على امتداد نصف عام من توليها السلطة في تونس، مرّت حكومة يوسف الشاهد بعواصف متعددة، وخضعت لجملة من الاختبارات المختلفة على كل الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وعلى الرغم من قصر المدة فقد وجدت هذه الحكومة نفسها في مواجهة محاولات عزلها، وتجريدها من داعميها واحداً تلو الآخر وتضييق الخناق عليها من جهات متعددة، بالإضافة إلى ما ارتكبته هي ذاتها من أخطاء سهّلت مهمة منافسيها. غير أن أكبر اخطائها، التي كادت تكون قاتلة، هو تجاهلها وابتعادها التدريجي عن السبب الرئيسي الذي شكّل مصدر قوتها وأصل ولادتها: وثيقة قرطاج.
وللتذكير، فقد ولدت حكومة الشاهد على أنقاض حكومة الحبيب الصيد، بعد سحب الثقة منها، وأطلق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مبادرة الحكومة الوطنية التي جمعت حولها عدداً من الأحزاب وثلاث منظمات وطنية. ولكن الحسابات السياسية دفعت حزبين للخروج من الوثيقة وإعلان سحب الدعم عن الحكومة والتحوّل إلى صف المعارضة، وهما حزبا "مشروع تونس" و"الاتحاد الوطني الحر"، بالإضافة إلى حركة "الشعب" القومية التي اتخذت مسافة واضحة من الحكومة مع الأيام.
وبدأت الوثيقة تتآكل شيئاً فشيئاً، وتفقد عناصرها الأساسية منذ الاختبارات الأولى التي بدأت مع تشكيل الشاهد لحكومته، ثم موازنة العام 2017، وما تلاها من خيارات وصدامات مع بعض النقابات الفرعية وصولاً إلى التعديل الوزاري الأخير الذي أثار أزمة حقيقية كادت تعصف بأهم المكوّنات والموقعين على وثيقة قرطاج، اتحاد الشغل.
ومع أزمة التسريبات الصوتية الأخيرة من حزب "نداء تونس"، وما كشفته من وهن العلاقة بين الشاهد وحزبه "النداء"، وحمى الانتقادات التي طاولت حزامه الحكومي وأقرب مستشاريه، كان كل شيء يقود إلى الاعتقاد بأن الشاهد ذاهب إلى عزلة سياسية واضحة قد تعصف بحكومته بشكل كامل، وربما بمستقبله السياسي، خصوصاً مع تأزم العلاقة مع اتحاد الشغل، وإصرار نقابتي التعليم على ضربه من خلال إسقاط وزيره القوي للتعليم، ناجي جلّول.
ولكن يبدو أن الشاهد أنصت جيداً لنصيحة البعض، أو ربما اقتنع لوحده بأن سبيل تجاوز الأزمة الوحيد يتمثل في العودة إلى الأصل، وبثّ الروح من جديد في الوثيقة المنسية، وثيقة قرطاج، وتجديد الالتزام بما تضمنته من مبادئ يمكن أن تمنح حكومته مهلة زمنية جديدة تمكّنه من مواصلة الإصلاحات القاسية التي يفرضها الوضع الاقتصادي الصعب جداً، وتهدئة الأوضاع الاجتماعية لفترة أخرى.
وبينما كان الجميع خلال الأسبوع الماضي يراقب ما ستؤول إليه الأمور بعد أزمة التسريبات بما أثارته من انتقادات من قيادات في "النداء" لأحزاب حليفة، وتداعيات التعديل الوزاري، تسلح الشاهد بشجاعة تعكس براغماتية سياسية واضحة أصبحت معروفة عنه، ووجّه الدعوة للموقّعين على الوثيقة، مستثنياً من أعلن الخروج عنها والانضمام إلى المعارضة.
