الشخصيات التي ساهمت بتأجيج الوضع خلال المرحلة التي سبقت وتبعت إجراء الاستفتاء. ويشير إلى أن أفول نجم القيادات الكردية التقليدية دفع بغداد للتفكير بالتواصل مع القيادات الشابة، لا سيما رئيس حكومة إقليم كردستان، نجيرفان البارزاني، الذي ورث صلاحيات مهمة من رئيس الإقليم، مبيناً أن نجيرفان أصبح اليوم الرجل الأهم في الإقليم بالوقت الحاضر. إلى ذلك، يؤكد عضو المجلس السياسي في كردستان، محمد سعد الدين، أن نجيرفان البارزاني أصبح الرجل الأول في الإقليم حالياً، موضحاً، في تصريح، أن مؤسسة رئاسة إقليم كردستان أصبحت شاغرة. ويضيف "نجيرفان البارزاني هو رئيس المؤسسة التنفيذية، ولديه غالبية صلاحيات رئيس الإقليم، فهو الرجل الأول في الإقليم"، مستدركاً "لكن سياسياً، فإن أكثرية الأحزاب ترى أن مسعود البارزاني مرجعية سياسية لهم". وبشأن ترشيح نجيرفان البارزاني لرئاسة إقليم كردستان في المستقبل، يؤكد سعد الدين أن هذا الأمر يعود إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وبرنامجه السياسي الخاص به، مبيناً أن منصب رئيس الإقليم سيبقى شاغراً إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وسيتولى رئيس حكومة كردستان أغلب الصلاحيات بحسب توزيع الاختصاصات بين رئيس الحكومة ورئاسة البرلمان ورئيس مجلس القضاء الأعلى.
ويرى المحلل السياسي الكردي، عبد الله خسرو، أن الأحزاب الكردية لن تعيد الخطأ نفسه من خلال منح جميع الصلاحيات التنفيذية إلى نجيرفان البارزاني، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، متوقعاً أن يكون لنائبه قوباد الطالباني دور مهم خلال المرحلة المقبلة لتحقيق نوع من التوازن بين أربيل التي يمثلها البارزاني، والسليمانية التي يمثلها الطالباني. ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن حتمية الوضع السياسي في إقليم كردستان تشير إلى أن المرحلة المقبلة ستُسيّر من قبل أبناء "أبناء الجبل". ونصح القوى السياسية في إقليم كردستان بدعم نجيرفان البارزاني وقوباد الطالباني، اللذين ورد اسماهما في بيان وزارة الخارجية الأميركية، التي عبرت بشكل صريح عن رغبتها بالتعامل معهما، موضحاً أن هذه الفرصة ربما تكون الأخيرة الممنوحة للأكراد من قبل أميركا والغرب، وعلى الأحزاب الكردية استغلالها قبل فوات الأوان. ونجيرفان البارزاني، المولود في العام 1966، هو حفيد مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مصطفى البارزاني، وهاجر إلى إيران مع عائلته في العام 1975 وأكمل دراسته في العلوم السياسية في جامعة طهران، وانتمى إلى "الحزب الديمقراطي" في العام 1989، وانتخب في 2006 كأول رئيس وزراء في إقليم كردستان، وانتهت ولايته في 2009، قبل أن يتم انتخابه لولاية ثانية في 2012. أما قوباد الطالباني، الذي ولد في 1977 في العاصمة السورية دمشق، فقد حصل على شهادة الهندسة من بريطانيا، وهو أحد قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني ومتزوج من سيدة الأعمال الأميركية من أصل يهودي، شيري غراهام.