أكد مكتب الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، لـ"العربي الجديد"، أن "المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، لن يسعى للترشح لولاية ثانية في منصبه".
جاء هذا التأكيد في اتصال على لسان الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إذ قال دوجاريك: "لقد أعلم السيد رعد بن الحسين الأمين العام للأمم المتحدة بالموضوع الأسبوع الماضي، ونرغب بالتأكيد على أن المفوض السامي حظي دائماً بالدعم الكامل من قبل الأمين العام".
ولم يصدر حتى اللحظة أي تصريح أو بيان رسمي عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. لكن الخبر جاء للمرة الأولى اليوم في مجلة "فورن بوليسي" الأميركية، التي أشارت إلى أن المفوض السامي بعث صباح الأربعاء بإيميل للعاملين معه يشرح فيه أسباب قراره عدم الترشح لولاية ثانية قائلاً: "قررت أن لا أسعى لتفويض عن فترة ثانية، نظراً إلى الوضع الجغرافي-السياسي الحالي الذي يشهده العالم، والذي يتطلب الركوع والتغاضي عن بيانات وتصريحات عامة، كما الحد من استقلاليتي وصوتي كمفوض لحقوق الإنسان، ذلك الصوت الذي هو صوتكم".
وكان لافتاً إعلان مكتب الأمين العام وقوفه وراء زيد بن رعد بن الحسين، على الأقل شكلياً، حيث تتعالى الانتقادات لمكتب الأمين العام، لأن غوتيريس يحاول الابتعاد عن أي اشتباك مع الإدارة الأميركية وغيرها من الدول النافذة. في المقابل، حاول المفوض السامي لحقوق الإنسان التطرق للعديد من الأمور الحساسة وانتقاد رؤساء الدول والسياسات التي تخرق حقوق الإنسان.
وكان واضحاً التضارب بين مواقفه ومواقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس. فغوتيريس رفض في أكثر من مناسبة إطلاق أي تصريحات قد تغضب الدول الكبرى أو ذات التأثير القوي في الأمم المتحدة بسبب موقعها الدولي أو أموالها. أما المفوض السامي فكان أكثر وضوحاً مما أحرج في أكثر من مرة الأمين العام، الذي يحاول أن يمسك العصا من الوسط دون فائدة، لأنها تميل في الغالب ناحية الجهات المتطرفة على الساحة الدولية.
وانتقد زيد بن رعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشدة، حتى قبل أن يفوز بالرئاسة الأميركية نهاية العام الماضي. وقال في أحد تصريحاته إن "ترامب ينشر تعصباً عرقياً ودينياً خطيراً"، كما حذر من تصاعد نبرة اليمين المتطرف والشعبوي في الولايات المتحدة وأوروبا إلى العنف، واتهمه باستخدام أساليب ترهيب تشبه تلك التي يستخدمها تنظيم "داعش" الإرهابي، ذاكراً إضافة إلى ترامب، كلاً من مارين لوبان في فرنسا ونايجل فارج في بريطانيا والهولندي خيرت فيلدرز.
أما أبرز تصريحاته في الآونة الأخيرة فكانت انتقاداً شديداً لقرار الولايات المتحدة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إضافة إلى تصريحاته، كمفوض لحقوق الإنسان، حول مقتل الفلسطينيين والسجن والتعذيب الذي يعانون منه تحت الاحتلال. وعبر في بيان له، الثلاثاء، عن صدمته إزاء مقتل الفلسطيني إبراهيم نايف إبراهيم أبو ثريا في غزة المحتلة، واصفاً إياه بـ"اللاإنساني والذي لا يمكن استيعابه".
وكانت ساقا أبو ثريا قد بترتا من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، وقُتل برصاصة أصابته في الرأس وهو على السياج الحدودي مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 (إسرائيل)، عندما كان يتظاهر ضد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
وبخصوص الوضع في اليمن، فقد انتقد في أكثر من مناسبة ما يجري هناك من خروقات لحقوق الإنسان. وفي العام الماضي، عيّن لجنة من المختصين وقال في بيانه حول تعيينها "على مدى ثلاث سنوات، كان الشعب اليمني عرضة للقتل والدمار واليأس، لذلك من الضروري أن يتم تقديم الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات والتجاوزات إلى المساءلة".
ثم أضاف: "يشكل تأسيس الفريق خطوة مهمة من أجل المساءلة والقضاء على الإفلات من العقاب في ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ترتكبها كل الأطراف في اليمن وسط تدهور الأزمة الإنسانية في البلاد، ومن أجل ضمان حصول الضحايا على العدالة والتعويضات". ويتألف الفريق من كمال الجندوبي (تونس) رئيساً وعضوين هما تشارلز غاراوي (المملكة المتحدة) وميليسا باركي (أستراليا).
أما بالنسبة لميانمار والجرائم التي تُرتكب هناك، فلم يتردد في اعتبارها "تطهيراً عرقياً"، في الوقت الذي تردد الأمين العام للأمم المتحدة وصفها بذلك على الرغم من إدانتها.
يأتي كل ذلك في وقت هددت فيه الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان بدعوى أنه "يدين إسرائيل" فقط. وتكشف مجلة "فورين لوليسي" في تقريرها الأخير أن غوتيريس طلب من زيد بن رعد التخفيف من حدة لهجته في تصريحاته.
رسمياً، أكدت الناطقة باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان في نيويورك، رافينا شامداساني، المعلومات الواردة حول الإيميل الذي أرسله إلى فريق عمله، لكن أصرت على أنه لم يستقلْ رداً على سؤال حول الموضوع لمكتب "العربي الجديد" في نيويورك.
يذكر أن المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين كان قد تقلد منصبه في أيلول/سبتمبر عام 2014 بعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون.
وكان سابع شخص يتولى المنصب، الذي يتم التجديد له عادة لولاية ثانية، وكان أول شخص عربي ومسلم ومن آسيا يتقلد هذا المنصب. وإضافة إلى تقلده العديد من المناصب الدبلوماسية رفيعة المستوى كسفير لبلاده، الأردن، في واشنطن وللأمم المتحدة في نيويورك، فقد لعب دوراً مهماً على صعيد حقوق الإنسان في منظمات الأمم المتحدة المختلفة، بحسب الأمم المتحدة نفسها، وهو متخصص في "مجالات العدالة الجنائية الدولية، والقانون الدولي، وعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وبناء السلام بعد النزاعات، والتنمية الدولية، ومكافحة الإرهاب النووي".
وقد لعب دوراً مركزياً في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، حيث ترأس المفاوضات المعقدة لتحديد أركان كل جريمة من الجرائم التي تبلغ حد الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وأصبحت المحاكم في شتى أنحاء العالم تستشهد الآن بتعريف "الجرائم ضد الإنسانية"، بعد أن فُصِّلت "أركانها"، باعتباره تعريفاً ذا حجية.