وكشفت الوثائق المسربة أيضاً عن علاقات مالية مشبوهة لرجال أعمال موّلوا حملة رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو الانتخابية، وعن مصالح تجارية لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية خارج البلاد، بالإضافة لإلقاء الوثائق الضوء على نشاطات مشبوهة لـ120 مسؤولاً غربياً ومن مختلف دول العالم.
وتطرقت الوثائق لعمليات تلاعبٍ محاسبية تقوم بها الشركات العملاقة مثل "شركة آبل" للتكنولوجيا لتنفيذ عمليات تهرّبٍ ضريبي.
وبخصوص إدارة ترامب، كشفت الوثائق عن انخراط أكثر من 12 من مستشاريه ووزرائه وممولي حملته الانتخابية بعلاقات مشبوهة خارج البلاد. حيث أوضحت الوثائق أن شركة شحن يملكها وزير التجارة بإدارة ترامب، ويلبر روس، سجلت دخلاً قيمته أكثر من 68 مليون دولار منذ عام 2014 من عقودٍ مع شركة طاقة روسية يملكها جزئياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كما استخدم الوزير ويلبر روس شركته المسجلة في جزر كايمان والمسماة "نافيغاتور هولدينغز"، لإبرام عقود مع شركة الطاقة الروسية "سيبور"، التي تملكها الدولة جزئياً.
ومن بين مالكي الشركة الروسية "سيبور" صهر بوتين، كيريل شمالوف والملياردير الذي يخضع لعقوبات الولايات المتحدة منذ عام 2014، جينادي تيمشينكو، بسبب علاقاته مع بوتين. ودفعت شركة "سيبور" لشركة "نافيغاتور هولدينغز" أكثر من 23 مليون دولار في عام 2016 فقط.
وأنهى روس علاقاته مع 80 شركة عند انضمامه إلى وزراء إدارة ترامب، لكنه لا يزال يمتلك تسع شركات، منها أربع تربطه مع شركة "نافيغاتور" وعملائها الروس.
وقد وصلت الملفات الجديدة التي عُرفت بـ"وثائق بارادايز" من شركتين للخدمات تقعان في برمودا وسنغافورة، ومن 19 سجلاً للشركات تحتفظ بها حكومتان، في بلدان غالباً ما تكون بمثابة "محطات طرق خفية" في "اقتصاد الظل العالمي".
وقد حصلت على التسريبات الصحيفة الألمانية "سوديوتش تسايتونج" التي شاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وشبكة تضم أكثر من 380 صحافياً وصحيفة فى 67 دولة من بينها "هآرتس".
علاقات تجارية بين روسيا والولايات المتحدة
كشفت "وثائق باراديز" عن علاقات تجارية واسعة بين شركتين مملوكتين للكرمين وملياردير روسي بشركات أميركية كبيرة ومعروفة، ففي عام 2011 استثمر بنك VTB الروسي سراً مبلغاً قدره 191 مليون دولار في شركة "تويتر" في صفقة كان لقطب الأعمال الروسي يوري ميلنر دورٌ فيها، كما تظهر الوثائق أن شركة تابعة لغاز بروم الروسية المسيطر عليها من قبل الكرملين، موّلت شركة مرتبطة بميلنر نفسه لشراء حصة قيمتها مليار دولار أميركي في شركة "فيسبوك".
قبل ذلك كان ميلنر قد استثمر 850 مليون دولار في شركة "Cadre" للاستثمارات العقارية والتي أسسها صهر الرئيس ترامب ومستشاره، جاريد كوشنير، وميلنر هو ملياردير روسي يعيش في وادي السيليكون في الولايات المتحدة وقد تم الكشف مسبقاً عن علاقته بتويتر وفيسبوك وكوشنير، إلا أن علاقته بالكرملين لم يكشف عنها بعد.
وأكد ناطق باسم مجموعة ميلنر للاستثمارات أن بنك VTB لم يستثمر من خلال شركته في "تويتر"، وقال ميلنر نفسه أنه لم يكن على علم بانخراط "غاز بروم" في أعماله، مشيراً إلى أن أياً من استثماراته لم يكن لها جانب سياسي وأن الاستثمارات في شركة كوشنير تتم بأمواله الخاصة.
ملاذات ضريبية
الملاذات الضريبية هي بلدان يمكن فيها إخفاء امتلاك شركات مسجلة في هذه البلدان، ويكون إنشاء الشركة قانونياً تماماً، ولكن السرية تجذب غاسلي الأموال، وتجار المخدرات، والفاسدين من رجال الحكومات الذين يسلبون بلادهم، وغيرهم ممن يفضلون العمل في الظلام، ويملك هؤلاء "شركات أمامية" تمارس أعمالاً في العلن لتكون وسيلة لتفادي الضرائب وسرقة المليارات من البلد الأم.
