أجمعت تقديرات إسرائيلية على أن الغارة التي استهدفت قاعدة عسكرية غرب دمشق ليلة السبت، تأتي ضمن محاولة حكومة تل أبيب ردع إيران عن التمركز عسكرياً في سورية.
وبحسب جنرالات متقاعدين ومعلّقين عسكريين في تل أبيب، فإن الغارة تحمل في طياتها أيضاً العديد من الرسائل للقوى العظمى، التي "لم تحرّك ساكناً" ضد التمركز الإيراني في سورية، فضلاً عن أنها تمثل في الوقت ذاته تطميناً للقوى الإقليمية العربية "السنية" بأنه يمكن الركون إلى إسرائيل كقوة إقليمية قادرة على مواجهة النفوذ الإيراني.
واعتبر الجنرال عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" الأسبق، أن عملية القصف تمثل "رسالة واضحة للإيرانيين الذين يحاولون بناء قواعد عسكرية في سورية لهم، وللمليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانبهم، بأن هناك خطوطاً حمراء حقيقية، لن تسمح إسرائيل بتجاوزها".
وفي سلسلة تغريدات نشرها اليوم الأحد على حسابه على "تويتر"، اعتبر يادلين، الذي يرأس حالياً "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، أن الغارة تمثل رسالة "للقوى العظمى التي لا يبدو أنها معنية بتحريك ساكن، من أجل طرد الإيرانيين من سورية".
ووفق الجنرال الإسرائيلي، فإن الغارة توضح لكل الأطراف التي ترى في الحفاظ على نظام بشار الأسد مصلحة لها، أن تل أبيب قادرة على المسّ باستقرار هذا النظام.
ولم تفت يادلين الإشارة إلى أن الغارة تحمل تطميناً للقوى العربية "السنية" بأن إسرائيل هي القوة الإقليمية، القادرة على مواجهة إيران، واستهداف وجودها في المنطقة.
بدوره، رأى عاموس هارئيل، المعلق العسكري في صحيفة "هارتس"، أن الغارة "تمثل رسالة شديدة الوضوح للقوى الدولية، بأنه لا يجدر بها تجاهل خارطة المصالح الإسرائيلية في سورية".
يُذكر أن الغارة قد جاءت بعيد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في تسجيل مصوّر نشره على حسابه على "تويتر"، أن إسرائيل لن تسمح لإيران بالتمركز في سورية.
إلى ذلك، لاحظ ألون بن دافيد، المعلّق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، أن الغارة تعدّ الأولى التي تستهدف هدفاً إيرانياً "خالصاً" في سورية، مشيراً إلى أنها "جاءت لتأكيد خط أحمر تصر إسرائيل على عدم تجاوزه، ويتمثل في أنه لا يمكنها أن تسمح بوجود قوات إيرانية أو شيعية، على مسافة أقل من 40 كلم من الحدود".
وفي تعليق كتبه اليوم على حسابه على "تويتر" أوضح بن دافيد أن إسرائيل حرصت على استهداف القاعدة الإيرانية قبل أن يتم جلب قوات إيرانية للتمركز فيها.
وفي السياق، لفتت صحيفة "يسرائيل هيوم" الأنظار إلى أن إسرائيل مهّدت للقيام بهذه الغارة من خلال الإفراج عن مواد استخبارية أسهمت في تمكين شبكة "بي بي سي" البريطانية قبل شهر من عرض صور تُظهر وجود القاعدة العسكرية الإيرانية، التي جرى استهدافها.
واعتبرت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم أن "عرض هذه الصور جاء لإضفاء شرعية على أية عملية إسرائيلية لاستهدافها".
أما يوسي ميلمان، معلّق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف" فرأى أن الغارة تمثل بشكل خاص رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها بأن إسرائيل لن تتردّد في العمل ضد المصالح الروسية في حال تناقضت مع مصالحها.
وفي مقال نشرته الصحيفة اليوم، أوضح ميلمان أن قائمة الخطوط الحمراء الإسرائيلية في سورية تعاظمت مع مرور الوقت، مشيراً إلى أنها كانت تضم المنطلقات الآتية: "عدم التدخل في الحرب الأهلية الدائرة في سورية، الحفاظ على الهدوء على الحدود، رد محدود على كل إطلاق نار أو قذائف تسقط بشكل غير مقصود على المستوطنات في الجولان، بما يضمن احترام السيادة الإسرائيلية، واستغلال الفرص لشن غارات بهدف منع نقل السلاح لحزب الله".
وأشار إلى أن إسرائيل أضافت ثلاثة خطوط حمراء جديدة خلال نصف العام الماضي، وهي: "منع إيران أو المليشيات الشيعية من الاقتراب من الحدود على مسافة تقل عن 40 كلم، إحباط مخططات إيران لبناء قواعد جوية وبحرية، ومنع قوى المعارضة السورية من المس بالدروز في جنوب سورية".
كذلك، لفت يوآف ليمور، المعلّق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من ديوان نتنياهو، الأنظار إلى أن الغارة تمثل تحدياً لكل القوى الدولية والإقليمية، التي أسهمت في التوصل لاتفاقات وقف إطلاق النار في سورية.
وأشار ليمور إلى أن إسرائيل طالبت بأن تكون كل المناطق التي تقع على مسافة 40 كلم من الحدود منزوعة السلاح، في حين أن هذه الاتفاقات ضمنت فقط أن يتم نزع السلاح في المناطق التي تقع على مسافة 5 كلم.
وبحسب ليمور، فإن انتهاء المعارك داخل سورية قلّص هامش المناورة أمام تل أبيب، مشيراً إلى أن الحرب الأهلية التي كانت دائرة ساعدت إسرائيل على القيام بكثير من العمليات السرية بصمت، ومن دون إثارة ضجيج.
وفي المقابل، فقد رأت بعض وسائل الإعلام أن تبرير شن الغارة بأنها تستهدف النفوذ الإيراني يتناقض مع تأكيد وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قبل أسبوع بأن إيران لا تحتفظ بقوات عسكرية في سورية.
وفي افتتاحية عدد اليوم، تساءلت "هآرتس" عن مغزى التناقض في التقديرات الإسرائيلية الرسمية، بشأن الوجود الإيراني في سورية، محذرة من مغبّة أن تقدم القيادة السياسية في تل أبيب على توريط الإسرائيليين في حرب لا مبرّر لها.