وعلى الرغم من أنه لم تتسرب الكثير من المعلومات حول الأجواء التي سادت داخل القاعة حول هذا الاجتماع الأول لفريق الوثيقة منذ تشكيل الحكومة، بما يبدو أنه اتفاق بين هذه الأطراف حول التكتم على مضامين الاجتماع، فقد خرج الجميع ليؤكد "التزام الأطراف الموقّعة بالوثيقة وبدعم حكومة الوحدة الوطنية"، و"تعهد الحكومة من جهتها بتنفيذ ما جاء في الوثيقة وبضرورة عمل جميع الأطراف من أجل إنجاح الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها العام الحالي".
اقــرأ أيضاً
وقال الشاهد في تصريح للصحافيين إثر الاجتماع إنّ هناك التزاماً من كل الأحزاب والمنظمات بمخرجات وثيقة قرطاج، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على تشكيل لجان لتدارس المسائل الكبرى على غرار مسألة الإصلاح التربوي والصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية وإصلاح الوظيفة العامة، و"على ضرورة أن يكون هناك تشاور أكبر بين الحكومة والكتل المساندة لها"، مقراً "بصعوبة الوضع الراهن لا سيما على مستوى التوازنات المالية الكبرى"، مؤكداً أن الحكومة تقدّمت في عدد من البنود الواردة في الوثيقة خصوصاً في مكافحة الإرهاب وفي استرجاع نسق الإنتاج ونسبة النمو.
وعاد الشاهد ليؤكد، أمس الخميس، أمام البرلمان أن "حكومة الوحدة الوطنية أوفت بقسم كبير من تعهداتها التي تضمّنتها وثيقة قرطاج، وهي متمسكة بتنفيذ كل بنود الوثيقة... ولم تحد عنها كما يروّج". واستشهد رئيس الحكومة بما حققته حكومته على امتداد هذه الأشهر الستة، من خلال أرقام وتقييمات، ما بدا أنه رد على منتقديه وعلى حملات التشكيك التي طاولت حكومته خصوصاً في الأسابيع الأخيرة.
وتعكس تصريحات الشاهد وبعض الشخصيات السياسية، أن ما دار داخل القاعة كان عملية جرد صريحة للواقع الاقتصادي التونسي المتردي، على الرغم من بعض التقدّم، ويبدو أن مستشاري الشاهد كشفوا للحاضرين حقيقة هذا الوضع، وهو ما يتقاطع مع ما كشفته بعض المؤسسات الاقتصادية الدولية، ومن بينها "فيتش رايتنغ" التي توقّعت أن يواصل المقرضون متعددو الأطراف معاضدة التحول الحاصل في تونس. ولكن تأجيل صندوق النقد الدولي صرف القسط الثاني (بقيمة 320 مليون دولار) من قرض يقدّمه لتونس، بسبب تأخر الإصلاحات في مجال الوظيفة العامة ونفقات الحكومة، يطرح تحديات الإصلاح، التي تواجهها الحكومة التونسية، وتأخر الإصلاحات مجدداً من شأنه أن يغذي عدم الثقة في آفاق تمويل تونس.
من جهة أخرى، أكد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، أنه تم الاتفاق على انعقاد اجتماع المجلس التنسيقي للموقّعين على وثيقة قرطاج بشكل دوري مع اقتراح تشكيل لجان تكون فيها كل الأطراف الموقّعة على الوثيقة ممثلة وتتخصص كل لجنة في بند من البنود الخمسة للاتفاقية مع إضافة بند سادس يتعلق بالإصلاح التربوي. ويشير هذا البند السادس إلى محاولة الحكومة ترحيل ملف الخلاف الكبير بينها وبين نقابة التعليم إلى وثيقة قرطاج، وطرح الملف التربوي الذي أصبح ملفاً سياسياً بامتياز أمام كل الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية.
ولكن هذا الحل لم يرضِ كما يبدو نقابات التعليم التي اتخذت من إسقاط الوزير خياراً استراتيجياً، وربما وجودياً لها، كما يصفه البعض، وربما تدخل في مواجهة مع القيادة المركزية لاتحاد الشغل، بسبب إصرارها على المضي في قرار الإضراب المفتوح على الرغم من عدم موافقة القيادة على ذلك، وهو ما يحيل إلى تداعيات ما بعد مؤتمر المنظمة الأخير، ولكن هذا الموضوع نقابي بامتياز على الرغم من خلفياته السياسية.
