مثل شجرة عارية وقف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خارج مقر رئاسة الحكومة البريطانية، يوزع الابتسامات الصفراء على الصحافيين ليخفي امتعاضه وشعوره بالإهانة. هكذا، وصفت إحدى الصحف البريطانية مشهد رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي وصل في زيارة رسمية للقاء رئيسة وزراء المملكة المتحدة، تيريزا ماي، ليجد باب مكتبها مُوصداً، لا أحد في استقباله، ولم تُفرد له سجادة حمراء، يحظى بها عادة القادة والزعماء، زوار عنوان "10 داوننغ ستريت".
خلال لحظات من الارتباك، مرت على نتنياهو وكأنها الدهر، التقطت كاميرات العالم مئات الصور لرئيس وزراء الاحتلال، مُتوسلاً أو مُتسولاً أن يُفتح له الباب، أو أن يخرج أحد لاستقباله. لكن لا شئ من ذلك حدث، حتى اضطر للدخول وحيداً، هارباً من أسئلة الصحافيين الساخرة.
ولعل نتنياهو تساءل في تلك اللحظات عن المغزى السياسي لما يجري، لا سيما وهو يستعيد مشهد آخر زيارة له إلى "10 داوننغ ستريت"، وكيف استقبله رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، وكبار موظفي المكتب الحكومي بسجادة حمراء، وحفاوة لافتة، وكلمات دافئة أمام الإعلام، وكلها مظاهر غابت أو غُيبت عمداً هذه المرة.
لا شك أن ما جرى ليس مجرد خطأ بروتوكولي، كما وضَّح بيان لرئاسة الحكومة البريطانية. والأرجح أن تيريزا ماي التي تلتقي نتنياهو لأول مرة، منذ تسلمها منصب رئاسة الحكومة في يوليو/ تموز الماضي، أرادت توجيه ضربة استباقية للزائر، وهي تعلم، وقد كانت وزيرة للداخلية لسنوات، الكثير عن شخصية نتنياهو الانتهازية وعنجهيته التي دفعته لإهانة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في أكثر من مناسبة. أو ربما أرادت ماي بالفعل إهانة نتنياهو، لا سيما أن "ركنه" أمام باب مكتبها تزامن مع مصادقة الكنيست على قانون يُشرع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وهي السياسات التي ترفضها لندن بلا تحفظ.
ما جرى على باب "10 داوننغ ستريت"، يكشف أيضاً عن جانب من شخصية رئيسة وزراء بريطانيا. فالسيدة التي يرى البعض أنها "مُملة وباردة"، تتمتع بالكثير من الدهاء السياسي. وكما قال أحدهم: "من لا يرى الصرامة والحزم في وجه السيدة الحديدية، فعليه البحث في قدميها"، وهي تنتعل "الكعب العالي" المكسو بفروة ثعلب، أو جلد أفعى.