فتح إعلان الرئيس السوداني عمر البشير عدم رغبته في الاستمرار في الحكم والترشح للانتخابات المقبلة المقررة عام 2020، الجدل واسعاً في الأوساط السودانية، لا سيما أنها لم تكن المرة الأولى التي يُعلن البشير فيها التنحي، فقد سبق أن جزم أنه لن يخوض انتخابات 2015، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك.
وجزم مقربون من البشير برغبته في عدم الاستمرار في الحكم بالنظر إلى الفترة الكبيرة التي قضاها في الحكم (يكمل في 2020 ثلاثين عاماً) كأول رئيس سوداني يقضي تلك الفترة، إلى جانب ظروفه الصحية، إذ سبق أن أصيب بورم في الحلق ونصحه الأطباء بالتقليل من الخطابات الجماهيرية، فضلاً عن خضوعه لعمليات جراحية تتصل بتغيير الركب، أثرت في سيره، كما أجرى الشهر الماضي عملية قسطرة في القلب.
ورأى مراقبون أن عقبات كبيرة تقف أمام تنفيذ رغبة البشير في التنحي، أهمها مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وتخوفاته من أن يعمد خليفته إلى تسليمه إلى المحكمة الجنائية، فضلاً عن ارتباط وجوده في الحكم بمصالح بعض المحيطين به.
وفي عدد من الحوارات، التي أجريت مع البشير خلال الفترة الأخيرة، أكد عدم رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة، جازماً أن الدستور نفسه لا يعطيه الحق في الترشح، إذ حدد فترة الحكم بولايتين. وقبيل الانتخابات الماضية في 2015، حدث جدل دستوري بشأن إعادة ترشح البشير، لا سيما أن الدستور الانتقالي الذي أقر بعد اتفاقية السلام الشامل التي وقّعتها الحكومة مع "الحركة الشعبية" بقيادة الراحل جون قرنق عام 2005، حدد فترة رئيس الجمهورية بولايتين، وحاول البعض احتساب فترة رئاسة البشير للفترة الانتقالية التي امتدت لست سنوات إضافة مع فوزه بانتخابات 2010 أثناء الفترة الانتقالية باعتبارها ولايتين، وحرمانه من الترشح للانتخابات الأخيرة، إلا أن حزب "المؤتمر الوطني" دحض تلك التفسيرات ورأى أن الولايتين التي حددهما الدستور تُحتسبان من انتخابات 2010.
لكن محللين رأوا أن تنحي البشير عن الحكم ربما هو ضرب من الخيال، في وجود مذكرة التوقيف من الجنائية الدولية، فضلاً عن قناعة حزب "المؤتمر الوطني" بأن رمزيته في البشير وأن الحزب من دونه من شأنه أن يتشرذم وينتهي إذ يستمد قوته من البشير، فضلاً عن غياب البديل داخل الحزب الحاكم، إضافة إلى نفوذ المستفيدين من بقاء البشير في الحكم، مرجحين أن يعمد الحزب الحاكم نحو تعديل الدستور ليتناسب مع إعادة ترشيحه.
لكن آخرين رأوا أن تنحي البشير عن الحكم بات واقعاً، وأن هناك مؤشرات لذلك، فضلاً عن تفاهمات دولية وإقليمية، تبلورت في صفقة يُنتظر أن تكتمل حلقاتها بإحداث تسوية سياسية للأزمات السودانية والحروب في ولايات دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتحقيق مشاركة في الحكم تضم المعارضة المسلحة والسلمية، مقابل التزامات دولية بتسوية ملف الجنائية الدولية، وفك الحصار عن البلاد، لا سيما أن لمجلس الأمن الدولي الحق في تجميد ملف الجنائية في أي وقت في حال اقتناعه بتأثيراتها على الاستقرار في البلد المعني والإقليم.
ووفق مصادر داخل حزب "المؤتمر الوطني"، فإن البشير عمد نحو إعداد خليفته منذ عملية التعديل الكبيرة التي أجراها في الحكومة عام 2013، والإطاحة بشخصيات نافذة ظلت في الحكم لعشرين عاماً، وهم ما يُعرف بـ"صقور النظام"، بينهم النائب الأول للرئيس السابق، علي عثمان محمد طه، ومجموعة أخرى من الإسلاميين. وأكدت المصادر أن هناك قراراً حبيس الأدراج حدد النائب الأول للرئيس، بكري حسن صالح، كبديل للبشير في الحكم ورئاسة حزب "المؤتمر الوطني". ونقل البشير وفق المصادر نفسها، جزءاً كبيراً من صلاحياته لنائبه صالح، الذي يعد من الشخصيات القليلة التي يثق فيها الرئيس السوداني، فضلاً عن أنه واحد من قيادات مجلس الثورة، الذين قادوا انقلاب الإنقاذ عام 1989، وأدى دوراً محورياً فيه، إضافة إلى انتمائه إلى القوات المسلحة.
