عمليات انتقامية في الموصل: قتل وتعذيب وتجاهل حكومي وأممي

18 فبراير 2017
جندي عراقي على تخوم الموصل (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يوم 10 يونيو/حزيران 2014، كان خالد عبدالله (47 عاماً)، قد فرّ مع أهله من الموصل إلى أربيل، بسبب اجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المدينة وضواحيها، بعد فرار قوات الجيش العراقي منها، وغرقت المدينة بعمليات قتل وتنكيل طاولت المئات من سكانها. وبعد ثلاث سنوات، اضطر خالد للفرار مرة أخرى، بعد أسبوع من عودته إلى منزله بالساحل الشرقي المحرر، ذلك لأن "مليشيات الحشد الشعبي، وبتورط من بعض وحدات القوات النظامية العراقية، باشرت عمليات اعتقالات عشوائية طاولت المئات من السكان المدنيين، تعقبها عمليات العثور على جثثهم في الساحات والمباني المهجورة عدا عمليات الخطف والابتزاز والسرقة وكلها تحت غطاء ملاحقة وتتبع خلايا داعش النائمة"، وفقاً لخالد، الذي كشف أن "الأمر يحصل على مرأى من الضباط التابعين لمكتب رئيس الوزراء، حيدر العبادي، والمكلفين مراقبةَ الوضع العام بأحياء الموصل المحررة في الجانب الشرقي للمدينة"، الذي أعلنت بغداد عن تحريره من قبضة التنظيم في 24 يناير/كانون الثاني الماضي.

واستمرت عمليات الثأر الانتقامية، التي تنفذها مليشيات "الحشد الشعبي" في أحياء الموصل الشرقية، للأسبوع الثالث على التوالي. وكان جديدها، تبرؤ الكنيسة الكلدانية وعدد من المطارنة مما وصفوه في بيانات متفرقة "انتهاكات تنفذها مليشيا مسيحية تطلق على نفسها اسم كتائب بابليون المسيحية ضد سكان الموصل".

بدورهم، ناشد برلمانيون وزعماء قبائل، الأمم المتحدة والتحالف الدولي بالتدخل لوقف عمليات الانتقام الطائفية التي تنفذ ضد المدنيين. وفي هذا الصدد، قال رئيس منظمة "السلام لحقوق الإنسان"، محمد علي لـ "العربي الجديد"، إن "نحو 800 مواطن بين قتيل ومختطف لا يعلم بأمره، حتى الآن، في الموصل". وأضاف أن "السجلات الرسمية للقوات العراقية لا تجد أسماءهم فيها ولا نعلم أين استقر بهم الحال بعد اعتقالهم من المليشيات".

ولفت علي إلى أنه "تمّ رصد عمليات تعذيب وسرقة ومصادرة أموال وحلي ذهبية من المنازل، التي مُنع السكان فيها من إغلاق أبوابهم ليلاً، كونهم عرضة للتفتيش بأي وقت، ومن يغلق بابه سيتم كسره بقنابل صوتية ثم اعتقاله". وأكد أنه "من المفترض أن يلتقي العبادي، أمس الجمعة، وجهاء الموصل ورؤساء منظمات مدنية، لعرض ما يجري على الموصل من جرائم وانتهاكات على يد تلك المليشيات وأفراد الأمن والجيش المتورطين معهم". مع العلم أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" كشفت في تقرير "حصول انتهاكات من القوات التي تقاتل تنظيم داعش، قالت إنها ترتقي إلى جرائم حرب طاولت المدنيين".

من جهته، أكد العقيد محمد ناظم من قيادة عمليات نينوى وقوع انتهاكات وصفها بـ"الفردية ولا تحمل صفة سائدة بين القوات الموجودة في ساحل الموصل الأيسر". وأوضح لـ "العربي الجديد"، أن "مليشيات ارتكبت جرائم قتل وتعذيب وخطف مختلفة"، لكنه استدرك قائلاً، إنها "عمليات فردية ولا يجوز اتهام جميع القوات الموجودة بتلك الجرائم".



بدوره، كشف معاون قائد لواء البشمركة الثاني في مخمور، العقيد سرحد كاميران، أن "عمليات النزوح العكسية من الموصل إلى أربيل هرباً من انتهاكات المليشيات، مستمرة". وأضاف في حديث لـ "العربي الجديد" أن "أكثر من 200 عائلة عادوا إلى أربيل من الموصل بعد أيام من عودتهم إلى مدينتهم"، لافتاً إلى أن "سوء أو شح الخدمات كالماء والكهرباء ليس السبب بل جرائم وعمليات انتقامية يتعرضون لها". وشدّد على أن "رئاسة إقليم كردستان أمرت بالتعامل مع وضعهم بشكل إنساني والسماح لهم بالدخول إلى أربيل مرة أخرى".