وتعتبر "وثائق بارادايز" حلقة جديدة وراء "وثائق بنما" التي تم تسريبها في عام 2016، والتي كانت محلاً لتحقيقات صحافية قام بها صحافيو الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية وشركائه من وسائل الإعلام الدولية.
وتسلط الوثائق الجديدة الضوء على مجموعة مختلفة من الشركات في الملاذات الضريبية، بما في ذلك بعض الملاذات التي تتمتع بسمعة أنظف ولكن بكلفة أعلى، مثل جزر كايمان وبرمودا.
وتعود معظم الوثائق الجديدة إلى مكتب المحاماة الدولي "أبلباي" الذي يقع مقره في برمودا، ويشيد زبائن شركة "أبلباي" بخبرتها وكفاءتها وشبكتها المكونة من الخبراء حول العالم. وكثيراً ما تستخدمها مكاتب المحاماة الأخرى عندما تعمل في الخارج. ولكن الوثائق المسربة التي يرجع تاريخها على مدى العقود الأخيرة تشير إلى أن الشركة لم تكن متشددة حول عملائها.
وتم تسريب ما يقرب من 7 ملايين من ملفات شركة "أبلباي" والشركات التابعة لها، وهي وثائق تمتد تواريخها من الخمسينيات في القرن الماضي إلى عام 2016، وتشمل رسائل البريد الإلكتروني، واتفاقيات القروض والبيانات المصرفية لما لا يقل عن 25،000 شركة والتي تتبع لأشخاص في 180 بلداً.
ولشركة "أبلباي" مكاتب في برمودا وهونغ كونغ وشنغهاي وجزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان وغيرها من الملاذات الضريبية في الخارج، وتنتمي شركة "أبلباي" إلى جمعية غير رسمية من كبرى شركات المحاماة العالمية. وكانت الشركة محمية باسمها الجيد لمدة قرن تقريباً، الأمر الذي جنبها الفضيحة. لكن الملفات تكشف أنها قدمت خدمات للعملاء المشكوك فيهم، مثل إيران وروسيا وليبيا.
لم تقم شركة "أبلباي" بالرد على أسئلة الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، على الرغم من أنها نشرت بياناً على موقعها، قالت فيه: "لقد قامت أبلباي بتحقيق دقيق في الادعاءات، ونحن مقتنعون بأنه لا يوجد دليل على أي مخالفة، سواء من جانبنا أو من جانب عملائنا".
وقالت الشركة أيضاً أنه "نحن نعمل تحت ولاية قضائية عالية التنظيم ومثل جميع المنظمات المهنية في منطقتنا، نحن نخضع لفحوص تنظيمية متكررة".
وتكشف الوثائق المسربة كذلك عن طائرات تجسس اشترتها الإمارات العربية المتحدة من شركة في جزيرة باربادوز، وهذه الشركة التي تصنع المتفجرات يملكها مهندس كندي حاول بناء مدفع ضخم لصالح الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
أسرار من غرفة الإدارة
بالإضافة لأعمال شركة "أبلباي" في خدمة مصالح أغنى أغنياء العالم، فإنها تعطي المشورة القانونية للشركات التي تسعى لدفع ضرائب أقل. الشركة ليست مستشار ضرائب، ولكن لديها حصة إشراف كبيرة على الكشوف الضريبية المستخدمة من قبل الشركات في جميع أنحاء العالم.
وتكشف الملفات أن شركة "آبل" للتكنولوجيا، وهي أكثر الشركات ربحية في الولايات المتحدة، تبحث عن ملاذ ضريبي جديد في أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي بعد أن وجد تحقيق في مجلس الشيوخ أن عملاق التكنولوجيا قد تجنب دفع عشرات المليارات من الدولارات كضرائب عن طريق نقل الأرباح لشركة تابعة له في أيرلندا.
"أبلباي" هي حلقة في سلسلة شركات تساعد نجوم الرياضة ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين لشراء الطائرات الخاصة واليخوت وغيرها. حيث ساعد خبراء في الملاذات الضريبية أركادي وبوريس روتنبرغ، وهما مليارديران روسيان وأصدقاء طفولة لبوتين، بشراء طائرات تبلغ قيمتها أكثر من 20 مليون دولار في عام 2013. في العام التالي، وضعت أميركا الأخوين على القائمة السوداء بسبب دعمهما بوتين وعملهما مع الحكومة الروسية.
عروض "بوربوينت" أعدها في الأصل موظف في "أبلباي"، وغيرها من الوثائق، تبين أن من بين عملاء "أبلباي" مسؤولاً باكستانياً فاسداً، وابنين للدكتاتور الاندونيسي سوهارتو، وتاجراً مزعوماً لـ"ألماس الدم".
في بعض الأحيان أبلغت شركة "أبلباي" عن شكوك تتعلق بزبائنها للسلطات، كما يقتضي القانون، ولكن في حالات أخرى، ظلت تخدم عملاء مشكوكاً فيهم لسنوات من دون أن يلحظ أي أحد ذلك.