وفي الفترة الأخيرة انتقل صالح من مربع الصمت، إذ لم يُسمع له صوت طيلة الفترة التي تقلد خلالها منصب وزير في رئاسة الجمهورية، وظل طيلة فترة حكم النظام الحالي بعيداً عن الأضواء، على الرغم من أنه بقي يدير ملفات أمنية مهمة.
ورأى القيادي في حزب "المؤتمر الوطني"، قطبي المهدي، في تصريح له، أن تنفيذ رغبة البشير في عدم الترشح للرئاسة مرة أخرى مع بقاء الأوضاع في وضعها الراهن سيفوت فرصة بناء دولة جديدة، مضيفاً: "لن يتحقق ذلك إلا بعد وقوع مصائب لا أول لها ولا آخر، بالنظر لعدم تماسك البلاد وتشتتها ومواجهتها لعدد من المشاكل". وأشار إلى ضرورة أن يقوم البشير قبل مغادرته السلطة ببناء أجهزة تساعد على بناء دولة جديدة، وشدد على أن "المطلوب منه أن يؤسس نظاماً متماسكاً يستطيع تحمل تحديات المرحلة الجديدة".
اقــرأ أيضاً
لكن مراقبين رأوا أن ابتعاد البشير عن السلطة من شأنه أن يفتح باب الصراع داخل حزب "المؤتمر الوطني"، بالنظر لأطماع قيادات في الحزب بالحكم، ما يمكن أن يهدد باستقرار الحزب ويقود إلى انقلابات يقودها أقطاب النظام.
واعتبر المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أنه في الظروف الراهنة يمكن أن يتخلى البشير عن الترشح في الانتخابات المقبلة لأسباب ذاتية وأخرى تتصل بعامل السن، وباكتفائه بالفترة التي قضاها في الحكم، لافتاً إلى أن البشير خلال الأعوام الثلاثة الماضية عمد إلى تقديم بديله الممثل في نائبه الأول، بكري حسن صالح، وتعريفه للناس عبر الخطابات الجماهيرية التي يلقيها بدلاً عنه في أحيان كثيرة، فضلاً عن احتكاكه الكبير بالحكم ومقتضياته إلى جانب تصاعد أداء الرجل سياسياً وجماهيرياً. وأضاف: "عملياً سيكون صالح جاهزاً بتاريخ الانتخابات المعلنة، إذ سيكون قد باشر مهام الحكم لستة أعوام وإن كان بطريقة غير مباشرة، كما يُنتظر أن يمسك الحكم في ظروف أفضل بالنظر إلى الضغوط الدولية والإقليمية لإحداث تسوية سياسية داخلية وإنهاء الحروب في مناطق النزاع المختلفة".
ورأى أبو الجوخ أن البشير بدأ في تهيئة الوضع لخليفته بوضع البلاد في وضع إقليمي أفضل وإنهاء العزلة، مستبعداً تماماً أن يواجَه اختياره بعقبات من الحزب بالنظر لانتهاء دور وتأثيرات "المؤتمر الوطني" كحزب وإحكام قبضة البشير على مجريات الأمور، مشيراً إلى أن خروج قادة حزب "المؤتمر الوطني" إلى العلن ومحاولة نفيهم تهميش الحزب تأكيد للخطوة. وأضاف: "لذلك لا أعتقد أن الحزب يملك حق اختيار الرئيس أو عرقلة الأمر، وإنما كل ما سيفعله سينظر إلى أين سيمضي الرئيس الجديد وسيمضي معه، فهو خارج المعادلة أساساً".
وتوقع مراقبون أن تشهد البلاد خلال الفترة المقبلة تغييرات كبيرة تطيح بشعارات كان يرفعها النظام الحالي عند وصوله إلى الحكم، تتصل بقضايا الشريعة، وتطيح بآمال إسلاميي الحزب بالعودة إلى السلطة بشكل نهائي. وفعلاً بدأ بعض الإسلاميين داخل وخارج حزب "المؤتمر الوطني" بدق ناقوس الخطر بزوال سلطتهم، خصوصاً بعد القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قبيل مغادرته البيت الأبيض بتجميد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم منذ عشرين عاماً، ورهن الرفع الكامل بفترة ستة أشهر يكون خلالها النظام تحت التقييم.