وخرج الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، مؤكداً وحدة النقابيين وحل خلافاتهم داخل أُطر المنظمة، ليرد على محاولات شق الصف النقابي، معلناً أن صوت منظمته في مواجهة هذه القضايا سيبقى موحّداً.
ويبدو أن الأحزاب والمنظمات وافقت على منح حكومة الشاهد فسحة زمنية جديدة، ولكنها اشترطت بوضوح أن تتم معالجة القرارات الهامة المتعلقة بالخيارات الكبرى بشكل جماعي وألا تستأثر الحكومة بذلك، وهو جوهر الاتفاق الأصلي في وثيقة قرطاج. وسيكون على حكومة الشاهد أن تتقاسم همومها مع الجميع، على الرغم من أن وجهات النظر لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تبقى متباينة بحكم اختلاف هذه الجهات الفكري والمصلحي، وهو ما يفترض البحث باستمرار عن توافقات ليست دائما متاحة.
وللتذكير، فقد ولدت حكومة الشاهد على أنقاض حكومة الحبيب الصيد، بعد سحب الثقة منها، وأطلق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مبادرة الحكومة الوطنية التي جمعت حولها عدداً من الأحزاب وثلاث منظمات وطنية. ولكن الحسابات السياسية دفعت حزبين للخروج من الوثيقة وإعلان سحب الدعم عن الحكومة والتحوّل إلى صف المعارضة، وهما حزبا "مشروع تونس" و"الاتحاد الوطني الحر"، بالإضافة إلى حركة "الشعب" القومية التي اتخذت مسافة واضحة من الحكومة مع الأيام.
وبدأت الوثيقة تتآكل شيئاً فشيئاً، وتفقد عناصرها الأساسية منذ الاختبارات الأولى التي بدأت مع تشكيل الشاهد لحكومته، ثم موازنة العام 2017، وما تلاها من خيارات وصدامات مع بعض النقابات الفرعية وصولاً إلى التعديل الوزاري الأخير الذي أثار أزمة حقيقية كادت تعصف بأهم المكوّنات والموقعين على وثيقة قرطاج، اتحاد الشغل.
ولكن يبدو أن الشاهد أنصت جيداً لنصيحة البعض، أو ربما اقتنع لوحده بأن سبيل تجاوز الأزمة الوحيد يتمثل في العودة إلى الأصل، وبثّ الروح من جديد في الوثيقة المنسية، وثيقة قرطاج، وتجديد الالتزام بما تضمنته من مبادئ يمكن أن تمنح حكومته مهلة زمنية جديدة تمكّنه من مواصلة الإصلاحات القاسية التي يفرضها الوضع الاقتصادي الصعب جداً، وتهدئة الأوضاع الاجتماعية لفترة أخرى.
وبينما كان الجميع خلال الأسبوع الماضي يراقب ما ستؤول إليه الأمور بعد أزمة التسريبات بما أثارته من انتقادات من قيادات في "النداء" لأحزاب حليفة، وتداعيات التعديل الوزاري، تسلح الشاهد بشجاعة تعكس براغماتية سياسية واضحة أصبحت معروفة عنه، ووجّه الدعوة للموقّعين على الوثيقة، مستثنياً من أعلن الخروج عنها والانضمام إلى المعارضة.
وعلى الرغم من أنه لم تتسرب الكثير من المعلومات حول الأجواء التي سادت داخل القاعة حول هذا الاجتماع الأول لفريق الوثيقة منذ تشكيل الحكومة، بما يبدو أنه اتفاق بين هذه الأطراف حول التكتم على مضامين الاجتماع، فقد خرج الجميع ليؤكد "التزام الأطراف الموقّعة بالوثيقة وبدعم حكومة الوحدة الوطنية"، و"تعهد الحكومة من جهتها بتنفيذ ما جاء في الوثيقة وبضرورة عمل جميع الأطراف من أجل إنجاح الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها العام الحالي".