في سياق متصل، كشف مسؤول عسكري آخر، لـ"العربي الجديد"، عن "تورط مليشيات الخراساني والعصائب وبدر ومليشيا بابليون والنجباء بعمليات قتل مدنيين بعد اقتيادهم من منزلهم". وأضاف أنه "جاءتني سيدة في العقد الرابع من العمر، تبحث عن زوجها العامل في كافيتيريا بحي الجزائر، كانت قوة مسلحة قد اقتحمت منزلهم، ليل الأربعاء ـ الخميس، واعتقلته. وقالت لي، اسمه أيهم أحمد الطائي، وللأسف بعد ساعات من البلاغ وجدناه جثة هامدة في منطقة الغابات التي باتت معقل المليشيات الحالي بالموصل". وبيّن أن "رئيس الوزراء يعلم بذلك ويلتزم الصمت، فالاعتراف بذلك يعني اعترافاً بجرائم مليشيات الحشد، كما أن الجيش يتجنّب الاحتكاك مع تلك المليشيات قدر الإمكان".

من جانبها، ذكرت النائبة عن الموصل، فرح السرّاج، في بيان صحافي، أنّ "معلومات وشكاوى وصلت إليها من مواطنين في المناطق المحرّرة في الساحل الأيسر للموصل، تؤكد وجود انتهاكات بالمناطق المحررة بينها ابتزاز السكان بعد اعتقال ذويهم ومساومتهم على المال لإطلاق سراحهم". وطالبت بـ"التحقيق بالموضوع ومحاسبة العناصر السيئة في تلك الأجهزة، التي تعمل على تحقيق أجندات خبيثة تهدف إلى تشويه الانتصارات الكبيرة لقواتنا المسلحة البطلة وإضعاف اللحمة الوطنية".

في سياق متصل، اعتبر عضو مجلس الموصل المحلي (الحكومة المحلية)، محمد الإبراهيمي، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "مسلحين يتبعون الحشد الشعبي بتواطؤ من الجيش والشرطة الاتحادية، نفّذوا، يوم الأربعاء، حملة كبيرة في عدد من المناطق، أسفرت عن اعتقال العشرات من الأبرياء تحت مسمّى خلايا داعش، أو المتعاونين معه". ونوّه إلى أنّ "تلك الحملات قوبلت بالرفض والمناشدات من الأهالي بضرورة إطلاق سراح المعتقلين وإبعاد الحشد الشعبي وأتباعه من تلك المناطق".

من جهته، انتقد عضو المجلس المحلي لبلدة الكرامة، عبد الرزاق البجّاري، "صمت الحكومة إزاء تلك الانتهاكات، وعدم محاسبة المقصرين". وأضاف في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّه "من غير الممكن أن يكون أبناء الموصل ضحية للمليشيات بعد أن بقوا ضحية لداعش على مدى أكثر من سنتين"، مشيراً إلى أنّ "المناطق المحرّرة من سيطرة داعش تعدّ اليوم مناطق آمنة، لولا انتهاكات الحشد وحملات الاعتقال التي تنفّذ فيها، والتي تسببت باعتقال عشرات الأبرياء".

وأضاف أنّ "مليشيا الحشد تقود اليوم، من خلف الكواليس، حملات الاعتقالات تلك، بواسطة أذرعها من مليشيا بابيلون التي يقودها ريان الكلداني، والحشود العشائرية التي تدين بالولاء والارتباط للحشد الشعبي". وأشار إلى أنّ "هذه الاعتقالات والانتهاكات ستبقى مستمرّة في حال لم تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة لمنعها"، لافتاً إلى أنّه "يجب تقسيم المناطق المحرّرة وتسليمها إلى جهات أمنية خاصة ومشتركة، من الشرطة المحلية وأبناء تلك المناطق، ويتحملوا مسؤولية كل ما يحدث في مناطقهم".

وشدّد على أنّ "أهالي الموصل لا يثقون بالقوات العشائرية في الموصل، التي ارتبط معظمها بمليشيا الحشد الشعبي، ولا يقبلون بوجودهم في مناطقهم"، مطالباً الحكومة بـ"حسم هذا الملف سريعاً وعدم ترك الحبل على الغارب لتلك المليشيات"، داعياً مسؤولي وشيوخ الموصل لـ"تشكيل وفد ولقاء رئيس الحكومة وطرح هذه الأزمة عليه ووضع الحلول المناسبة لها".