وعبّر القيادي في حزب "المؤتمر الوطني"، قطبي المهدي، عن تخوّفه من أن يكون التنازل عن الشريعة "برنامج النظام" ثمناً لتجميد العقوبات، مؤكداً في تصريح صحافي أن خلاف النظام مع واشنطن منذ البداية كان حول الشريعة، معتبراً أن "الولايات المتحدة كانت منزعجة من وجود بعض الوجوه الإسلامية داخل مجلس الوزراء، وكانت ترغب في وجود بسيط للإسلاميين في الحكومة باعتبار أن إخراجهم بشكل كامل من شأنه أن يعيدهم إلى السلطة، وهي تطمح إلى تقليل حجمهم فقط".
من جهته، رجّح رئيس حركة "الإصلاح الآن"، المنشق حديثاً عن "المؤتمر الوطني"، غازي صلاح الدين، أن تكون واشنطن قد أخذت تفويضاً كاملاً بتصفية المشاريع الخاصة بالنظام سواء الاقتصادية أو الدينية أو الثقافية أو غيرها، منبّهاً خلال ندوة أقيمت في الخرطوم من حدوث تحوّل كبير داخل الدولة، مضيفاً: "كما قال لي أحد المتنفذين في السلطة: نحن صفرنا الإنقاذ".
وقال المحلل السياسي والقيادي في "المؤتمر الشعبي"، أبو بكر عبدالرازق، إن "أوساطاً بدأت تتداول معلومات بشأن تنازل الحكومة عن الشريعة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، لكن الواضح أن الحكومة ظلت تحتفظ بالشريعة في الوجود الكتابي القانوني، في صياغة قانون أصول الأحكام القضائية، ولم تهتم بتطبيق الشريعة في نواحي الحياة الأخرى، كالحريات ومحاربة الفقر وغيرها من القضايا"، لكنه جزم باستحالة تنازل الحكومة بشكل رسمي عن الشريعة، باعتبار أن الخطوة بمثابة انتحار بالنظر لارتباط مشروعيتها السياسية بولائها للشريعة فضلاً عن الجماهير.
ولفت إلى أن "هذه الخطوة في حال حدوثها ستؤثر في مواقف المؤتمر الشعبي من المشاركة في الحكومة، ولا أعتقد أن الحكومة ستضحي بهذا الكم لإرضاء أميركا، لأنها سبق أن قدّمت تنازلات، بينها انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة، فضلاً عن شق الحركة الإسلامية وطرد الإسلاميين من السلطة، من دون أن تجد مقابلاً". وأكد أن قرار العقوبات مرتبط بمصالح واشنطن في السودان ولا علاقة له بالحكومة، لا سيما أنها لا تريد أن يصبح السودان سوقاً للصين تسيطر عليه إلى جانب اقتناع الولايات المتحدة بعدم تأثر الحكومة بالعقوبات من الأساس، وأنها تمس المواطن مباشرة، إضافة إلى عدم رغبتها في إيجاد دولة فاشلة إلى جانب دولة الجنوب، مما جعلها تنحو نحو استقرار البلاد.
وجزم مقربون من البشير برغبته في عدم الاستمرار في الحكم بالنظر إلى الفترة الكبيرة التي قضاها في الحكم (يكمل في 2020 ثلاثين عاماً) كأول رئيس سوداني يقضي تلك الفترة، إلى جانب ظروفه الصحية، إذ سبق أن أصيب بورم في الحلق ونصحه الأطباء بالتقليل من الخطابات الجماهيرية، فضلاً عن خضوعه لعمليات جراحية تتصل بتغيير الركب، أثرت في سيره، كما أجرى الشهر الماضي عملية قسطرة في القلب.
وفي عدد من الحوارات، التي أجريت مع البشير خلال الفترة الأخيرة، أكد عدم رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة، جازماً أن الدستور نفسه لا يعطيه الحق في الترشح، إذ حدد فترة الحكم بولايتين. وقبيل الانتخابات الماضية في 2015، حدث جدل دستوري بشأن إعادة ترشح البشير، لا سيما أن الدستور الانتقالي الذي أقر بعد اتفاقية السلام الشامل التي وقّعتها الحكومة مع "الحركة الشعبية" بقيادة الراحل جون قرنق عام 2005، حدد فترة رئيس الجمهورية بولايتين، وحاول البعض احتساب فترة رئاسة البشير للفترة الانتقالية التي امتدت لست سنوات إضافة مع فوزه بانتخابات 2010 أثناء الفترة الانتقالية باعتبارها ولايتين، وحرمانه من الترشح للانتخابات الأخيرة، إلا أن حزب "المؤتمر الوطني" دحض تلك التفسيرات ورأى أن الولايتين التي حددهما الدستور تُحتسبان من انتخابات 2010.