وقال الشاهد في تصريح للصحافيين إثر الاجتماع إنّ هناك التزاماً من كل الأحزاب والمنظمات بمخرجات وثيقة قرطاج، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على تشكيل لجان لتدارس المسائل الكبرى على غرار مسألة الإصلاح التربوي والصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية وإصلاح الوظيفة العامة، و"على ضرورة أن يكون هناك تشاور أكبر بين الحكومة والكتل المساندة لها"، مقراً "بصعوبة الوضع الراهن لا سيما على مستوى التوازنات المالية الكبرى"، مؤكداً أن الحكومة تقدّمت في عدد من البنود الواردة في الوثيقة خصوصاً في مكافحة الإرهاب وفي استرجاع نسق الإنتاج ونسبة النمو.
وعاد الشاهد ليؤكد، أمس الخميس، أمام البرلمان أن "حكومة الوحدة الوطنية أوفت بقسم كبير من تعهداتها التي تضمّنتها وثيقة قرطاج، وهي متمسكة بتنفيذ كل بنود الوثيقة... ولم تحد عنها كما يروّج". واستشهد رئيس الحكومة بما حققته حكومته على امتداد هذه الأشهر الستة، من خلال أرقام وتقييمات، ما بدا أنه رد على منتقديه وعلى حملات التشكيك التي طاولت حكومته خصوصاً في الأسابيع الأخيرة.
وتعكس تصريحات الشاهد وبعض الشخصيات السياسية، أن ما دار داخل القاعة كان عملية جرد صريحة للواقع الاقتصادي التونسي المتردي، على الرغم من بعض التقدّم، ويبدو أن مستشاري الشاهد كشفوا للحاضرين حقيقة هذا الوضع، وهو ما يتقاطع مع ما كشفته بعض المؤسسات الاقتصادية الدولية، ومن بينها "فيتش رايتنغ" التي توقّعت أن يواصل المقرضون متعددو الأطراف معاضدة التحول الحاصل في تونس. ولكن تأجيل صندوق النقد الدولي صرف القسط الثاني (بقيمة 320 مليون دولار) من قرض يقدّمه لتونس، بسبب تأخر الإصلاحات في مجال الوظيفة العامة ونفقات الحكومة، يطرح تحديات الإصلاح، التي تواجهها الحكومة التونسية، وتأخر الإصلاحات مجدداً من شأنه أن يغذي عدم الثقة في آفاق تمويل تونس.
من جهة أخرى، أكد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، أنه تم الاتفاق على انعقاد اجتماع المجلس التنسيقي للموقّعين على وثيقة قرطاج بشكل دوري مع اقتراح تشكيل لجان تكون فيها كل الأطراف الموقّعة على الوثيقة ممثلة وتتخصص كل لجنة في بند من البنود الخمسة للاتفاقية مع إضافة بند سادس يتعلق بالإصلاح التربوي. ويشير هذا البند السادس إلى محاولة الحكومة ترحيل ملف الخلاف الكبير بينها وبين نقابة التعليم إلى وثيقة قرطاج، وطرح الملف التربوي الذي أصبح ملفاً سياسياً بامتياز أمام كل الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية.
وخرج الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، مؤكداً وحدة النقابيين وحل خلافاتهم داخل أُطر المنظمة، ليرد على محاولات شق الصف النقابي، معلناً أن صوت منظمته في مواجهة هذه القضايا سيبقى موحّداً.
ويبدو أن الأحزاب والمنظمات وافقت على منح حكومة الشاهد فسحة زمنية جديدة، ولكنها اشترطت بوضوح أن تتم معالجة القرارات الهامة المتعلقة بالخيارات الكبرى بشكل جماعي وألا تستأثر الحكومة بذلك، وهو جوهر الاتفاق الأصلي في وثيقة قرطاج. وسيكون على حكومة الشاهد أن تتقاسم همومها مع الجميع، على الرغم من أن وجهات النظر لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تبقى متباينة بحكم اختلاف هذه الجهات الفكري والمصلحي، وهو ما يفترض البحث باستمرار عن توافقات ليست دائما متاحة.