أنهى حزب "مشروع تونس" (المنشق عن نداء تونس) تردده الذي دام عدة أشهر بين دعم الحكومة أو معارضتها، وأعلنت كتلته في البرلمان (تحمل اسم الحرّة) انضمامها رسمياً إلى المعارضة، أمس الأربعاء.
وجاء هذا الاعلان بعد أن قرر المكتب السياسي للحزب سحب مساندته للحكومة، والتحول إلى موقع المعارضة.
والحزب كان من بين الموقعين على "وثيقة قرطاج" التي جمعت عدداً من الأحزاب والمنظمات الوطنية، ولكنه لم يكن من المتحمسين للحكومة التي تكونت من رحم هذا الاتفاق، وظل يوجه إليها باستمرار عدة انتقادات، ما جعله يقترب شيئا فشيئا من موقع المعارضة، إلى أن حسم أمره رسمياً في الأيام الأخيرة.
وأعلن حزب "مشروع تونس" أيضا منذ أسابيع عن سعيه لتكوين جبهة سياسية جديدة، انضم إليها غاضبون آخرون مثل حزب "الاتحاد الوطني الحر" الذي كان جزءا من الائتلاف السابق الذي كوٌن حكومة الحبيب الصيد، ومن أكبر داعمي الرئيس السبسي، وكان على وشك الانضمام لـحكومة يوسف الشاهد، ولكن خلافات اللحظة الأخيرة أخرجته من الائتلاف، ودفعته أيضا إلى البحث عن تحالفات جديدة.
وشهد حزب "مشروع تونس" في الأيام الأخيرة انضمام عدد من الأحزاب وﺍلشخصيات الجديدة، ما يعكس بداية استعداد للاستحقاق الانتخابي القادم، (الانتخابات البلدية)، التي ستكون اختباره الحقيقي الأول، لكشف مدى شعبيته وانتشاره في جهات البلاد.
غير أن اللافت في الاستراتيجية السياسية المعلنة للحزب، هو أنه يستعيد تقريبا نفس شعارات الحزب القديم "نداء تونس" ما قبل انتخابات 2014، اذ يتبنى بشكل واضح معارضة "حركة النهضة" وانتقادها بشكل مستمر، لخلق نوع من الاستقطاب الثنائي الجديد، داعيا إلى "إعادة التوازن للمشهد السياسي"، والدعوة إلى تشكيل "جبهة انقاذ"، وهي تقريبا نفس الشعارات والخيارات التي رفعها السبسي عند تأسيسه لنداء تونس، وعارض بها "النهضة" وأطاح من خلالها بحكومة الترويكا.
ويتساءل المتابعون عن إمكانية نجاح استراتيجية كهذه، ويعتبر كثيرون أن رئيس الحزب، محسن مرزوق، الذي كان أحد مهندسي وصول الرئيس السبسي إلى قصر قرطاج، يستفيد من تشتت حزب "نداء تونس"، ومن غضب بعض قواعده بسبب تغيير خياراته ما قبل الانتخابات، والتحالف مع "حركة النهضة" بعدها، ويسعى إلى تجميع هؤلاء الغاضبين من ناحية، وعدد من الشخصيات التي لا تنظر بعين الرضا إلى هذا التقارب بين الحزبين المؤسسين للتحالف الحكومي الجديد، الذي تحوّل تقريبا إلى خيار استراتيجي وطني.
وفي انتظار الاختبار الحقيقي لهذه الخيارات، وهو الانتخابات القادمة نهاية هذا العام، فإن الثابت أن المشهد البرلماني سيشهد تغيرات مهمة، وإن لم تكن ذات تأثير كبير على مجرى التصويت، لمحافظة الائتلاف الحالي على أغلبية مريحة، فإنها تشير بشكل واضح إلى تغيّرات مهمة في المشهد السياسي عموما، بداية الاستعداد للانتخابات القادمة، بعد أن حسم البرلمان أخيرا جدل قانون الانتخابات.
ولكن حزب "مشروع تونس" ينجح إلى حد الآن في جلب الأنظار اليه، بتحركاته المستمرة التي تكاد تكون يومية عبر استراتيجية اتصالية، تحاول تركيز الاهتمام حوله، ولعلها تهدف إلى تحويل الحزب أو الجبهة الجديدة إلى الجهة المعارضة الأبرز، وربما تنجح تدريجيا في سحب البساط من تحت المعارضة التقليدية. وعموما، فإن "مشروع تونس"، بقراره النهائي الانضمام إلى المعارضة، سيكون مجبراً أيضا على التنافس مع هذه الأحزاب للتموقع بشكل واضح في أذهان ناخبيه.