لكن محللين رأوا أن تنحي البشير عن الحكم ربما هو ضرب من الخيال، في وجود مذكرة التوقيف من الجنائية الدولية، فضلاً عن قناعة حزب "المؤتمر الوطني" بأن رمزيته في البشير وأن الحزب من دونه من شأنه أن يتشرذم وينتهي إذ يستمد قوته من البشير، فضلاً عن غياب البديل داخل الحزب الحاكم، إضافة إلى نفوذ المستفيدين من بقاء البشير في الحكم، مرجحين أن يعمد الحزب الحاكم نحو تعديل الدستور ليتناسب مع إعادة ترشيحه.
لكن آخرين رأوا أن تنحي البشير عن الحكم بات واقعاً، وأن هناك مؤشرات لذلك، فضلاً عن تفاهمات دولية وإقليمية، تبلورت في صفقة يُنتظر أن تكتمل حلقاتها بإحداث تسوية سياسية للأزمات السودانية والحروب في ولايات دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتحقيق مشاركة في الحكم تضم المعارضة المسلحة والسلمية، مقابل التزامات دولية بتسوية ملف الجنائية الدولية، وفك الحصار عن البلاد، لا سيما أن لمجلس الأمن الدولي الحق في تجميد ملف الجنائية في أي وقت في حال اقتناعه بتأثيراتها على الاستقرار في البلد المعني والإقليم.
ووفق مصادر داخل حزب "المؤتمر الوطني"، فإن البشير عمد نحو إعداد خليفته منذ عملية التعديل الكبيرة التي أجراها في الحكومة عام 2013، والإطاحة بشخصيات نافذة ظلت في الحكم لعشرين عاماً، وهم ما يُعرف بـ"صقور النظام"، بينهم النائب الأول للرئيس السابق، علي عثمان محمد طه، ومجموعة أخرى من الإسلاميين. وأكدت المصادر أن هناك قراراً حبيس الأدراج حدد النائب الأول للرئيس، بكري حسن صالح، كبديل للبشير في الحكم ورئاسة حزب "المؤتمر الوطني". ونقل البشير وفق المصادر نفسها، جزءاً كبيراً من صلاحياته لنائبه صالح، الذي يعد من الشخصيات القليلة التي يثق فيها الرئيس السوداني، فضلاً عن أنه واحد من قيادات مجلس الثورة، الذين قادوا انقلاب الإنقاذ عام 1989، وأدى دوراً محورياً فيه، إضافة إلى انتمائه إلى القوات المسلحة.
وفي الفترة الأخيرة انتقل صالح من مربع الصمت، إذ لم يُسمع له صوت طيلة الفترة التي تقلد خلالها منصب وزير في رئاسة الجمهورية، وظل طيلة فترة حكم النظام الحالي بعيداً عن الأضواء، على الرغم من أنه بقي يدير ملفات أمنية مهمة.
ورأى القيادي في حزب "المؤتمر الوطني"، قطبي المهدي، في تصريح له، أن تنفيذ رغبة البشير في عدم الترشح للرئاسة مرة أخرى مع بقاء الأوضاع في وضعها الراهن سيفوت فرصة بناء دولة جديدة، مضيفاً: "لن يتحقق ذلك إلا بعد وقوع مصائب لا أول لها ولا آخر، بالنظر لعدم تماسك البلاد وتشتتها ومواجهتها لعدد من المشاكل". وأشار إلى ضرورة أن يقوم البشير قبل مغادرته السلطة ببناء أجهزة تساعد على بناء دولة جديدة، وشدد على أن "المطلوب منه أن يؤسس نظاماً متماسكاً يستطيع تحمل تحديات المرحلة الجديدة".
لكن مراقبين رأوا أن ابتعاد البشير عن السلطة من شأنه أن يفتح باب الصراع داخل حزب "المؤتمر الوطني"، بالنظر لأطماع قيادات في الحزب بالحكم، ما يمكن أن يهدد باستقرار الحزب ويقود إلى انقلابات يقودها أقطاب النظام.
واعتبر المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أنه في الظروف الراهنة يمكن أن يتخلى البشير عن الترشح في الانتخابات المقبلة لأسباب ذاتية وأخرى تتصل بعامل السن، وباكتفائه بالفترة التي قضاها في الحكم، لافتاً إلى أن البشير خلال الأعوام الثلاثة الماضية عمد إلى تقديم بديله الممثل في نائبه الأول، بكري حسن صالح، وتعريفه للناس عبر الخطابات الجماهيرية التي يلقيها بدلاً عنه في أحيان كثيرة، فضلاً عن احتكاكه الكبير بالحكم ومقتضياته إلى جانب تصاعد أداء الرجل سياسياً وجماهيرياً. وأضاف: "عملياً سيكون صالح جاهزاً بتاريخ الانتخابات المعلنة، إذ سيكون قد باشر مهام الحكم لستة أعوام وإن كان بطريقة غير مباشرة، كما يُنتظر أن يمسك الحكم في ظروف أفضل بالنظر إلى الضغوط الدولية والإقليمية لإحداث تسوية سياسية داخلية وإنهاء الحروب في مناطق النزاع المختلفة".
ورأى أبو الجوخ أن البشير بدأ في تهيئة الوضع لخليفته بوضع البلاد في وضع إقليمي أفضل وإنهاء العزلة، مستبعداً تماماً أن يواجَه اختياره بعقبات من الحزب بالنظر لانتهاء دور وتأثيرات "المؤتمر الوطني" كحزب وإحكام قبضة البشير على مجريات الأمور، مشيراً إلى أن خروج قادة حزب "المؤتمر الوطني" إلى العلن ومحاولة نفيهم تهميش الحزب تأكيد للخطوة. وأضاف: "لذلك لا أعتقد أن الحزب يملك حق اختيار الرئيس أو عرقلة الأمر، وإنما كل ما سيفعله سينظر إلى أين سيمضي الرئيس الجديد وسيمضي معه، فهو خارج المعادلة أساساً".
وتوقع مراقبون أن تشهد البلاد خلال الفترة المقبلة تغييرات كبيرة تطيح بشعارات كان يرفعها النظام الحالي عند وصوله إلى الحكم، تتصل بقضايا الشريعة، وتطيح بآمال إسلاميي الحزب بالعودة إلى السلطة بشكل نهائي. وفعلاً بدأ بعض الإسلاميين داخل وخارج حزب "المؤتمر الوطني" بدق ناقوس الخطر بزوال سلطتهم، خصوصاً بعد القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قبيل مغادرته البيت الأبيض بتجميد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم منذ عشرين عاماً، ورهن الرفع الكامل بفترة ستة أشهر يكون خلالها النظام تحت التقييم.
من جهته، رجّح رئيس حركة "الإصلاح الآن"، المنشق حديثاً عن "المؤتمر الوطني"، غازي صلاح الدين، أن تكون واشنطن قد أخذت تفويضاً كاملاً بتصفية المشاريع الخاصة بالنظام سواء الاقتصادية أو الدينية أو الثقافية أو غيرها، منبّهاً خلال ندوة أقيمت في الخرطوم من حدوث تحوّل كبير داخل الدولة، مضيفاً: "كما قال لي أحد المتنفذين في السلطة: نحن صفرنا الإنقاذ".
وقال المحلل السياسي والقيادي في "المؤتمر الشعبي"، أبو بكر عبدالرازق، إن "أوساطاً بدأت تتداول معلومات بشأن تنازل الحكومة عن الشريعة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، لكن الواضح أن الحكومة ظلت تحتفظ بالشريعة في الوجود الكتابي القانوني، في صياغة قانون أصول الأحكام القضائية، ولم تهتم بتطبيق الشريعة في نواحي الحياة الأخرى، كالحريات ومحاربة الفقر وغيرها من القضايا"، لكنه جزم باستحالة تنازل الحكومة بشكل رسمي عن الشريعة، باعتبار أن الخطوة بمثابة انتحار بالنظر لارتباط مشروعيتها السياسية بولائها للشريعة فضلاً عن الجماهير.
ولفت إلى أن "هذه الخطوة في حال حدوثها ستؤثر في مواقف المؤتمر الشعبي من المشاركة في الحكومة، ولا أعتقد أن الحكومة ستضحي بهذا الكم لإرضاء أميركا، لأنها سبق أن قدّمت تنازلات، بينها انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة، فضلاً عن شق الحركة الإسلامية وطرد الإسلاميين من السلطة، من دون أن تجد مقابلاً". وأكد أن قرار العقوبات مرتبط بمصالح واشنطن في السودان ولا علاقة له بالحكومة، لا سيما أنها لا تريد أن يصبح السودان سوقاً للصين تسيطر عليه إلى جانب اقتناع الولايات المتحدة بعدم تأثر الحكومة بالعقوبات من الأساس، وأنها تمس المواطن مباشرة، إضافة إلى عدم رغبتها في إيجاد دولة فاشلة إلى جانب دولة الجنوب، مما جعلها تنحو نحو استقرار البلاد.